أُسدل الستار، نهاية الأسبوع المنصرم، عن انتخابات المفوضية الإفريقية بإعلان فوز وزير الخارجية الجيبوتي الدبلوماسي محمود علي يوسف بمنصب رئيس المفوضية ليخلف التشادي موسى فكي، والدبلوماسية الجزائرية سلمى مليكة حدادي بمنصب نائب رئيس المفوضية بعد منافسة مع مرشحات من المغرب ومصر وليبيا.
وفي قراءته لنتائج انتخابات المفوضية الإفريقية، قال خبير العلاقات الدولية أحمد نورالدين، إن انتخاب محمود علي يوسف رئيسا للمفوضية الإفريقية جاء نتيجة تضافر عدة عوامل، منها ما هو سياسي وما هو تكتيكي محض.
وأضاف نورالدين، في تصريح ل"الأيام 24″، أن العامل السياسي يتمثل في كون المرشح الفائز يتوفر على تجربة دبلوماسية كبيرة نظرا لتحمله حقيبة الشؤون الخارجية في بلده منذ 2005.
وأردف أن "الأهم من ذلك أنه في يوليوز 2024، ترأس خلوة الوسطاء تحضيرا للمفاوضات حول الأزمة السودانية، ضمت ممثلين عن مجموعة دول شرق إفريقيا للتنمية (إيغاد)، والاتحاد الأفريقي، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى العديد من الدول من جميع أنحاء العالم".
وأبرز أن "محمود علي أدار الوساطة في هذا الملف بنجاح واحترافية مما ساعده على بناء صورته لدى الأفارقة والأوروبيين والأمم المتحدة كمفاوض بارع ومحايد يحظى بالمصداقية والاحترام، وخبير بالنزاعات الإفريقية، ودبلوماسي إفريقي متمرس ويتميز بالمرونة والدينامية".
وأكد نورالدين، أن هذه الوساطة كانت حاسمة وبمثابة تزكية دولية للترشح لأعلى منصب في الاتحاد الإفريقي الذي هو بحاجة إلى هذه المواصفات لتدبير الملفات الموجودة على طاولة المفوضية الإفريقية، ومنها على وجه التحديد النزاعات المسلحة في الكونغو الديمقراطية وإثيوبيا والسودان وغيرها.
وأوضح أنه "بالنسبة للعوامل الأخرى التي قد نصنفها بقليل من التعسف في خانة ما هو تكتيكي وتقني، يمكن أن نسرد مثلا كون المرشح الفائز استفاد من انسحاب مرشح مدغشقر ابتداء من الدور الرابع للاقتراع، وهو مرشح كان ينافسه على أصوات الدول الفرنكفونية في القارة".
كما يمكن أن نذكر أيضا، يضيف نورالدين، عامل السن فالمرشح الفائز لا يتجاوز 59 عاما بينما مرشح كينيا قد بلغ 80 حولا، مشيرا إلى أن رئاسة المفوضية تحتاج إلى دينامية لا يسمح بها سن المرشح رايلا أودينغا.
إضافة إلى ما سبق، سجل نورالدين، أن المرشح الفائز حظي بدعم الدول العربية على اعتبار أنه عربي، ما عدا الجزائر، مضيفا أنه حظي أيضا بدعم مجموعة الدول الفرنكفونية التي تنتمي جيبوتي إليها، وبدعم جزء من الدول الأنغلوسكسونية لكون جيبوتي تنتمي إلى منظمة إيغاد شرق إفريقيا، ناهيك على أنه يتحدث اللغات الثلاثة الرئيسية في الاتحاد الإفريقي العربية، الإنجليزية والفرنسية.
ويرى نورالدين، أن "فوز مرشح جيبوتي يعتبر أيضا فوزا للمغرب الذي دعم ترشيحه، في حين أن الجزائر وجنوب إفريقيا كانتا تدعمان مرشح كينيا، وهما البلدان المناهضان للوحدة الترابية للمملكة".
واعتبر أنه "كان بالإمكان أن يكون انتصارا كبيرا للدبلوماسية المغربية لولا أن فشل لطيفة أخرباش في انتزاع منصب نائبة رئيس المفوضية وفوز منافستها الجزائرية سلمى حدادي جعل من انتصار مرشح جيبوتي انتصارا نسبيا فقط بالنسبة للمغرب، بل يمكن وصفه بأنه انتصار بطعم الهزيمة".
ورغم ذلك، يتابع نورالدين، "لا أرى في انتخاب جزائرية نائبة لرئيس المفوضية أي تهديد لمصالح المغرب في الاتحاد الإفريقي، مادام رئيس المفوضية حليفا للمغرب"، مستدركا: "لكنها ستكون مصدر تشويش على المغرب لأن البرنامج الوحيد الذي تملكه الجزائر هو معاكسة مصالح المغرب والسعي إلى هدم وحدة أراضيه، لذلك وجب تسليط الأضواء على الدبلوماسية الجزائرية لفضح تحركاتها داخل المنظمة الإفريقية وإبطال سحرها الأسود".
ونبه خبير العلاقات الدولية، إلى أن "فوز المرشحة الجزائرية على المرشحة المغربية مسألة تحتاج إلى تحليل دقيق من طرف وزارة الخارجية المغربية والأجهزة الأخرى المعنية بالموضوع داخل المغرب، لاستخلاص الدروس والعبر استعدادا للمعركة الكبرى التي طال انتظارها منذ ثماني سنوات، وأعني بها معركة طرد جمهورية تندوف الوهمية من المنظمة الإفريقية".
وقال نورالدين، إنه لا يمكن الحديث عن انتصار للدبلوماسية المغربية، رغم تسجيلها لنقاط كثيرة في عدة منازلات مع الخصم في "الحلبة" الإفريقية إذا جاز التعبير، مع استمرار وجود كيان وهمي داخل الاتحاد الإفريقي ينازع المغرب على جزء من أراضيه.
وتساءل نورالدين، "عن السبب الذي يجعل الخارجية المغربية لم تشرع بعد في مساطر طرد جمهورية ابن بطوش إلى اليوم، رغم أن كيان تندوف لا يتوفر على الشروط القانونية لعضوية الاتحاد الإفريقي".
ولفت خبير العلاقات الدولية، إلى أن "استحواذ كيان تندوف على مقعد يتنافى مع ميثاق الوحدة الإفريقية سابقا ومع ميثاق الاتحاد الإفريقي حاليا"، مشددا على أنه "من هنا الطريق نحو الانتصار الحقيقي للدبلوماسية المغربية، أما عدا ذلك سيبقى مجرد تحركات على الهامش".