استهل محمد عبد النباوي، الوكيل العام للملك، رئيس النيابة العامة، كلمته، بمناسبة اليوم الدراسي حول "إجراءات التعاون الدولي وفقا لأحكام اتفاقية بودابست المتعلقة بالجريمة المعلوماتية"، اليوم، الإثنين، بمراكش، بتوجيه عبارات الامتنان والشكر، إلى المشاركين في اليوم الدراسي، الخبراء، والقضاة، وممثلي المديرية العامة للأمن الوطني، والقيادة العليا للدرك الملكي، ومديرية مراقبة التراب الوطني، وإدارة الدفاع الوطني، منوها، في الآن نفسه، بالتعاون المثمر لمجلس أوروبا مع النيابة العامة، ولاسيما، يسجل الوكيل العام للملك، قائلا: "حينما يتعلق الأمر بالخبرات الأجنبية، التي يساعدنا على توفيرها لتنظيم لقاءات من هذا النوع وبهذا المستوى". وأكد رئيس النيابة العامة، أن المشرع المغربي، لحظة شعوره بخطورة الجريمة الإلكترونية، منذ بداية الألفية الثانية، تبنى حينها القانون الجنائي باباً خاصاً بالمس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات منذ سنة 2003، يشرح عبد النباوي، "حيث أن سرعة تطور تكنولوجيا المعلومات، أدت إلى شيوع استعمال هذه الوسيلة في ارتكاب جرائم متعددة ومختلفة يمتد أثرها خارج الحدود". وأضاف عبد النباوي، أنه، إذا كان المشرع المغربي قد استحضر روح الاتفاقية الأوروبية، حول الإجرام المعلوماتي، إبان وضعه للباب العاشر من الجزء الأول من الكتاب الثالث، من مجموعة القانون الجنائي، (المواد 3-607 إلى 11-607)، يوضح رئيس النيابة العامة، فإن المستجدات الحاصلة في مجال استخدام المعلومات في ارتكاب الجرائم العابرة للحدود، جعلت الدولة المغربية تصادق على اتفاقية بودابست حول الجريمة المعلوماتية. هذه المصادقة، يتابع عبد النباوي، "التي تم إيداع وثائقها لدى أمانة مجلس أوروبا بتاريخ 29 يونيو 2018، ليبدأ العدُّ العكسي لدخولها حيز التنفيذ بعد ثلاثة أشهر من ذلك". وأوضح الوكيل العام للملك، أنه وفقا للدستور المغربي الذي يمنح السمو للاتفاقيات الدولية على التشريعات الوطنية فور المصادقة عليها. فإن هذه الاتفاقية قد أصبحت منذ تاريخ فاتح أكتوبر 2018 جزءً من القانون الوطني، وأن السلطات ملزمة بتطبيقها اعتباراً للمنصوص عليه في تصدير الدستور بشأن سمو الاتفاقيات الدولية على التشريع الوطني، وكذلك، يواصل عبد النباوي، عملاً بالمقتضى الوارد في المادة 713 من قانون المسطرة الجنائية فيما يتعلق بالمقتضيات المنظِّمة للتعاون القضائي الدولي". وأبرز عبد النباوي، أنه إذا كانت اتفاقية بودابست التي صادق عليها مجلس أوروبا، وفتح باب التوقيع عليها ابتداء من 23 نونبر 2001، قد أعدت في البداية للعمل بها من طرف الدول المنتمية للمجلس المذكور، فإنها، يسجل رئيس النيابة العامة، "قد تضمنت مقتضى يتيح لدول أخرى خارج الفضاء الأروبي للانضمام إليها". وبذلك، يشيد عبد النباوي، قائلا: "فإن المملكة المغربية الساعية إلى تطوير ترسانتها القانونية، وملاءمة قوانينها مع أحدث التشريعات العالمية، حينما يتعلق الأمر بجرائم عابرة للحدود كالإجرام السبيراني، انضمت إلى هذه الاتفاقية وأصبحت بذلك هي العضو الستين المنضم إليها. وهذا دليل على السياسة الاستباقية للمملكة، وانخراطها في المجهودات الدولية الرامية