Getty Images تزوجت مريم -اسم مستعار- في عام 2014 وكانت تحلم بالأمومة، ولكن وضعها الصحي لم يمكنها من الحمل بشكل طبيعي. وبعد عدة محاولات من خلال عملية الحقن المجهري، تكللت إحداها بالنجاح لتصبح حاملاً بتوأم ثلاثي. إلا أن القدر لم يمهلها، حيث ألقي القبض على زوجها في عام 2015، وظل محبوسًا احتياطيًا على ذمة عدد من القضايا حتى صدر ضده حكم في عام 2022 بالسجن لمدة 15 عامًا من محكمة أمن الدولة طوارئ بتهمة الانضمام إلى "جماعة إرهابية"، وفقًا للمحامي سامح سمير، عضو المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية٬ لبي بي سي. يقول إيهاب الجارحي٬ محامي المدعية لبي بي سي إن الضغط العصبي والنفسي الذي تعرضت له مريم وقت القبض على زوجها أدى إلى تدهور حالتها الصحية، وبعد الولادة فقدت أطفالها الثلاثة. وأضاف أن النيابة العامة أعلمتها بأن الحكم سيبدأ تنفيذه من تاريخ صدوره، أي أن الزوج لن يخرج من السجن قبل عام 2037. Getty Images صراع بين الزمن والقانون فقدت مريم حلمها في الإنجاب طوال 9 سنوات قضاها زوجها في السجن حتى الآن، ومع بلوغها سن 36 عامًا، تسعى إلى تحقيق حلمها بالأمومة قبل أن تتضاءل فرصها مع اقترابها من سن الأربعين. تقدمت الزوجة بطلب رسمي إلى وزارة الداخلية للسماح لها بالحصول على عينة سائل منوي من زوجها لإجراء عملية الحقن المجهري، لكنها لم تتلقَ أي رد، بحسب محاميها. فقررت اللجوء إلى المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والمحامي إيهاب الجارحي، لتقديم دعوى قضائية "لإلزام وزارة الداخلية بالسماح لها بالحصول على عينات وتحاليل من زوجها السجين لإتمام عملية الحقن المجهري على نفقتها الخاصة"، بحسب الدعوى المقدمة إلى محكمة القضاء الإداري والتي حصلت بي بي سي على نسخة منها. وأشارت الدعوى إلى أن هذا الطلب لا ينطوي على أي "إخلال قانوني"، بل يمثل إجراءً طبيًا ضروريًا يتماشى مع القوانين التي تتيح للمسجونين الحصول على الرعاية الصحية اللازمة٬ وفقا للمحامي سامح سمير. الدعوي حاليًا أمام هيئة مفوضي الدولة، وعقدت الجلسة الأولى في 15 فبراير/شباط 2025 ،وأرجئت الدعوي للنظر مرة أخري وجلب المزيد من المستندات. ويرى المحامون أن الحكم سيكون له تأثير كبير على قضايا مماثلة، خاصة في ظل غياب أي سوابق قانونية لهذا النوع من الطلبات، وبالتالي قد يفتح حكم المحكمة الباب أمام مطالبات مشابهة في المستقبل. هل "الخلوة الشرعية" خيار؟ من بين الحلول التي فكرت فيها الزوجة كانت "الخلوة الشرعية"، إلا أن حالتها الصحية لا تسمح لها بالإنجاب بالطريقة الطبيعية، ولا بد من التدخل الطبي، بحسب المحامي سامح سمير، الذي أضاف أن تلك الخلوة لم يعد يسمح بها في السجون المصرية، فضلًا عن أن الأمر يؤدي إلى "إحراج وخدش لحيائها وهو أمر لا تطيقه". مساعد وزير الداخلية الأسبق اللواء فاروق المقرحي، أكد أن القانون لا يوجد فيه ما ينص على حق اللقاء الانفرادي بين الزوج والزوجة والذي يُعرف ب"الخلوة الشرعية"، ولكنها طُبقت في فترات سابقة بناءً على طلبات بعض المسجونين ممن انتموا