على خلفية ما أظهرته نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى 2024، من تراجع معدل النمو السنوي للسكان بالمغرب مقارنة بسنة 2014، نبه الأكاديمي وأستاذ علم الاجتماع بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، علي شعباني، إلى أن هذا التراجع قد يؤدي إلى أن ينقلب الهرم السكاني على رأسه، إذ ستتقلص الفئة النشيطة والمنتجة مقابل ارتفاع فئة الشيوخ.
وكشفت نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى 2024، أن عدد السكان القانونيين بالمغرب بلغ 36.828.330 نسمة، ليعرف عدد السكان زيادة إجمالية بلغت 2.980.088 نسمة مقارنة بسنة 2014، وهو ما يعادل نموا سنويا بلغ 0,85 في المائة خلال هذه الفترة، مقابل 1,25 في المائة بين 2004 و2014، أي أنه هناك تراجعا في معدل النمو السنوي.
وأوضح الشعباني، أن الأسرة المغربية أصبحت تنجب في المتوسط طفلا واحدا إلى طفلين للعائلة الواحدة، في الوقت الذي كانت فيه الأسرة تنجب في ستينيات القرن الماضي 7 أطفال على الأقل، مبينا أن هذا التراجع في عدد أطفال الأسرة تسبب في انخفاض معدل النمو السكاني من 1,25 في المائة إلى 0,85 في المائة.
واعتبر الشعباني، في حديث ل"الأيام 24″، أنه لا ينبغي أن نُفاجأ بهذا الانخفاض التي تقف وراءه عدة أساب، لعل أهمها "نهج المغرب لسياسة تنظيم الأسرة وليس الحد من النسل"، مبينا أن هذه السياسة التي نهجها المغرب منذ ستينيات القرن الماضي بدأت تظهر نتائجها بالنسبة للدولة.
وأضاف أن الدولة عملت على تنزيل سياسة التحكم في النمو الديمغرافي نظرا لكونها تعتقد أن ذلك سيسهم في التحكم في السياسات الأخرى من تعليم وصحة وبنية تحتية وغيرها من المشاريع الاقتصادية.
وسجل أنه عندما لا يساير تطور النمو الاقتصادي نسبة النمو الديمغرافي تنتج عن ذلك عدة إشكالات مجتمعية من بطالة وإضرابات، إضافة إلى تزايد وتيرة التسرب المدرسي والفشل الدراسي…، مما يسبب عدة مشاكل بالنسبة للدولة على المستوى الوطني والدولي، مشيرا إلى أنه كلما ازداد عدد السكان وضعُف الاقتصاد، كلما اتجهت الدولة إلى الاقتراض والمديونية من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وغيرها من المؤسسات الدولية.
ونبه الشعباني، إلى أن سعي الدولة إلى التحكم في النمو الديمغرافي، قد تنتج عنه اختلالات سلبية من أهمها "انقلاب الهرم السكاني على رأسه"، حيث تتقلص الفئة النشيطة والمنتجة، وتصبح هي المسؤولة عن فئتين تابعتين لها هي فئة الأطفال والمسنين غير القادرين عن الإنتاج.
ويرى الشعباني، أنه إضافة إلى نهج الدولة لسياسة "تنظيم الأسرة" الذي أسفر عن تراجع عدد الأطفال، أصبح ثقل المسؤولية الاقتصادية داخل الأسرة بسبب الارتفاع الصاروخي لمختلف السلع والخدمات يدفع الأسرة إراديا إلى تقليص عدد الأبناء.
كما أصبح الشباب والشابات، وفق الشعباني، يتخوفون من فكرة الزواج بسبب الصعوبات المالية والاقتصادية المصاحبة له، مشيرا إلى أنه حتى إذا قرر الشباب الزواج فإن التفكير في الإنجاب ينحصر في طفل واحد أو طفلين على الأكثر في ظل الوضعية الاقتصادية الصعبة، ناهيك على أن الشابات أصبحن يعملن على بناء مسارهن الدراسي والمهني وتحقيق الاستقلالية عن الرجل، مبينا أن كل هذه الحسابات أصبحت تؤثر على النمو الديمغرافي.
وبخصوص تأثير موضوع العزوف عن الزواج على تراجع معدل النمو السكاني بالمغرب، تساءل الشعباني: هل الأمر يتعلق بالامتناع عن الزواج بشكل نهائي أم تأخير سن الزواج؟، مشيرا إلى أن هناك من الشباب والشابات من يعملون على بناء حياتهم المهنية وتلبية حاجياتهم الخاصة دون التفكير في الزواج، وفي هذا الحالة، تنعدم نسبة الإنجاب، على حد تعبير الأكاديمي ذاته.
أما عن تأخير سنة الزواج، فيرى الشعباني، أنه يشكل وبالا على المجتمع، إذ أن ارتفاع سنة الزواج إلى ما يفوق 30 سنة قد يؤدي إلى صعوبة في الإنجاب، وفي الأقصى قد تنجب الأسرة التي تأخرت في الزواج طفلا أو طفلين على الأكثر.
وخلص الشعباني، إلى أنه سنة بعد سنة سيستمر تقليص نسبة الولادات، مما قد يؤدي إلى أدنى نسبة ممكنة للنمو الديمغرافي، محذرا من خطورة هذا الأمر على المجتمع المغربي، إذ سيؤدي إلى شيخوخة المجتمع وإلى قلة اليد العاملة، ودعا إلى ضرورة الاستفادة من دروس أوروبا التي تعاني معاناة شديدة بسبب انخفاض النمو الديمغرافي ببلدانها.