الطوب يساهم ضمن وفد مغربي في الدفاع عن مصالح المغرب ببرلمان البحر الأبيض المتوسط    المغرب يرسل وعاظا إلى الخارج للصلاة بأفراد الجالية في رمضان    المغرب يشارك في الدورة ال58 لمجلس حقوق الإنسان    "نادي القضاة" يصفع وهبي: "تصريحاتك حول القضاة متهكمة وغير مسؤولة ولاتليق بوزير العدل"    ترحيل أربعة نواب برلمانيين أوروبيين موالين لجبهة البوليساريو الإرهابية عبر مطار العيون    الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء تحدد تعريفة استخدام الشبكات الكهربائية للتوزيع ذات الجهد المتوسط    نتنياهو يزور طولكرم ويهدد بالتصعيد    مواجهات ثمن نهائي الدوري الأوروبي    الأرصاد الجوية تكشف توقعات حالة الطقس غدًا السبت    مليلية المحتلة تستقبل أول شاحنة محملة بالأسماك المغربية    قافلة صحية متعددة التخصصات وحملة للتحسيس بمخاطر بوحمرون بإقليم ورزازات    متابعة الرابور "حليوة" في حالة سراح    الرجاء يعلن منع تنقل جماهيره إلى مدينة القنيطرة لحضور مباراة "الكلاسيكو"    توقيف أربعيني بالحسيمة متورط في تنظيم الهجرة السرية والاتجار بالبشر    المندوبية السامية للتخطيط تسجل ارتفاعا في كلفة المعيشة في المغرب    المغرب ضيف شرف المعرض الدولي للفلاحة بباريس.. تكريم استثنائي لرائد إقليمي في الفلاحة الذكية والمستدامة    تفكيك خلية إرهابية خطيرة يكشف مخططات "داعش" الساحل الإفريقي في إستهداف المغرب    المحكمة الإدارية بالرباط ترفض التصريح بتأسيس "حزب التجديد والتقدم"    الملك محمد السادس يهنئ عاهل مملكة النرويج بمناسبة عيد ميلاده    المقاتلات الشبحية F-35.. نقلة نوعية في القوة العسكرية المغربية    "حليوة" أمام النيابة العامة بسبب تدوينة حول الرئيس الفرنسي ماكرون    حماس: جثة بيباس تحولت إلى أشلاء    منع مشجعي الرجاء البيضاوي من حضور مباراة فريقههم أمام الجيش الملكي    النصيري يسجل من جديد ويساهم في تأهل فنربخشه إلى ثمن نهائي الدوري الأوروبي    استعدادات لزيارة ملكية مرتقبة إلى مدن الشمال    الاقتصاد السوري يحتاج إلى نصف قرن لاستعادة عافيته بعد الحرب التي دمرته    شي جين بينغ يؤكد على آفاق واعدة لتنمية القطاع الخاص خلال ندوة حول الشركات الخاصة    مضمار "دونور".. كلايبي يوضح:"المضمار الذي سيحيط بالملعب سيكون باللون الأزرق"    كيوسك الجمعة | المؤتمر الوزاري العالمي الرابع للسلامة الطرقية يفي بجميع وعوده    أداء مؤشر "مازي" في بورصة البيضاء    إطلاق تقرير"الرقمنة 2025″ في المنتدى السعودي للإعلام    روايات نجيب محفوظ.. تشريح شرائح اجتماعيّة من قاع المدينة    تراجع احتمالات اصطدام كويكب بالأرض في 2032 إلى النصف    إطلاق أول رحلة جوية بين المغرب وأوروبا باستخدام وقود مستدام    المغرب يحافظ على مكانته العالمية ويكرس تفوقه على الدول المغاربية في مؤشر القوة الناعمة    فضاء: المسبار الصيني "تيانون-2" سيتم اطلاقه في النصف الأول من 2025 (هيئة)    عامل إقليم الجديدة و مستشار الملك أندري أزولاي في زيارة رسمية للحي البرتغالي    كيف ستغير تقنية 5G تكنولوجيا المستقبل في عام 2025: آفاق رئيسية    حوار مع "شات جيبيتي" .. هل تكون قرطبة الأرجنتينية هي الأصل؟    "بيت الشعر" يقدّم 18 منشورا جديدا    أوشلا: الزعيم مطالب بالمكر الكروي لعبور عقبة بيراميدز -فيديو-    حادثة سير مميتة على الطريق الوطنية بين طنجة وتطوان    "حماس" تنتقد ازدواجية الصليب الأحمر في التعامل مع جثامين الأسرى الإسرائيليين    سفيان بوفال وقع على لقاء رائع ضد اياكس امستردام    طه المنصوري رئيس العصبة الوطنية للكرة المتنوعة والإسباني غوميز يطلقان من مالقا أول نسخة لكأس أبطال المغرب وإسبانيا في الكرة الشاطئية    6 وفيات وأكثر من 3000 إصابة بسبب بوحمرون خلال أسبوع بالمغرب    ثغرات المهرجانات والمعارض والأسابيع الثقافية بتاوريرت تدعو إلى التفكير في تجاوزها مستقبلا    غشت المقبل آخر موعد لاستلام الأعمال المشاركة في المسابقة الدولية ل "فن الخط العربي"    إطلاق النسخة التاسعة للجائزة الوطنية الكبرى للصحافة في المجال الفلاحي والقروي    الذكاء الاصطناعي يتفوق على البشر في تحليل بيانات أجهزة مراقبة القلب    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    حصيلة عدوى الحصبة في المغرب    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    دراسة تكشف عن ثلاثية صحية لإبطاء الشيخوخة وتقليل خطر السرطان    صعود الدرج أم المشي؟ أيهما الأنسب لتحقيق أهداف إنقاص الوزن؟"    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    الشيخ محمد فوزي الكركري يشارك في مؤتمر أكاديمي بجامعة إنديانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد 30 عاما من البحث وجدت أن سر السعادة ليس سرا
نشر في الأيام 24 يوم 27 - 01 - 2025

في رواية شخصية قوية، يتأمل فيرغال كين، الصحفي في بي بي سي، حياته مع اضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب وبحثه عن التوازن في الحياة، وما اكتشفه على طول الطريق هو دراسة أعمق للسعادة يمكن تطبيقها على أولئك الذين يعانون من تحديات خطيرة في الصحة العقلية، وأيضاً على أولئك الذين يحتاجون ببساطة إلى دفعة معنوية. كانت هناك لحظة، منذ ما يقرب من عامين، عندما ضربني التغيير الداخلي بقوة حيث كنت أسير مع أحد أحبائي على الحافة الشرقية لشاطئ كوراغ في أردمور، بمقاطعة واترفورد، وهو مكان دافئ ألجأ إليه منذ أن كنت طفلا.توقفنا بجانب نهر يتدفق إلى خليج أردمور، كنت أستمع إلى الأصوات المختلفة التي تصدرها المياه، اندفاع النهر السريع، والأمواج المتلاطمة على الشاطئ. وفجأة سمعت صوت هواء تضربه عشرات الأجنحة، لقد جاء سرب من الأوز يحلق فوق الجرف، راكبا الرياح نحو السماء، شعرت بخفة في داخلي، وامتنان شديد جعلني أضحك بصوت عال. فكرت"إذن، هكذا هو الشعور بالسعادة". وإذا استعرت كلمات الروائي ميلان كونديرا، فقد شعرت ب"خفة الوجود" الرائعة. عادت تلك اللحظة إلى ذهني هذا الأسبوع، كنت أفكر في ظاهرة الاثنين الأزرق، ذلك اليوم من شهر يناير الذي يقال إنه اليوم الأكثر حزنا في العام. كما سيخبرك أي شخص يعرف الاكتئاب السريري أو اضطراب ما بعد الصدمة، لا توجد أيام محددة في العام للحزن، فقد يكون اليوم الأكثر إشراقاً، وفي أجمل مكان، وما زلت تشعر وكأنّ عقلك محاصر في الجليد. ولكن يوم الاثنين الأزرق دفعني إلى التفكير في السعادة، فما هي السعادة على أية حال؟ وماذا تعني في حياتي؟
أيام رمادية وليالي مظلمة
قبل وقت قصير من ذلك اليوم الذي شاهدت فيه سرب الأوز الجميل، كنت قد خرجت من حالة انهيار عاطفي، كان ذلك في مارس من عام 2023، وشعرت وكأنني خضت 12 جولة مع ملاكم من الوزن الثقيل، لكن الشخص الذي حاربته كان أنا، كما كنت أفعل لعقود من الزمان. لقد دخلت المستشفى عدة مرات على مدى عقود من الزمان، منذ أوائل التسعينيات من القرن الماضي، خضت معركة لا هوادة فيها مع الخجل والخوف والغضب والإنكار، وكل هذه الأشياء التي تعبّر عن كل ما هو عكس السعادة. كانت هناك أيام رمادية مرعبة، حتى في الصيف، والليالي التي استيقظت فيها غارقا في العرق، فضلاً عن الوسواس القهري والأحلام السيئة. أضف إلى ذلك التعافي من إدمان الكحول في نهاية التسعينيات من القرن الماضي، وقد قمت بالكثير من الأبحاث حول الليالي "المظلمة للروح". FERGAL KEANEكتب فيرغال كين كتبًا وأنتج أفلامًا وثائقية حول الصحة العقلية عند انهياري في سنة 2023، كنت قد تجاوزت نقطة "الأمل في السعادة"، وفي تلك الأيام، كنت سأكتفي بقليل من راحة البال، ففي عام 2019، تركت وظيفتي كمحرر لشؤون إفريقيا في بي بي سي بسبب معاناتي من اضطراب ما بعد الصدمة. وبعد عامين كتبت كتابا عن هذا الموضوع، كما أعددت فيلما وثائقيا تلفزيونيا لبي بي سي، ولكن حتى بعد كل ذلك، تعرضت لانهيار عصبي آخر.