للجماعات الإسلامية. إلا أن الأمر توقف لاعتبارات اجتماعية وصحية، بحسب تعبيره. وأضاف المقرحي أنه يسمح بزيارات منزلية في حالات محددة بناءً على طلب السجين وبعد قضائه مدة معينة وحسن سيرته داخل السجن. في المقابل، تسمح بعض الدول العربية مثل السعودية بالخلوة الشرعية ضمن ضوابط محددة، حيث يتم توفير أماكن مخصصة داخل السجون، بحسب الموقع الرسمي وزارة الداخلية السعودية. كذلك تسمح قطر بالأمر وفق ضوابط محددة. Getty Images قضية غير مسبوقة في المحاكم المصرية يؤكد عدد من خبراء القانون الذين تواصلت معهم بي بي سي أن هذه القضية غير مسبوقة، وستشكل نتيجتها سابقة قانونية قد تؤثر على قضايا مماثلة مستقبلًا. ترى المحامية مها أبو بكر أنه "من الناحية القانونية، لا يوجد نص يمنع هذا الإجراء، وبالتالي يظل الأصل هو الإباحة طالما لم يصدر تشريع واضح بحظره". من جهتها تقول المحامية نهاد أبو القمصان، رئيسة المركز المصري لحقوق المرأة، إن هذا الطلب يمكن اعتباره ضمن إطار الإجراءات الطبية التي يمكن للسجين القيام بها في إحدى المستشفيات. وبحسب الدعوى، فإن مستشفى السجن بها الإمكانيات "الكافية لسحب كافة عينات التحاليل المطلوبة قبل العملية، فضلًا عن إتاحة القانون للمسجون أن ينتقل إلى مستشفى حكومي لأي إجراءات طبية ضرورية لإتمام عملية الحقن المجهري للزوجة". ويوضح اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية الأسبق وعضو مجلس الشيوخ، إن هذا النوع من الطلبات لم يُطرح من قبل طوال فترة عمله التي زادت على ثلاثين عامًا، وبالتالي يحتاج إلى دراسة متأنية. ويضيف المقرحي: "عملية الحقن المجهري ليست مجرد إجراء طبي فقط، بل ترتبط بأبعاد قانونية واجتماعية وأخلاقية يجب النظر إليها بتمعن. وأوضح أن الوضع القانوني للسجين يجب أن يؤخذ في الاعتبار بجدية، حيث إنه "لا يجب دعم أو التعاطف مع شخص مدان بتهمة الانضمام لجماعة إرهابية، لأنه قد يؤثر على مستقبل الطفل". يقول إيهاب الجارحي٬ محامي المدعية٬ أن الدعوة تستند إلى مبدأ شخصية العقوبة الذي نص عليه الدستور المصري، بحيث لا تطال العقوبة غير الجاني الذي ثبتت مسؤوليته عنها٬ بالتالي يجب النظر إلى حق المدعية في الإنجاب مهما كان الوضع القانوني للزوج. Getty Images ماذا عن مستقبل الطفل؟ أشارت المحامية مها أبو بكر إلى أن الوضع القانوني للزوج لن يؤثر بالضرورة علي سير القضية، ولكن يجب أيضًا مراعاة العوامل الاجتماعية والنفسية وتأثير وجود طفل بدون أب لفترة طويلة داخل السجن، "فبينما تمتلك الأم الحق في اتخاذ قرارات إنجابية، يجب أن يكون هناك تقييم لمدى قدرة الطفل على العيش في بيئة مستقرة". من جهتها، ترى المحامية انتصار السعيد، رئيسة مجلس أمناء مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، أن "الحق في الإنجاب هو جزء أساسي من حقوق الإنسان، ويجب ألا يُحرم أي شخص منه بسبب وضعه القانوني أو الاجتماعي". وتضيف أن "القانون المصري لا يميز بين النساء بناءً على ظروف أزواجهن، ومن ثم يجب التعامل مع هذه القضية على أنها مسألة تتعلق بالحق الشخصي للمرأة".