لم يكن خروج فرنسا من منطقتها الرمادية في تعاطيها مع ملف الصحراء حدثا عابرا في السياسة الخارجية لفرنسا، بل يأتي في سياق سعي الرئيس إيمانويل ماكرون لتعديل بوصلة بلاده في تعاملها مع الملفات الخارجية من أجل توسيع دائرة نفوذ باريس على الساحة الدولية.
الصحيفة الفرنسية "لوفيغارو"، اعتبرت أن باريس التي تعاني "أزمة سياسية داخلية" منذ حل البرلمان، يريد رئيسها ماكرون تعزيز نفوذ فرنسا على المستوى الخارجي، محاولا الاستفادة من "الفراغ السياسي" الناتج عن الانتخابات الرئاسية الأمريكية لتجديد المبادرات الفرنسية الخارجية.
وتركز سياسة ماكرون على دول تُعتبر تقليديًا ضمن اهتمام الدبلوماسية الأمريكية، تأتي على رأسها المغرب في إفريقيا والسعودية في الشرق الأوسط ثم الأرجنتين في أمريكا اللاتينية، حيث يسعى الرئيس الفرنسي ترسيخ العلاقات معها قبل تولي الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، مهامه رسميا، بداية السنة المقبلة، وفق ما أوردته لوفيغارو.
وفي القارة الإفريقية، تشرح الوسيلة الإعلامية الفرنسية البارزة، تراجع نفوذ فرنسا بصورة "صارخة وغير متوقعة"، بعد سلسلة من الخسائر الإستراتيجية، ابتداءً من مالي والنيجر مرورا ببوركينا فاسو، كما خسرت فرنسا آخر معاقلها العسكرية في منطقة الساحل بعد إلغاء اتفاقياتها الدفاعية مع تشاد، ناهيك عن فقدان موقعها في السنغال.
ومقابل مؤشرات التراجع الفرنسي في القارة السمراء، يتزايد نفوذ روسيا وشركة "فاغنر" المسلحة في المناطق التي كانت تعتبر سابقاً نطاق النفوذ الفرنسي، حسب الصحيفة الفرنسية.
وأضافت أن المصالحة التي تمت بين المغرب وفرنسا، بعد سنوات من الجمود، وموقف باريس الداعم لمغربية الصحراء، ثم زيارة ماكرون التي تلت ذلك إلى الرباط، تكشف بعض ملامح هذه السياسة الجديدة، رغم أن ذلك تسبب في "تمزق" مع الجزائر، واستحالة "المصالحة مع السلطات الحالية.
وأبرزت "لوفيغارو"، أن التوجه الجديد كان واضحا في لقاء ماكرون بالرئيس الأرجنتيني خافيير مايلي، أول زعيم أجنبي يلتقي بدونالد ترامب منذ إعادة انتخابه. كما أنه يعمل ب "جد" مع المملكة العربية السعودية، الشريك الرئيسي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
وتابعت أن إدارة ترامب الأولى، تركت بصمة مهمة في العلاقات الإقليمية عبر ما سمي اتفاقيات "أبراهام"، والتي قادت إلى تطبيع بين إسرائيل وعدد من الدول العربية من بينها المغرب، إلا أن مسارها توقف منذ الحرب الذي يشنه الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة.