يوم بيوم جميعنا مهددون نور الدين مفتاح نشر في 5 مارس 2025 الساعة 21 و 11 دقيقة ماذا فعل غريش؟ لقد قرر أن يؤلف كتابا بعد أن تحول الرد الإسرائيلي إلى إبادة جماعية في القطاع، وذلك على عجل، أي خلال شهور الحرب، ونشره في يناير الماضي مبررا ذلك بأن «الحرب على غزة شهدت من التضليل والافتراءات ما ندر أن شهدته أي حرب أخرى». وإذا كان عنوان الكتاب مثيرا: «فلسطين .. شعب لا يريد أن يموت» فإن غريش يجد لذلك ألف سبب، ومن ذلك أن «صمود الفلسطينيين لا يعود إلى معجزات خارقة، بل إلى حقيقة تاريخية يسعى البعض عبر العصور إلى تجاهلها، على مسؤوليتهم: لا يمكن إخضاع شعب إلى ما لا نهاية إلا بإبادته». وبوضوح يقدم غريش التوصيف النافذ لما سماه «ما بعد الهزة» أي 7 أكتوبر: «فبدل أن تبحث إسرائيل عن سبل تؤدي إلى اتفاق يتيح ل 15 مليون فلسطيني وإسرائيلي العيش بسلام عادل قائم على المساواة، اختارت تل أبيب اجتياز عتبة جديدة في حربها الاستعمارية ضد الشعب الفلسطيني، بهدف واضح هو اقتلاع وجوده من أرضه». نور الدين مفتاح [email protected]
الناس معادن.. ومباشرة بعد «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر من السنة الماضية، هناك من هرول لكتابة تاريخ جديد للنزاع في الشرق الأوسط، على أساس أنه بدأ في 2023 وليس تواليا مع وعد بلفور في 1917 ثم النكبة في 1948 والنكسة في 1967 وهلم ظلما لم يشهد له التاريخ مثيلا.
وعكس هذا، هناك رجال استثنائيون قادتهم نزعتهم الإنسانية إلى النظر بعيون موضوعية لما جرى ويجري في قطاع غزة. ومن هؤلاء رجل نخصص له غلاف «الأيام» لهذا العدد، هو الصحافي الألمعي آلان غريش.
ولأن قيمة المكتوب من قيمة الكاتب فآلان غريش خصص بحثه لنيل شهادة الدكتوراه بمعهد الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية سنة 1983 لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهو فرنسي من أسرة يهودية ويعتبر أحد أبرز المتخصصين في شؤون الشرق الأوسط والعالم العربي، كما ترأس تحرير الدورية المتخصصة الرصينة «لوموند ديبلوماتيك» لعقد من الزمان.
ماذا فعل غريش؟ لقد قرر أن يؤلف كتابا بعد أن تحول الرد الإسرائيلي إلى إبادة جماعية في القطاع، وذلك على عجل، أي خلال شهور الحرب، ونشره في يناير الماضي مبررا ذلك بأن «الحرب على غزة شهدت من التضليل والافتراءات ما ندر أن شهدته أي حرب أخرى».
وإذا كان عنوان الكتاب مثيرا: «فلسطين .. شعب لا يريد أن يموت» فإن غريش يجد لذلك ألف سبب، ومن ذلك أن «صمود الفلسطينيين لا يعود إلى معجزات خارقة، بل إلى حقيقة تاريخية يسعى البعض عبر العصور إلى تجاهلها، على مسؤوليتهم: لا يمكن إخضاع شعب إلى ما لا نهاية إلا بإبادته».
وبوضوح يقدم غريش التوصيف النافذ لما سماه «ما بعد الهزة» أي 7 أكتوبر: «فبدل أن تبحث إسرائيل عن سبل تؤدي إلى اتفاق يتيح ل 15 مليون فلسطيني وإسرائيلي العيش بسلام عادل قائم على المساواة، اختارت تل أبيب اجتياز عتبة جديدة في حربها الاستعمارية ضد الشعب الفلسطيني، بهدف واضح هو اقتلاع وجوده من أرضه».
ويضيف الكاتب باستقراء نبيه للتاريخ: «وكما حدث ما بين عامي 1948 و1949 حين طرد ما بين 700 ألف و800 ألف شخص، وكما حدث خلال حرب يونيو 1967 مع تهجير 300 ألف آخرين، يبدو أن إسرائيل اليوم تسعى إلى التخلص من سكان غزة الذين يبلغ عددهم 2.3 مليون نسمة، في استعادة لأحلام المستعمرين القديمة وكابوس الشعوب المضطهدة عبر قرون».
وها نحن نرى أن الوقائع بينت صواب ما ذهب إليه الكاتب، بحيث أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمجرد تنصيبه أخرج من جعبته صفقة صادمة بتهجير سكان غزة إلى الأردن ومصر وتحويل القطاع إلى «ريفييرا الشرق الأوسط»!