علم السعادة
يتحدث البروفيسور بروس هود، من جامعة بريستول، عن ميل البشر إلى "تضخيم الأمور والتركيز على إخفاقاتنا أو أوجه القصور لدينا". وهو يدير دورات تدريبية لمدة 10 أسابيع في بريستول حول علم السعادة، ويتحدث عن الحاجة إلى إيجاد التوازن لأن "عقولنا منحازة لتفسير الأشياء بشكل سلبي للغاية"، على حد تعبيره. ولا شك أنّ كل ذلك يتردد صداه في نفسي، ولكن هناك تحذير وهو أن مجال عمل البروفيسور هود هو معالجة مشاعر انخفاض مستوى الرفاهية بشكل عام، وهو واضح في أن التركيز على علم السعادة لن يكون بالضرورة علاجا لكل شيء لشخص يعاني من حالة مثل اضطراب ما بعد الصدمة. لقد تم تشخيص حالتي بشكل محدد، ففي عام 2008 أخبرني الأطباء لأول مرة أنني أعاني من اضطراب ما بعد الصدمة بسبب حالات متعددة من الصدمات التي تعرضت لها كمراسل حربي، وبسبب الظروف التي عشتها في طفولتي في منزل دمره إدمان الكحول، لقد كان الاكتئاب والقلق من بين الأسباب الرئيسية لهذه الحالة، ومع إدمان الكحول، لجأت أيضا إلى الطاقة المثيرة، والصداقات، والشعور بالهدف الذي جاء مع تغطية النزاعات. وأود أن أؤكد أيضاً أن ما ينجح معي في محاولتي العثور على السعادة قد لا ينجح بالتأكيد مع أي شخص آخر، فهناك حالات صحية نفسية محددة تتطلب علاجات محددة بنفس القدر، وفي حالة اضطراب ما بعد الصدمة، ساعدتني مجموعة من العلاجات بشكل كبير، إلى جانب زمالة الآخرين الذين مروا بتجارب مماثلة.BBCفيرغال في صورة أرشيفية من حياته المهنية كمراسل حربي كما خففت الأدوية من الأعراض الجسدية للقلق واليقظة المفرطة، فقد كان سقوط لوحة أو ارتطام سيارة من الخلف سببا في تحولي إلى حطام شاحب يرتجف ويتعرق في ثوانٍ، وعلى نحو مماثل، كانت الكوابيس تجعلني أتقلب في نومي. أنا محظوظ، فقد حظيت بأفضل علاج، وهناك الكثيرون في مجتمعنا لا يحصلون على هذا العلاج. فوفقا للجمعية الطبية البريطانية، ينتظر أكثر من مليون شخص الحصول على العلاج. ومن المهم أيضا أن ندرك أن هناك العديد من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تؤثر على قدرتنا على تجربة السعادة. فهناك دراسة جارية حول الاستعداد الوراثي للاكتئاب والإدمان، وتقول ذي وورلد ويلبيينغ موفمنت (حركة الرفاهية العالمية)، وهي منظمة خيرية تعمل على تعزيز الرفاهية في مجال الأعمال وصنع القرار السياسي العام، إن واحدا من كل 8 أشخاص في بريطانيا يعيشون تحت ما أسمته خط فقرالسعادة، وهو ما يقاس باستخدام البيانات التي توفرها التقارير السنوية لمكتب الإحصاءات الوطنية، وعلى أساس السؤال على مقياس من 0 إلى 10: "بشكل عام، ما مدى رضاك عن حياتك في الوقت الحاضر؟". ووصفت منظمة الصحة العالمية الرقم الذي يبلغ واحداً من كل 8 بأنه "مذهل" وتقول إن هناك "قضايا مثيرة للقلق تتعلق بالصحة العقلية والتي لا تزال دون علاج وتعاني نقص التمويل". وبعد أن أعربت عن تحفظاتي، آمل أن تساعد جوانب في تجربتي والأدوات التي مُنحت لي بسخاء، الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب أو اضطرابات ما بعد الصدمة، أو حتى من يعانون من الألم الطبيعي للحياة من وقت لآخر.
