سعيد السوقايلي في اعتقادي وأنا أعالج النظر في المشهد الثقافي المغربي، لا أرى سوى مستنقع ضحل مليء بالوحل والثعابين والأعشاب الضارة، مستنقع أفرزته الأوضاع السياسية والاقتصادية بالبلاد التي عصفت بجميع المحاولات الصورية لخلق تنمية بنيوية شاملة في جميع القطاعات الحيوية، من هنا يطفو إشكال جوهري خطير، هل مرد ذلك إلى طبيعة المشاريع الإصلاحية والتي لا تتناغم وخصوصية الإنسان المغربي؟ أم إلى خلل في أهلية صانعي القرار؟ أعتقد أن الأمرين أحلاهما مر، وعلى العموم تبقى هناك مسألة صحية، إذ نلمس تململا تاريخيا سيعصف بالقناعات السائدة آجلا أم عاجلا، فالدرس التاريخي الغربي يؤكد هذه المسلمة، فشعوب أوربا لم تعرف تقدمها هكذا بشكل سكوني، بل مرت بهزات وثورات وحروب خرج منها الإنسان الأوربي بكامل بهائه. في المغرب كما الدول العربية، الوضع الثقافي جنيني للغاية، ويعرف مخاضا عسيرا، فكما لو أننا في أوربا القروسطية، فلن نعبر الضفة المشتهاة دون أن نؤهل الجسر الثقافي بالبلاد، وندرك تماما أن الثقافة بكل ما تحمله من دلالات وتمظهرات على مستوى القيم والعادات والأفكار والآداب والفنون...أنها شرط إنساني يعكس إلى حد بعيد نموذج المواطن الذي نحن بصدد تقييمه، فالجماعة تنطلق من الفرد الذي يجب تشذيبه وتهذيبه، من هنا ندخل في علاقات جدلية بين تأهيل المدرسة ورد الاعتبار لها والعناية المركزة للأسرة وتحسين مستواها المعيشي، وبين تأهيل الأحزاب السياسية المسؤولة باعتبارها المدرسة السياسية الأولى وبين دورها الحقيقي في تأهيل الفرد والجماعة سياسيا، أو بين الوظيفة النبيلة للإعلام الحالي الذي يعرف نكوصا وفقرا، وبين رسالته النبيلة في تثقيف الفرد وتوعيته وتنويره بدل البهرجة الماجنة وثقافة الريع التي يشنها، لأن الثقافة ملك للجميع،ومن هنا وجب مقاطعة هذا النوع من الإعلام الذي يخرب أكثر مما يبني، وهو الواهم؛ وأيضا مقاطعة هذه الأحزاب ورجالاتها العبثين الذين يسيئون للشعب ولوجه المغرب، وإذا كنا نتحدث عن تخليق للحياة العامة، فالأخلاق ينبغي أن تكون ديدن هؤلاء الساسة...الأزمة إذن أزمة قيم وأخلاق وضمير، أزمة ثقافة وقراءة، كيف إذن نحمل المواطن على شراء كتاب واحد من حين لأخر بينما يده ترنو إلى خبزة يؤمن بها كرامة حياته، كيف ندفع بالطوابير العارمة المزدحمة أمام االمخبزات والمطاعم إلى الالتفات جزئيا إلى المكتبات والمنتديات الثقافية، بل كيف نضمن كرامة مثقفينا ورد الاعتبار لهم وهم يكرسون حياتهم وأجسادهم وأرواحهم لتأسيس مناخ ثقافي سليم إزاء السياسي السلطوي السلبي الذي يأخذ ولا يعطي، لا لشيء سوى أنه منذ فجر الاستقلال حمل السلاح وطرد الاستعمار وتربع على الكراسي باكرا مغيبا دور المثقف الذي حارب ويحارب على نفس الجبهة وعلى جبهات أخرى ، من تأهيل المجتمع وتنويره...ثنائية المثقف والسلطوي لازلنا نعيشها لحد الآن، كل ما في الأمر أن المثقف يخلخل كرسي السلطوي، وأن هذا الأخير يكره أن يشاطره المثقف في التدبير والجاه... وفي ما يلي ألخص أهم التوصيات من أجل خلق ميثاق ثقافي يكون في صلب التنمية البشرية: - عقد مصالحة بين السلطوي والمثقف انفتاحا وإنصاتا. - العمل بمبدأ الرجل المناسب في المنصب المناسب( تمثيليات رسمية ذات طابع سياسي للكتاب والفنانين في البرلمان والمجالس البلدية والقروية). - تأهيل التعليم والمدرسة وفتحها على محيطها الاجتماعي بشكل فعلي وحقيقي، بعيدا عن السياسات التربوية المؤدلجة تحت جبة الإصلاح. - تأهيل وخلق خزانات ومكتبات ذات النفع العام في كل حي وقرية. - وضع ميزانيات إضافية وهامة للشأن الثقافي الهادف ضمن تدبير الشأن المحلي. - الاهتمام بوضعية الكتاب والفنانين وتسخير الوسائل اللازمة لتسهيل وظيفتهم الاجتماعية. - خلق فضاءات ثقافية تهتم بالإقبال على الكتاب وقراءته. - التشجيع على إنشاء مقاه أدبية مزودة بخزانات للكتب ( فنجان قهوة رفقة كتاب بدل الشيشا) - بث قنوات وإذاعات أدبية وفكرية صرفة والتقليل من إعلام التهريج والرقص وثقافة الريع. - التكثيف من معارض الكتاب وتعميمها على باقي المدن وتيسير الإقبال على الكتاب بدعم من الدولة. - خلق أيام للكتاب والقراءة بشكل تواتري طيلة السنة في الساحات العامة والفضاءات الحيوية على غرار مهرجانات الغناء والرقص. - تحبيب القراءة لدى الأطفال في سن مبكرة. - توعية الأسر بإدراج مكتبة البيت بدل مصحنة المطبخ ذات الثقافة الذُهنية. - إطلاق مواقع ثقافية تعنى بالكتاب الرقمي والقراءة الهادفة لاستقطاب الشباب وإزاحتهم تدريجيا عن عادة الدردشة المجانية. - وضع مدونة مشروطة للانتخابات( الكف عن ترشيح منتخبين أميين لتمثيل المجتمع، وإسقاط شروط الجاه والمال والنفوذ والنسب، والإحلال محله شروط الأهلية السياسية والثقافية في التدبير، وتفعيل مفهوم الحكامة والمحاسبة بشكل ميداني. ================ سعيد السوقايلي كاتب مغربي