إن ما تقوم به إسرائيل اليوم يحرج حتى أقرب حلفائها ومحبيها بحيث فقدوا بعضا من ماء وجوههم. وإذا كانت ذريعة المتعاطفين مع إسرائيل هي الهجوم غير المبرر الذي قامت به المقاومة في 7 أكتوبر، فماذا عن الضفة الغربية اليوم؟ وماذا عن حرب التهجير والتدمير في مخيمات جنين وطولكرم وغيرهما؟
إن «طوفان الأقصى» كان رد فعل على سياسة هوجاء للحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة التي تولت تدبير شؤون الإسرائيليين سنة 2022، وكان هدفها بالطوفان أو بدونه هو الاستيلاء على الضفة الغربية وتمزيق اتفاقيات أوسلو وتهويد الأماكن المقدسة، مع طلب المزيد من التطبيع وخصوصا مع المملكة العربية السعودية بكل رمزيتها. وكانت بلاد الحرمين الشريفين ستكون آنئذ حبيبة معتدلة لو فعلت، ولكنها بالنظر لحرب الإبادة الجماعية رفضت هذا التطبيع، فأصبحت في نظر رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو أرضا يمكن أن يهجَّر إليها الفلسطينيون كما قال في تصريحات علنية قبل أسبوعين!
لقد قال وزير الدفاع الإسرائيلي السابق غالانت عقب «طوفان الأقصىى»: «رفعت كل القيود. إننا نقاتل حيوانات بشرية. ها هو داعش في غزة. سنقضي على كل شيء» وقال وزير الطاقة إسرائيل كاتس: «سنقاتل منظمة حماس الإرهابية وندمرها، صدرت أوامر لجميع السكان المدنيين في غزة بالمغادرة فورا. سننتصر. لن تصلهم قطرة ماء أو بطارية واحدة إلى أن يرحلوا عن الدنيا». هل هذه يا سادة هي أخلاق الحرب؟ وهل هذه هي ذريعة الدفاع عن النفس؟
وحتى عن هذا الدفاع عن النفس، فإن آلان غريش يورد تحليلا للحقوقي رافاييل ميزون يقول فيه: «إن دولة احتلال عندما تتعرض لهجوم صادر من أرض محتلة لا تستطيع التذرع بالدفاع عن النفس المنصوص عليه في المادة 51 من ميثاق الأممالمتحدة. إذ لا يمكن اللجوء إلى «الحق الطبيعي» في الدفاع عن النفس إلا إذا تعرضت الدولة لعدوان مسلح من قبل دولة أخرى. كما أن الدفاع عن النفس لا يرقى في أي وقت، في إطار القانون الدولي، إلى مستوى «شيك على بياض».
إن الوضع اليوم خطير جدا، خصوصا مع تحول الولاياتالمتحدة علانية إلى جزء من حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية، وإسرائيل التي احتلت أراض سورية إضافية وأراض في جنوبلبنان تعمل بلا هوادة على ضم الضفة الغربية. والمشكلة أنها بعد أن تفعل -أمام عجز عربي ودولي فظيع- فإنها ستؤسس لنظام أبارتهايد لا غبار عليه بحيث إن الفلسطينيين هناك سيصبحون من «البدون» بلا حقوق مدنية ولا انتماء.
هذا وضع واضح وفاضح، لهذا أستغرب من بعض إخواننا الذين لا يتحدثون إلا بلكنة إسرائيلية وكأن القرب من تل أبيب هو الحل. وبغض النظر عن الاحتلال وحقوق الفلسطينيين وحتى القضية الإنسانية التي يضعها الصهاينة على المحك، فإن المهدَّد في هذه القضية هو الجميع في هذا العالم العربي المتشرذم والعاجز. نعم من المسجد الأقصى إلى المغرب الأقصى، نحن مهددون مهما فعلنا.
وأمام كل هذه الهرولة الجارحة التي أرى، وقعتُ على كلام كالبلسم وأنا أقرأ سيرة الأمين العام السابق لحزب التقدم والاشتراكية إسماعيل العلوي: «نبل السياسة» حيث يقول: «لا يسعني إلا أن أنحني ترحما على أرواح رفاقي اليهود وإكباراً لهم، ومنهم عمران المالح وأبراهام السرفاتي ويوسف ليفي وشمعون ليفي وجرمان عيوش وزوجته فريحة وغيرهم كثير. لم يترددوا في التنديد بالجرائم الإسرائيلية ليس فقط في حق الفلسطينيين بل ضد شعوب المنطقة، وحتى ضد الشعب المغربي».
«أنا مناهض بشدة للحركة الصهيونية رافض لكل أشكال التعاون معها لأنها حركة إقصائية وعنصرية أنشئت على أساس أساطير لا تمت بصلة للمنطق -يقول إسماعيل العلوي- وأعتبر ما قامت به هذه الحركة في حق الشعب المغربي يمثل جريمة وإبادة، عندما فصلت المكون اليهودي المغربي عن مجتمعه المغربي الذي عاش فيه آلاف السنين، بل بشكل أزلي، وتسببت في هجرة هذا الفصيل من شعبنا إلى إسرائيل وغيرها، ومزّقت وحدتنا وتماسكنا الاجتماعي». ولكم التعليق.