إلى منع الجريمة، وإرَادتها الراسخة لتقوية التعاون الدولي من أجل ذلك". وأشار رئيس النيابة العامة، إلى أنه إذا كانت الدولة المغربية كغيرها من الدول، التي اختارت الانفتاح وإرساء دعائم مجتمع المعلومات، والحق في المعلومة وتوسيع نطاق الاقتصاد الرقمي، معنية بمخاطر الجريمة المعلوماتية، التي تعرف تطورا كمياً ونوعيا، نتيجة ارتفاع عدد المستفيدين من خدمات الانترنيت واتساع نطاق المعاملات عن بعد، وتطور وسائل وأساليب ارتكاب الجرائم المعلوماتية. فإن، يشرح عبد النباوي، "مستعملي الأنترنت المغاربة أنفسُهُم مَعْنِيُّونَ بأمن أنظمة المعلومات وحماية البيانات، غير أن حوالي 76 في المائة، من الأفراد لا يقومون بحماية أنفسهم ضد مخاطر الانترنت، يضيف الوكيل العام للملك، "لعدم علمهم بالأدوات المتوفرة لهذا الغرض، حسب ما أكدته الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات بالمغرب". وأفاد عبد النباوي، بأنه وعيا بكل ذلك، فقد انخرط المغرب في الدينامية العالمية الرامية إلى توفير الأمن الرقمي، وحماية نظم المعالجة الآلية للمعطيات، مسترشدا في ذلك بالتوجيهات الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، حيث وضع إستراتيجية المغرب الرقمي، التي ساهمت في توفير سبل تنمية الاقتصاد الرقمي ببلادنا وتسهيل ولوج الأفراد لتكنولوجيا المعلومات. فضلا، يتابع رئيس النيابة العامة، "عن إرساء إطار مؤسساتي وقانوني حديث وفعال لمواجهة مخاطر الجريمة المعلوماتية، وكان من تجلياته بناء منظومة قانونية متكاملة توازن بين تحقيقِ هدف المغرب الرقمي وتوسيعِ نطاق المعاملات الإلكترونية، وبين تحقيق الأمن المعلوماتي وزجر كلَ الممارسات التي تهدد سلامة الأنظمة المعلوماتية، حيث تم سن قوانين حول التبادل الإلكتروني للمعطيات، يشرح عبد النباوي، من أجل تنظيم آليات التشفير والتوقيع الإلكتروني وتحديد القيمة القانونية للوثائق والالتزامات الإلكترونية، ومن أجل توفير الحماية للمعطيات ذات الطابع الشخصي. وأشار رئيس النيابة العامة، إلى أن القانون حدد مفهوم المعطيات ذات الطابع الشخصي، ودعم الأحكام الخاصة بحمايتها بجزاءات مناسبة، فضلا عن الأحكام القانونية ذات الصلة بالبريد والمواصلات، وتحديد التزامات متعهدي الشبكة العامة للمواصلات. وكذا إدراج حماية المستهلك السبيراني ضمن أحكام قانون حماية المستهلك، وتأييد هذه الأحكام بقواعد إجرائية وبنصوص للتجريم والعقاب تشمل مختلف صور الجريمة المعلوماتية، سواء التي يمكن أن ترتكب بواسطة نظام المعالجة الآلية للمعطيات أو تلك التي يكون النظام السالف الذكر موضوعا لها. وقال عبد النباوي إن انضمام المملكة إلى اتفاقية بيدابست حول الإجرام السيبراني، يأتي تتويجا لهذا المسار التشريعي، ويضع المغرب في مصاف البلدان الرائدة في مجال التشريعات المتقدمة، ويمنحها آلية متطورة لمكافحة الجرائم المرتكبة بواسطة أنظمة المعلومات، والاستفادة من الوسائل القانونية التي ترمي هذه الاتفاقية، إلى تحقيقها والمتمثلة، يعلن الوكيل العام للملك، في ثلاثة أهداف رئيسية، أولا ملاءمة القانون الجنائي الداخلي مع أحكامها الموضوعية، ثانيا، ملاءمة قانون المسطرة الجنائية مع أحكام الاتفاقية