قال مصطفى بوزغيبة، الباحث بمركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث، التابع للرابطة المحمدية للعلماء، ان الفتوى اعتبرت أحد المناصب الدينية الأكثر خطورة وأهمية نظرا لكون المفتي موقعا عن الله تعالى ومبينا لأحكامه". وأوضح في دراسة حديثة أن المفتي، كما قال الإمام الشاطبي، قائم في الأمة مقام النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو خليفته ووارثه "العلماء ورثة الأنبياء"، وهو نائب عنه في تبليغ الأحكام، وتعليم الأنام، وإنذارهم بها لعلهم يحذرون، وهو إلى جوار تبليغه في المنقول عن صاحب الشريعة، قائم مقامه في إنشاء الأحكام في المستنبط منها بحسب نظره واجتهاده فهو من هذا الوجه – كما قال الشاطبي – شارع، واجب اتباعه، والعمل على وفق ما قاله، وهذه هي الخلافة على التحقيق". وأشارت الدراسة الموسومة بعنوان " صناعة الفتوى: الأهلية الأخلاقية للمفتي"، الى أن "ما زاد الأمر تعقيدا هو التطور العلمي المذهل، وتعدد حاجات الناس المستمرة وكثرة الوقائع المستجدة مع شبه غياب لمؤسسات شرعية تؤطر هذا المجال الحساس وتراقبه من كل دخيل ومنتحل ومدعي وكل من لا خلاق له اتخذ من هذا المنصب حرفة يسترزق منها أو يبني أمجاد نفسه الخداعة"، مؤكدا أن " هؤلاء الذين اقتحموا هذا المجال فضلوا وأضلوا يجعلنا نتساءل عن المحددات الأخلاقية للفتوى والمفتين لضمان حماية هذا المجال من أي دخيل وفق رؤية شرعية صارمة وحازمة مع مراعاة المقاصد الشرعية". وبعد أن تطرق المؤلف لدراسة الأسس الأخلاقية للفتوى، عند الإمام مالك، والشروط الأخلاقية الواجب توافرها في المفتي باعتباره موقعا عن الله تعالى، وكذا مؤلفات العديد من العلماء المتقدمين وحتى المتأخرين، الذين أفردوا أبوابا وكتبا ومؤلفات خاصة تتناول أدب الإفتاء، والأهلية الأخلاقية الواجب توفرها في المفتي حتى يكون أهلا للإفتاء ومحلا للإقتداء، خلص الى أن " العلماء الربانيين كثيرا ما يتأملون في المسائل الليالي الطوال، بل والسنوات عسى أن يهتدوا إلى الجواب الذي يطمئنون إليه، ويبحثون عن دليله، ويقلبون وجوه النظر حتى لا يفتوا عن غير علم ولا سلطان مبين، ولا يتسرعون في الجواب، ولا يضرهم أن يقال فيهم فلان تأخر في الجواب". وأضاف أن هذا الأمر هو عكس ما نجده اليوم في قنواتنا من فتاوى مباشرة في كل المسائل وبسرعة كبيرة، وربما يفتي البعض بفتاوى غريبة وشاذة حتى لا يقال في حقه إنه لا يدري أو يتأخر في جوابه وكأنها نقيصة"، مشددا على أن " الكثيرون خصوصا في هذا العصر، يجهلون قواعد وضوابط وأخلاق الفتوى، حيث تجد وسائل الإعلام باختلاف اتجاهاتها وألوانها ومذاهبها تتبع خطوات المشاهير بما فيهم رجال الدين وإن كانوا لا يشعرون، فكم من داعية ومفتي تربصوا به وتصيدوا مثالبه وهفواته وشهروه فسقط في أعين الناس"، تخلص الدراسة.