هناك حالات تناقض صارخ في التعامل مع تفشي وباء كورونا. ففي الوقت الذي تخفف بعض البلدان إجراءات الحجر الصحي، فإن منظمة الصحة العالمية تحذر من ذلك وتقول إن عواقب مهادنة الفيروس قد تكون وخيمة جداً، وفي النهاية لا نعرف من يعرف أكثر، هل السياسيون الذين يخففون إجراءات الحجر أم خبراء منظمة الصحة العالمية. وفي بداية تفشي الفيروس كان الجميع يعلمون بخطورته بعد ان تجاوز الحدود الصينية، وكل الناس رأوا كيف أغلقت الصين حدود مدن بكاملها وفرضت الحجر الصحي على عشرات الملايين، بينما بقيت بلدان كثيرة تتأمل الوضع وتعتقد ان الفيروس لن يصلها وتنتظر أن تظهر أول حالة إصابة قادمة من الخارج، وفي النهاية تبين أن أزيد من تسعين في المائة من الإصابات محلية. وعندما كان الحديث يدور حول ضرورة ارتداء الكمامات الواقية في بداية الفيروس، قال الكثيرون، بمن فيهم الخبراء وأهل السياسة، إن ارتداء الكمامة غير ضروري، سواء في الشارع او الأماكن المغلقة، وأن من يجب أن يرتدونها هم المصابون بالمرض من الذين يسعلون او يعطسون باستمرار، وفي النهاية صار عدم ارتداء الكمامة في الشارع جنحة يعاقب عليها القانون. وفي البداية سمع الناس كلهم ان مسافة الأمان الصحية بين الناس هي متر او متر ونصف، لتجنب العدوى، ثم ظهر خبراء قالوا إن ذلك مجرد ترهات، وأن مسافة الأمان الحقيقية لا يجب أن تقل عن ثلاثة أو أربعة أمتار، وزادوا فوق ذلك بأنهم غير متأكدين إن كان الفيروس ينتقل بالمصافحة والملامسة الجسدية فقط، أو أنه يمكن أن ينتقل بواسطة الهواء. ومنذ بداية الوباء هناك بلدانا لم تفرض إجراءات حجر صارمة، مثل البلدان الإسكندنافية، والتي تسجل بها نسبة إصابات جد منخفضة، بينما في بلدان أخرى عرفت إجراءات حجر صحي صارمة، مثل إيطاليا وإسبانيا والولايات المتحدةالأمريكية، تم تسجيل أعداد قياسية من الإصابات والوفيات. وفي الوقت الذي تدق بعض البلدان نواقيس النصر ابتهاجا بالانتصار الوشيك على الفيروس، فإن خبراء الصحة العالمية يقولون إن الفيروس باق معنا إلى أجل غير مسمى، وأن البشرية يجب أن تستعد لموجات أسوأ من الوباء لأن هذا الفيروس قادر على تطوير نفسه في أوقات وجيزة ويمكن أن يفتك بالبشر مستقبلا. ووسط كل هذا الجدل فإنه من الصعب أن ننصت إلى خبراء ومتخصصين في علم الأوبئة فنسمعهم يقولون إنهم لا يعرفون الكثير عن هذا الفيروس بعد قرابة سبعة أشهر على ظهوره وبعد أن قضى على أزيد من مائتي ألف شخص ويسير قي اتجاه إصابة الملايين…! إنه فعلا لغز كبير..