عندما كان فريق باريس سان جرمان الفرنسي يلعب نهاية "التشامبيونز" ضد فريق بايرن ميونيخ الألماني، فإن فرنسا كلها، تقريبا، كانت تنبض بحب الفريق الباريسي وتتوق إلى تتويجه، أما ما دفع إلى وضع كلمة تقريبا، فهم أبناء مرسيليا، وهي مدينة فرنسية أيضا، والذين خرجوا إلى الشوارع في احتفالات فرح صاخبة بمجرد أن أعلن الحكم نهاية المباراة بانتصار الألمان. عموما، فالمرسيليون ليسوا ألمانا، ولا هم من أي جنس آخر، فهم فرنسيون أيضا، لكن مقدار العداوة ما بين مرسيليا وباريس عميق جدا، إلى درجة أن عمدة مرسيليا أمر بمنع ارتداء قميص باريس سان جرمان في المدينة عشية تلك المباراة، تجنبا للأسوأ. وفي مباراة الكلاسيكو الأخيرة بين أولمبيك مرسيليا وباريس سان جرمان، تجسد ذلك العداء بصورة فاقعة جدا، وبدا أن ما بين المدينتين أكثر من مجرد عداء كروي، بل هو عداء غارق في بطن التاريخ.. والجغرافيا أيضا. اكتسبت باريس لنفسها صفة العاصمة الكاملة الأبهة والسمو، ولا يكتمل ذكر فرنسا إلا بذكر باريس، ولا تذكر باريس إلا ومعها ذلك البرج المهيب، الذي يجذب كل عام عشرات الملايين من السياح من مختلف مناطق العالم. باريس أيضا، هي مدينة الملوك والكتاب والمشاهير، مدينة بألف وجه وبصفحات مزدحمة في بطون التاريخ، إنها مدينة تتسم بالعجرفة، وهي عجرفة بقدر ما جعلت منها مدينة محبوبة في الخارج، إلا أن هذا جر عليها نقمة باقي الفرنسيين، وبالأخص نقمة سكان المدن البعيدة، أو المختلطة، وعلى رأسها مرسيليا. مدينة مرسيليا تكاد تناقض باريس في كل شيء، فهي المدينة المشرفة بوجهها على البحر الأبيض المتوسط، وكأنها تعطي بظهرها عمدا لفرنسا كلها، وكأنها لا تأبه بكل ما يقال عن باريس ومجد التاريخ الفرنسي الذي يدور حول العاصمة كما لو كانت صنما معبودا. مرسيليا تكره باريس لسبب آخر. فقد كانت هذه المدينة المتوسطية دائما حضنا دافئا وأبديا للمهاجرين الأولين القادمين من مختلف مناطق العالم. جاءها الإيطاليون والصقليون والعرب والأفارقة والترك والإسبان وغيرهم، فشكلت لنفسها شخصية خاصة جدا، شخصية ناقمة ومتمردة. لم تكتف مرسيليا بتمردها الجغرافي والمزاجي، بل تمردت لغة أيضا، حيت يتحدث سكانها فرنسية مكسورة تكاد تشبه لغة الكيبيكيين في كندا، وكأن بين مرسيليا وباريس بحر الظلمات، بينما لا يفصل بينهما سوى الكثير من عقد التاريخ.. وأيضا الكثير من سوء الفهم.