سر السعادة.. ليس سرا
من تجربتي، فإن سر السعادة هو أنه لا يوجد سر، إنها موجودة بوضوح حولنا بانتظار أن نجدها، لكنها ليست حاضرة دائما كالحالة الطبيعية اليومية للبشر، تماما مثل الاكتئاب أو الغضب. وكما تقول المعالجة النفسية الأمريكية ويتني غودمان، مؤلفة كتاب "الإيجابية السامة: كيف نحتضن كل المشاعر في عالم مهووس بالسعادة": "أي شخص يصر على جعلك تشعر بالسعادة طوال الوقت يبيع لك الوهم في رأيي، هذا غير منطقي ولا يجدي نفعاً، فإخبار الناس بأنهم يحتاجون فقط ليكونوا سعداء ويظهروا أفكاراً مختلفة، أعتقد أنّ ذلك لو كان مجدياً لكان قد نجح". لقد قضيت سنوات على كراسي المعالجين النفسيين، وأحيانا كنت أنظر من نوافذ أقسام الطب النفسي، على أمل الحصول على العلاج المثالي الذي من شأنه أن يصلح رأسي وروحي المنهكة. بالنسبة لي، كان الشعور بالوحدة هو السمة المميزة لمشاكل صحتي العقلية حيث تعمقت في نفسي فلم أجد شيئاً أحبه أو أعجب به، فأغلقت الباب. ولم تأت الإجابة في ومضة من الضوء الساطع، وإذا كان بوسعي أن أختار شيئاً واحداً أحدث أعظم فارق بعد استقرار حالتي بالعلاج فهو العمل، وسوف يظل كذلك دوماً، وليس العمل هو ما دفعني إلى حالة من الإرهاق المستمر تقريباً بينما كنت ألاحق الأخبار والجوائز التي كانت ضرورية لأنانيتي غير المستقرة. وملاحظة لجميع الذين يحصلون على تقديرهم من العمل، المدمن على العمل هو الأكثر قبولاً بين جميع المدمنين، في الواقع، يُحتفى به وبإدمانه على العمل، فلماذا ترغب في التغيير عندما يصفق لك الرؤساء والمجتمع؟ العمل هو الإدمان المسموح به بشدة.Getty Imagesفيرغال يتحدث في حفل توزيع جوائز في عام 2016. إن العمل الذي أتحدث عنه مختلف تماماً، لن يخبرك أحد كم أنت شجاع وموهوب لقيامك بعمل السعادة الحقيقية، لكنك ستشعر بذلك في ردود أفعال الأشخاص الذين تحبهم، وفي امتنانك للاستيقاظ دون شعور بالخوف، وفي وعيك بالجمال من حولك، وفي معرفتك بأنك ستلتزم بتعهداتك وتعيش كشخص لا يكتفي بالكلام عن الاهتمام بالآخرين بل يبذل قصارى جهده ليعيش تلك الأقوال. في إحدى ليالي المستشفى في عام 2023، بعد أن دخلت بسبب اضطراب ما بعد الصدمة، شاهدت فيلما وثائقيا تحدث فيه المعالج النفسي الأمريكي، فيل ستوتز، عن 3 حقائق أساسية يجب على الأشخاص الذين يعانون من مشاكل الصحة العقلية قبولها وهي أن الحياة يمكن أن تكون مليئة بالألم، ومليئة بالتغيير، وأن العيش مع هذه الأشياء يحتاج إلى عمل مستمر. لقد كنت منهكا من المعاناة، ولكنني كنت أيضا على استعداد للقيام بكل ما بوسعي من عمل لإيجاد راحة البال، فجاءت السعادة لاحقا.
