تتحسب السلطات الفرنسية ل«سبت أسود» جديد في العاصمة باريس ومدن أخرى، رغم التنازلات التي قدمتها حكومة إيمانويل ماكرون. وأبدت الرئاسة الفرنسية الأربعاء قلقها من "أعمال عنف واسعة" قد تحصل السبت المقبل خلال التظاهرات الاحتجاجية التي دعت إليها حركة "السترات الصفراء". وقال مصدر في قصر الإليزيه لوكالة فرانس برس "لدينا أسباب تدعو إلى الخوف من أعمال عنف واسعة" خلال التظاهرات التي تستعد "السترات الصفراء" لتنظيمها رغم تنازلات الحكومة التي ألغت مساء الأربعاء ضريبة كان مقررا فرضها على الوقود طوال سنة 2019. ومع تصاعد العنف المواكب لاحتجاجات "السترات الصفراء" الذين يهددون بشل باريس مجددا السبت، طلب الرئيس إيمانويل ماكرون من المسؤولين السياسيين والنقابيين توجيه "دعوة إلى الهدوء". ولا تزال العاصمة تحت صدمة أحداث السبت الفائت حين عاشت مشاهد تشبه حرب شوارع مع إقامة حواجز وإحراق سيارات ونهب محلات واشتباكات مع قوات الأمن. وقتل أربعة أشخاص وأصيب مئات على هامش التظاهرات التي انطلقت في 17 تشرين الثاني/نوفمبر احتجاجا على سياسة الحكومة الاجتماعية والمالية، واتسعت لتشمل التلاميذ والطلاب والمزارعين. وتواصلت الإحالات القضائية على خلفية أعمال العنف ولا سيما في قلب العاصمة، ووجهت السلطات إلى 13 شخصا ، بينهم قاصر، تهمة ارتكاب أعمال تخريب ضد قوس النصر السبت الماضي، على ما أعلنت النيابة العامة في باريس. وأعلن المتحدث باسم الحكومة بنجامين غريفو ناقلا مواقف الرئيس خلال مجلس الوزراء أن "الوقت الذي نعيشه لم يعد وقت المعارضة السياسية، بل الجمهورية". وأضاف أن "رئيس الجمهورية طلب من القوى السياسية والقوى النقابية وأرباب العمل توجيه نداء واضح وصريح إلى الهدوء واحترام الإطار الجمهوري". وأوضح المتحدث أن هذا النداء موجه إلى "الذين يثبتون عن خبث وانتهازية (...) لا داعي لذكرهم بأسمائهم، فهم سيعرفون أنفسهم". من جهته أعلن رئيس الحكومة إدوار فيليب في كلمة ألقاها أمام الجمعية الوطنية أن "ما هو على المحك هو أمن الفرنسيين ومؤسساتنا. أوجه هنا نداء إلى المسؤولية". وأضاف "جميع أطراف النقاش العام من مسؤولين سياسيين ومسؤولين نقابيين وكاتبي مقالات ومواطنين، سيكونون مسؤولين عن تصريحاتهم في الأيام المقبلة"، مؤكدا أن الحكومة "لن تتهاون" حيال "المخربين" و"مثيري البلبلة". وأكد في هذا السياق على المبادرات التي تم الإعلان عنها الثلاثاء سعيا لإخماد "الغضب الأصفر" وفي طليعتها تعليق زيادة الضريبة على المحروقات لستة أشهر. والأربعاء أقر ت الجمعية الوطنية بأغلبية 358 صوتا مقابل 194 الإجراءات التي أعلن عنها رئيس الوزراء، وذلك في ختام نقاش استمر خمس ساعات. ومساء الأربعاء أعلن وزير النقل البيئي فرانسوا دو روجي لقناة "بي أف أم تي في" التلفزيونية الإخبارية أن كل الزيادات الضريبية المقر رة على الوقود اعتبارا من الأول من كانون الثاني/يناير 2019 "ألغيت للعام 2019" بأكمله. ويبدو أن الإعلان عن هذه التنازلات لم يقنع غالبية المتظاهرين الذين يقومون منذ ثلاثة أسابيع بقطع الطرق وينظمون تجمعات تترافق أحيانا مع أعمال عنف في جميع أنحاء البلاد. ولم يتم فك الطوق سوى عن مخزنين للوقود الأربعاء، فيما يتوعد معظم المحتجين بمواصلة تحركاتهم بدون الأخذ بتنازلات الحكومة والتي يصفونها بأن ها مجرد "إجراءات متواضعة". وأظهر استطلاع للرأي أجراه معهد "إيلاب" ونشرت نتائجه الأربعاء أن 78% من الفرنسيين يعتبرون أن إجراءات الحكومة لا تستجيب لمطالب "السترات الصفراء". وقال بنجامين كوشي أحد وجوه التحر ك إن "الفرنسيين لا يريدون الفتات، يريدون تحقيق كل مطالبهم".