الإجرائية، ثالثا، وضع نظام سريع وفعال للتعاون الدولي، وهي المقتضيات، يضيف عبد النباوي،" التي يتعين على المشرع الانكباب عليها من أجل ملاءمة القانون الداخلي مع أحكام الاتفاقية في الجوانب التي تحتاج إلى الملاءمة". وشدّد الوكيل العام للملك، على أن النيابة العامة، في إطار تنفيذها للسياسة الجنائية، مطالبة بالحرص على تحقيق الردع العام والخاص، لتحقيق الأمن المعلوماتي و حماية أمان المعاملات الإلكترونية، والحياة الخاصة للأفراد. وكل ذلك في حرص تام على تحقيق التوازن بين ردع الجريمة المعلوماتية واحترام الحقوق والحريات الأساسية للأفراد وعلى رأسها الحق في المعلومة وحرية التعبير والرأي. وأوضح عبد النباوي أن تطور الجريمة وفقا لظروف متغيرة، يستدعي متابعة مستجداتها عبر الحدود الإقليمية والدولية والتعرف على الجرائم المستحدثة وخصائصها، وذلك من خلال، يواصل رئيس النيابة العامة، قائلا: "اعتماد التقنيات الحديثة في التحقيق الجنائي والارتقاء بقدرات المحققين لا سيما فيما يتعلق باستغلال الدليل الرقمي في إثبات الجريمة، وهو ما يتطلب من الجهات المعنية وضع الوسائل التقنية والبشرية اللازمة لذلك"، مشيرا إلى أن العنصر البشري يظل العامل الأهم في كل الجهود المبذولة لتحقيق الأمن الرقمي ومواجهة الجريمة المعلوماتية. وقال رئيس النيابة العامة، إنه على هذا المستوى، استفاد المغرب من مجموعة من برامج المساعدة التقنية خاصة في إطار برامج Glacy وGlacy+ وCyberSud التي تنفذ بدعمِ ورعايةِ مجلس أوروبا، حيث كان من نتائجها تكوين مكونين متخصصين في الجريمة المعلوماتية في صفوف القضاة وضباط الشرطة القضائية، وإدراج الجرائم المعلوماتية ضمن برامج التكوين الأساسي والمستمر بالمعهد العالي للقضاء والمعهد الملكي للشرطة. وأشار الوكيل العام للملك، إلى أنه رغم كل الجهود المبذولة، يسجل عبد النباوي، قائلا: "ولأننا واعون بأن مواجهة الإجرام المعلوماتي تعني مواجهة إجرام متحرك ومتطور بشكل سريع، فإننا مدعوون جميعا لمواصلة تطوير الآليات الكفيلة بمكافحته، عبر دعم التكوين المتخصص وتبادل الخبرات والممارسات الجيدة وملاءمة التشريعات مع مستجدات الجريمة المعلوماتية، سواء في الشق الموضوعي أو في الشق الإجرائي، وتقديم أجوبة قانونية ملائمة لما يطرحه الإجرام المعلوماتي والدليل الرقمي من إشكالات وصعوبات تقنية وقانونية". وخلص محمد عبد النباوي، الوكيل العام للملك، في ختام كلمته، إلى أن تنظيم رئاسة النيابة العامة لهذا اليوم الدراسي، يأتي في صميم هذه الجهود الرامية إلى دعم تخصص قضاة النيابة العامة، لاسيما وأن هذا اللقاء يعرف مشاركة قضاة وضباط للشرطة القضائية وخبراء مغاربة وأجانب بعيد دخول اتفاقية بودابست لمكافحة الجريمة المعلوماتية حيز التنفيذ بالمملكة المغربية، بما سيجعل منه، يسجل عبد النباوي، فرصة لتدارس أحكام الاتفاقية المذكورة على ضوء التشريع المغربي، للوقوف على ما تتيحه من إمكانيات هائلة في مجال التعاون الدولي بشقية الأمني والقضائي، فضلا عن رصد الإشكالات القانونية ومظاهر الفراغ التشريعي التي تحتاج لتدخل المشرع من أجل تتميم وتعديل أحكام التشريع الوطني في مجال التجريم والعقاب والإجراءات الجنائية.