في الوقت التي تؤكد الحكومة على لسان رئيسها ووزيرها المكلف بقطاع الشغل، على أن ملف التشغيل يحظى بأولوية قصوى، خاصة وأنها خصصت له في قانون مالية 2025 حوالي 14 مليار درهم، دقت المندوبية السامية للتخطيط ناقوس خطر ارتفاع معدل البطالة بشكل لم يعرفه المغرب من قبل. وهكذا أعلنت المندوبية السامية للتخطيط، أن معدل البطالة في المغرب انتقل خلال الفترة ما بين 2014 و2024 من 16.2 في المائة إلى 21.3 في المائة، موضحة أن المعدل انتقل من 19.3 إلى 21.2 بالمئة بالوسط الحضري، ومن 10.5 إلى 21.4 بالمئة بالوسط القروي.
وعن أسباب ارتفاع معدل البطالة رغم ما أعلنته الحكومة من ميزانيات وبرامج للتشغيل، قال رشيد ساري، محلل اقتصادي ورئيس المركز الإفريقي للدراسات الإستراتيجية والرقمنة، إنه ينبغي التنبيه أولا إلى أن الحديث عن تخصيص الحكومة لميزانية 14 مليار درهم في قانون مالية 2025، ليست ميزانية جديدة محددة للتشغيل.
وأوضح ساري، في تصريح ل"الأيام 24″، أن الميزانية المعلنة هي عبارة عن متأخرات ميزانيات مجموعة من البرامج الخاصة بالتشغيل التي لم يتم إنجازها في المرحلة السابقة فتم تجميعها والإعلان عن تخصيصها لإنعاش التشغيل، مردفا: "بمعنى أنه لا توجد ميزانية حقيقية مخصصة للتشغيل ولكن هناك 14 مليار درهم متأخرات لعدم إنجاز مجموعة من البرامج في مجال التشغيل".
أما عن "المعطيات الصادمة" للمندوبية السامية للتخطيط بخصوص ارتفاع معدل البطالة، فيرى ساري، أن هذه المؤسسة الدستورية أفادت قبل الإحصاء بأن معدل البطالة بلغ 13.6 في المائة، غير أنها أعلنت اليوم بعد إنجاز عملية الإحصاء أن المعدل بلغ 21.3 في المائة، مسجلا أن التساؤل الذي يطرح هو أي المعدلين هو الأقرب للصواب: هل المعطيات التي جاءت قبل الإحصاء أم بعده والتي كانت تقديرية ولكن ميدانية؟، قبل أن يردف: ربما هذه الأخيرة هي الأقرب للصواب لأنها أبحاث ميدانية في مجموعة المناطق المغربية، بينما المعطيات الأولى أي قبل الإحصاء فهي تقريبية.
وفي تحليله لأسباب ارتفاع معدل البطالة، اعتبر ساري، أن أول هذه الأسباب ما يتعلق بإكراهات التقلبات المناخية والجفاف المرتبطة بعوامل مناخية، مبينا أن القطاع الفلاحي كان يشغل أزيد من 27 في المائة غير أنه يعيش اليوم مجموعة من الاختلالات بسبب التقلبات المناخية.
وأكد ساري، أن السبب الثاني يتعلق بكون مجموعة من الاستثمارات الضخمة لا تنتج فرص شغل بشكل كبير، مشيرا إلى أن ميزانية الاستثمار التي جاءت في قانون مالية 2022 بلغت 300 مليار درهم، وفي سنة 2023 بلغت 345 مليار درهم، غير أن هذه الميزانيات لا تنتج فرص شغل، والدليل على ذلك أن معدلات البطالة بلغت مستوى قياسي ب 21.3 في المائة.
وتابع أن اللجنة المكلفة بالاستثمارات عقدت اجتماعها السادس، وبالتالي فأين هي نتائج الاستثمارات وأين آثارها على فرص الشغل ، مسجلا أن الإشكال الحقيقي هو أنه لا يوجد تقييم للتجارب التي نعيشها في مجموعة من المجالات من قبيل الاستثمارات، بمعنى: هل هي مدرة للثروة؟ وهل لها قيمة مضافة أم لا؟وهل تؤدي لتوفير مناصب الشغل؟.
ونبه ساري، إلى أنه لحدود الساعة عندنا مجموعة من الاستثمارات الضخمة لكنها غير منتجة للثروة وغير موفرة لوظائف شغل بالشكل المطلوب، مشيرا إلى أنه كنا نتحدث عن 10 في المائة و11 و12 و13 في المائة بخصوص معدلات البطالة، لكن اليوم أصبحنا نتحدث عن 21,3 في المائة!!
وعن كيفية الحد من المد التصاعدي لمعدل البطالة، شدد ساري على ضرورة التركيز على أن تكون للاستثمارات قيمة منتجة وتوفر فرص الشغل، لافتا إلى أن هناك أيضا إشكالات بنيوية في القطاع الفلاحي التي تتطلب تدخلا عاجلا ومبدعا في الآليات والوسائل.
وأردف أنه ينبغي العمل على إنجاز مجموعة من الأنشطة الموازية للفلاحين بحيث تكون مدرة للثروة وموفرة لمناصب الشغل التي يمكن أن تسهم في التخفيف من وطأة الإشكالات البنيوية في القطاع الفلاحي.
ونبه ساري، إلى إشكالية القطاع غير المهيكل الذي يشكل أزيد من 30 في المائة من الناتج الداخلي الخام، مرجحا إمكانية أن تكون نسبة مهمة من هذا القطاع تدخل في نسبة 21 في المائة من البطالة، إذ أن هناك العديد من الأشخاص الذين يشتغلون في القطاع غير المهيكل غير أنهم غير مصرح بهم وبالتالي يتم احتسابهم بأنهم يعانون من البطالة.
وجدد ساري، التأكيد، على أن وصل إليه معدل البطالة بالمغرب يأتي أيضا نتيجة للبرامج الفاشلة التي اعتمدتها الحكومة في خلق مناصب الشغل من قبيل برامج "فرصة" و"أوراش" وغيرها التي تضخ ملايير الدارهم من أجل تشغيل مؤقت بغية رفع المؤشرات الدالة على أن الحكومة قامت بتشغيل عدد كبير من الناس رغم أن الواقع لا يعكس بتاتا نجاح هذه البرامج.