العودة إلى الأشياء البسيطة
ماذا فعلت؟ الكثير من الأشياء البسيطة في البداية. كتبت قائمة امتنان كل صباح، كما كنت أسجل يوميا كل ما هو جيد في حياتي، وقرأت المزيد من الشعر لأنه يهدئني، وذهبت في نزهة طويلة مع كلبي على ضفاف نهر التيمز في ريتشموند بارك، بل وبدأت في ممارسة التأمل، وتلك معجزة لرجل نادرا ما كان يستطيع الجلوس ساكنا لأكثر من 5 دقائق، كما ذهبت أكثر إلى السينما، وقمت بأعمال منزلية بسيطة، ليس مجرد مساهمات صغيرة في المطبخ كما في السابق، بل تنظيف وغسل وطبخ ودفع الفواتير بانتظام، يا للعجب، أستطيع القيام بذلك! خصصت المزيد من الوقت للصداقة، وللحب، وللأشخاص الذين كانوا الأكثر أهمية بالنسبة لي، استمعت حيث كان من الممكن أن أكتفي بوعظ الآخرين، وعملت بجدية شديدة لكي أسكت عندما أراد شخص ما التعبير عن استيائه، بدلاً من السماح لعادات الدفاع عن النفس التي اكتسبتها في طفولتي بالسيطرة علي. لقد عرضت مساعدة الآخرين الذين يعانون، إن أولئك الذين يتعافون من الإدمان يعرفون المثل القائل "للحفاظ على ما لديك، عليك أن تعطيه"، وكذلك السعادة. يقترح الفيلسوف الفنلندي فرانك مارتيلا، من جامعة ألتا، القيام بأمور لطيفة كجزء من الحل. وتصادف أن فنلندا تحتل المرتبة الأولى في مؤشر السعادة العالمي. ويقول: "تواصل مع الآخرين وتواصل مع نفسك". ويوضح قائلا: "تواصل مع الآخرين من خلال العلاقات الاجتماعية، قم بأشياء جيدة للآخرين، أو ساهم من خلال عملك أو من خلال الأعمال الصغيرة اللطيفة".
"أنت أقوى مما تعتقد"
كان لي صديق قديم رائع، غوردون دنكان، مستشار إدمان، وهو أول من نبهني إلى حقيقة مفادها أنني أعاني من قدر هائل من الغضب المتراكم في داخلي، وأن هذا الغضب هو الذي دفعني إلى شرب الخمر وإصابتي بالاكتئاب، وقد تشاجرنا كثيراً في الأسابيع الأولى من معرفتنا ببعضنا البعض، ولكن مع مرور الوقت أصبحنا أقرب الأصدقاء. عندما كان يحتضر في المستشفى، قمت بزيارته ذات يوم، ورأيته قد دخل في غيبوبة، لم يكن أي منا متدينا بشكل خاص، لكنني همست في أذنه بدعاء عزيز علينا: "اللهم امنحني السكينة لقبول الأشياء التي لا أستطيع تغييرها.والشجاعة لتغيير الأشياء التي أستطيع تغييرها. والحكمة لمعرفة الفرق". لم أعلم إن كان يسمعني أم لا، أظن أنه ربما لم يسمعني، لكنني تذكرت شيئا اعتاد أن يقوله لي عندما كنت أنحدر إلى الاكتئاب: "أنت أقوى مما تظن يا بني، أقوى مما تظن". أنقل هذه الرسالة إلى كل من يعاني في داخله، وبالنسبة لي، أعلم أن الأمور قد تتغير بسرعة، ولا توجد ضمانات سواء للسعادة أو لأي شيء آخر، لكنني أقبل ذلك. لقد ترك الكاتب الأمريكي ريموند كارفر، الذي نجا من إدمان الكحول ليكتب بعضاً من أجمل القصائد عن الحزن والسعادة، قصيدة قصيرة قبل أن يموت بالسرطان عن عمر يناهز الخمسين عاماً، وكانت تلك القصيدة بمثابة رثاء له، وأعتقد أنها تلخص السعي وراء السعادة. وهل حصلت على ماكنت تريده من هذه الحياة، رغم ذلك؟لقد حصلت عليه.وماذا كنت تريد؟أن أدعو نفسي محبوباً،وأن أشعر بنفسيمحبوباً على الأرض. سوف أستيقظ غدا وأكون سعيدا بفتح الستائر، وشرب القهوة والتفكير في أولئك الذين أحبهم من القريبين والبعيدين، وبعد ذلك سأعود إلى العمل، العمل العميق الحقيقي الذي يستمر كل يوم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.