ورأى خبير العلاقات الاجتماعية ريمون سوبي أن خطوات الحكومة "أتت متأخ رة". ودعا وزير الداخلية كريستوف كاستانير مساء الثلاثاء "السترات الصفراء العقلانيين" إلى التخل ي عن الدعوة إلى تجم ع جديد في باريس السبت المقبل، لكن ذلك لم يلق استجابة، إذ لا تزال الدعوات قائمة إلى يوم جديد من التعبئة في جميع أنحاء فرنسا. ودعا إريك درويه، أحد المحتج ين الذين باتوا معروفين، إلى "العودة إلى باريس" السبت "قرب مواقع السلطة، الشانزيليزيه، قوس النصر، الكونكورد". ووصلت الحركة إلى المدارس الثانوية التي تشهد تعبئة منذ ثلاثة أيام احتجاجا على إصلاح نظام امتحانات البكالوريا والقانون الذي أقر العام الماضي لتنظيم الدخول إلى الجامعات. وغداة مواجهات كانت عنيفة أحيانا ، لا تزال عشرات المدارس الثانوية تعاني من البلبلة أو تعذ ر الدخول إليها الأربعاء، ودعت نقابات طلابية إلى تعبئة عامة اعتبارا من الخميس، وقد بدأ بعض الطلاب الانضمام إلى "السترات الصفراء". من جانبهم، أعلن المزارعون أن هم سيتظاهرون الأسبوع المقبل احتجاجا على "حملة ضد المزارعين" لم تحد د معالمها. وسط هذا التمر د المعم م، ألقى رئيس الوزراء بعد الظهر كلمة أمام النواب للدفاع عن خطته للخروج من الأزمة، وسيلي الجلسة نقاش برلماني يفضي إلى تصويت لا يلزم الحكومة. ونشط العديد من الوزراء على الجبهة الإعلامية سعيا لتهدئة التوتر. وطرح بنجامين غريفو احتمال إعادة فرض الضريبة على الثروة نزولا عند مطالب العديد من المتظاهرين من باب العدالة الضريبية، ولكن بعد قيام البرلمان بتقييم الوضع اعتبارا من "خريف 2019". لكن مساء الأربعاء بدا أن الإليزيه أغلق الباب أمام أي نقاش بهذا الملف بإعلانه أن ماكرون صر ح أمام مجلس الوزراء بأن ه لا يريد "تفكيك أي شيئ مما تم إنجازه منذ 18 شهرا ". يعتبر محل لون أن هذه القرارات تسج ل أول تراجع لإيمانويل ماكرون الذي يتفاخر بعدم التراجع أمام الشارع منذ وصوله إلى قصر الإليزيه في أيار/مايو 2017. وفي دليل على التوت ر السائد في البلاد، واجه ماكرون هتافات استهجان وشتائم خلال زيارة مفاجئة قام بها مساء الثلاثاء لمقر شرطة أحرقه المتظاهرون السبت الماضي في بوي آن فيليه في وسط شرق فرنسا. في واشنطن لم يفو ت الرئيس دونالد ترامب الفرصة للاستهزاء بالتنازلات التي قد مها نظيره الفرنسي بشأن الضريبة على الوقود، معتبرا أن ها تؤكد فشل اتفاق باريس حول المناخ. وهو هجوم مباشر يتزامن مع انعقاد المؤتمر الدولي الرابع والعشرين حول المناخ بمشاركة حوالى 200 بلد منذ الأحد في كاتوفيتسه.