تحول جي دي فانس، الذي كان من أبرز معارضي دونالد ترامب، إلى واحد من أشد المدافعين عنه، ليصل في النهاية إلى منصب نائب الرئيس المنتخب في إدارة ترامب الثانية. ويُعد فانس ثالث أصغر سياسي يتولى هذا المنصب وأول نائب رئيس من جيل الألفية، ومن المتوقع أن يؤدي اليمين الدستورية في يناير المقبل، وفقا لما نشرته صحيفة "نيويورك تايمز".
وشهدت مسيرته السياسية صعودا سريعا بعد أن تولى أول منصب عام له كعضو في مجلس الشيوخ عن ولاية أوهايو، قبل أن يصبح نائبا للرئيس بعد عامين فقط من توليه هذا المنصب.
الشهرة التي اكتسبها فانس تعود بشكل كبير إلى مذكراته "مرثية ريفية"، التي صدرت عام 2016 وحققت مبيعات ضخمة، وساهمت في تعزيز صورته العامة، خاصة بعد أن اختاره ترامب نائبا له.
في البداية، كان فانس ينتقد ترامب علنا، حيث أعرب عن شكوكه تجاهه، إلا أنه في النهاية غير موقفه وأصبح من أكثر مؤيديه، مما ساعده على كسب دعم ترامب في الانتخابات التمهيدية لمجلس الشيوخ، وهو ما كان عاملا حاسما في فوزه.
يُعد فانس، البالغ من العمر 39 عاما، جديدا على الساحة السياسية الأمريكية.
وُلد في مدينة ميدلتاون بولاية أوهايو، وهي مدينة صناعية كانت مزدهرة في الماضي، ونشأ في ظروف صعبة، حيث تولت جدته "ماماو" تربيته بعد أن عانت والدته من إدمان المخدرات.
كانت لهذه الصعوبات تأثير كبير على شخصيته وخطبه خلال حملته الانتخابية، حيث قدم نفسه كمرشح للطبقة العاملة ذوي الياقات الزرقاء، وسعى إلى جذب أنصار ترامب الذين ينتمون لهذه الفئة الاجتماعية.
توفيت جدته في عام 2005، بعد فترة قصيرة من انضمامه إلى مشاة البحرية الأمريكية، حيث خدم في العراق، قبل أن يتخرج من جامعة ولاية أوهايو وكلية الحقوق بجامعة ييل.
في عام 2016، أصدر كتابه "مرثية ريفية" الذي تحول إلى فيلم عُرض على منصة "نتفلكس". وفي هذا الكتاب، سرد فانس قصة نشأته في فقر داخل منطقة "حزام الصدأ الأمريكي" التي تتعرض للتراجع الاقتصادي، وسط ظروف عنف وإدمان.
"حزام الصدأ" هو مصطلح يشير إلى منطقة في الولاياتالمتحدة كانت مركزا للصناعات الثقيلة، لكنها تعرضت للانخفاض الاقتصادي منذ السبعينيات.
وتشمل هذه المنطقة ولايات مثل أوهايو وبنسلفانيا وميشيغان، حيث تأثرت بشدة بانخفاض الإنتاج الصناعي وارتفاع معدلات البطالة.
بعد تحقيق النجاح من خلال كتابه، بدأ فانس في بناء مشروع تجاري لتنمية الفرص الاقتصادية في المناطق المتضررة من التراجع الصناعي، وأصبح شخصية بارزة في الإعلام كمعلق على قضايا الطبقة العاملة والمشاكل التي تواجه سكان "حزام الصدأ".
وعلى الرغم من أن فانس كان ينتقد ترامب في البداية، فقد تحولت علاقتهما بعد أن أدرك أهمية سياسات ترامب وتأثيرها على الناخبين من الطبقة العاملة.
في إحدى مقابلاته مع تشارلي روز، أكد أنه "لم يكن أبدا مؤيدا لترامب"، لكنه مع مرور الوقت غيّر موقفه وأصبح من أشد المدافعين عنه.
وفي عام 2021، قدم فانس اعتذاره عن انتقاداته السابقة لترامب خلال مقابلة مع قناة "فوكس نيوز"، وبدأ في دعمه بشكل علني.
هذا التحول الجذري في موقف فانس جاء في وقت حساس، حيث كان يستعد لدخول السباق على مقعد مجلس الشيوخ في ولاية أوهايو عام 2022.
كانت الانتخابات التمهيدية لهذا المقعد من بين أكثر الانتخابات تنافسية في الحزب الجمهوري، لكن دعم ترامب في اللحظات الأخيرة كان حاسما لفوز فانس، حيث تغلب في الانتخابات التمهيدية ثم في الانتخابات العامة على الديمقراطي تيم رايان.
منذ انتخابه عضوا في مجلس الشيوخ، حافظ فانس على مواقفه المحافظة، وكان داعما قويا لسياسات ترامب، بما في ذلك معارضته للمساعدات الأمريكية لأوكرانيا.
وخلال حملة ترامب الرئاسية لعام 2024، لعب فانس دورا نشطا في دعم ترامب، حيث شارك في عدة فعاليات لجمع التبرعات في ولايتي أوهايو وكاليفورنيا.
يتمتع فانس أيضا بعلاقات قوية مع عدد من المانحين الأثرياء في وادي السيليكون، مثل بيتر ثيل، الذي قدم دعما ماليا كبيرا لحملته الانتخابية في مجلس الشيوخ عام 2022 بمبلغ 15 مليون دولار.
ورغم النجاح الكبير الذي حققه، لم يكن فانس بعيدا عن الجدل. فخلال حملته الانتخابية، أدلى بتصريحات مثيرة، إذ وصف بعض النساء في الحزب الديمقراطي ب"نساء القطط بلا أطفال"، وهو تصريح اعتُبر مسيئا على نطاق واسع وأثار انتقادات من مختلف الأوساط.
اليوم، يقف جي دي فانس كنائب رئيس منتخب، وهو تحول مذهل في مسيرة سياسية كانت مليئة بالتحديات والصراعات، ويعكس قدرته على التكيف وتغيير مواقفه بما يتناسب مع التيار السياسي السائد في الحزب الجمهوري.