يوم بيوم رأي آخر في زيارة ماكرون نور الدين مفتاح نشر في 7 نوفمبر 2024 الساعة 11 و 58 دقيقة الوثائق موجودة في الأرشيف السري للقوتين الاستعماريتين السابقتين، وكان عليهما أن يتحملا مسؤوليتهما، وألا يرتهنا للعبة التوازنات في علاقاتهما مع دول المغرب الكبير. إضافة إلى أن القضية الوطنية في المغرب هي قضية نظام وشعب، وإذا كان هناك من شيء مستحيل فهو أن يكون هناك حل خارج السيادة المغربية على أقاليمه الجنوبية. العبرة بالخواتيم كما يقال، والخاتمة كانت عبارة عن إعلان صريح للرئيس الفرنسي باعتبار: «حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية. وبالنسبة لفرنسا، فإن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يعد الإطار الذي يجب من خلاله حل هذه القضية، وإن دعمنا لمخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب في 2007 واضح وثابت. ويشكل هذا الأخير، من الآن فصاعدا، الأساس الوحيد للتوصل إلى حل سياسي عادل ومستدام ومتفاوض بشأنه طبقا لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة». نور الدين مفتاح [email protected]
من كان يصدق أن يلتقي قائدا البلدين ويجوبا شوارع العاصمة في السيارة الملكية المكشوفة، في استقبال باهر يليق بعلاقات وصلت إلى أوجها؟
قليلون في الواقع لم يندفعوا خلال أربع سنوات من الأزمة الصامتة بين باريسوالرباط، ولم يكفروا بالروابط العريقة التي تجمعنا بالجمهورية الفرنسية، فيما تحول أولئك الذين بالغوا في الانتقاد بالأمس إلى مبالغين في التمجيد والتهليل اليوم، وهو شيء عجب.
عمر الدول لا يماثل عمر الأشخاص. فلذلك قد تعتبر أربع سنوات من الأزمة كأربعة أيّام، ولكن، لا أحد يتمنى أن يتجرع مرارة ساعة واحدة من الخلاف مع شريك استراتيجي، لأن المصالح هي جوهر الحكم. وفي لحظات الانتشاء كالتي عشناها خلال ثلاثة أيام من الزيارة الرسمية التي قام بها رئيس الجمهورية الفرنسية السيد إيمانويل ماكرون للمغرب، كان طبيعيا أن تنسى بعض فصول الأزمة وتطوى الصفحة بعد أن استخلصت منها الدروس.
يجنح البعض إلى معادلة الرابح والخاسر في كل تطبيع للعلاقات بين بلدين عاشا الجفاء. وفي هذا الموضوع، أعتقد أن الأمر لن يخرج عن معادلة رابح رابح. لقد اجتمعت كل التوابل لتعطي هذه الدفعة التي تذكرنا بالقمة التي وصلتها علاقات الرباط مع باريس في عهد الرئيس الراحل جاك شيراك أو الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي.
وكما كان هناك اختلاف في الأزمة بين مملكة الحسن الثاني والرئيس الاشتراكي الراحل فرانسوا ميتران، وبين مملكة محمد السادس والرئيس إيمانويل ماكرون، فإن هناك اختلافا في التقارب بين ما يجري اليوم وما جرى بالأمس. والسبب هو شجاعة إقدام الإليزيه على خطوة غير مسبوقة وهي الاعتراف الفرنسي بالسيادة المغربية على الصحراء.
صحيح أن هذا الاعتراف لا يعني نهاية النزاع وإغلاق الملف في الأممالمتحدة، ولكنه خطوة ثمينة في اتجاه حلحلة هذه القضية التي عمرت لحد الآن لمدة نصف قرن. لقد كان الفيتو الفرنسي دائما في مجلس الأمن لصالح المغرب، ولكن الرباط كانت تريد أكثر مع التحولات المتسارعة في تدبير القضية الوطنية وعلاقات المملكة مع شركائها بهذا الخصوص.
وبغض النظر عن اعترافات الولاياتالمتحدةالأمريكيةوألمانيا مثلا، فإن المغرب الذي فتح باب هذه الاعترافات الثنائية كوسيلة بديلة للجمود على مستوى المنتظم الأممي، كان يعتقد أن الدولتين اللتين عليهما دين له هما فرنسا وإسبانيا ستكونان سابقتين لهذه الخطوة.
هاتان الدولتان تعرفان الملف وحقوق المغرب الذي تم تقزيمه جنوبا وشرقا، وعندما قبل هذا المغرب بما تبقى له من تراب تبعا لمبدأ احترام الحدود الموروثة عن الاستعمار، أصبح ينازَع في ثلث ترابه في الساقية الحمراء ووادي الذهب.
الوثائق موجودة في الأرشيف السري للقوتين الاستعماريتين السابقتين، وكان عليهما أن يتحملا مسؤوليتهما، وألا يرتهنا للعبة التوازنات في علاقاتهما مع دول المغرب الكبير. إضافة إلى أن القضية الوطنية في المغرب هي قضية نظام وشعب، وإذا كان هناك من شيء مستحيل فهو أن يكون هناك حل خارج السيادة المغربية على أقاليمه الجنوبية.
العبرة بالخواتيم كما يقال، والخاتمة كانت عبارة عن إعلان صريح للرئيس الفرنسي باعتبار: «حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية. وبالنسبة لفرنسا، فإن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يعد الإطار الذي يجب من خلاله حل هذه القضية، وإن دعمنا لمخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب في 2007 واضح وثابت. ويشكل هذا الأخير، من الآن فصاعدا، الأساس الوحيد للتوصل إلى حل سياسي عادل ومستدام ومتفاوض بشأنه طبقا لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة». كان خطاب الرئيس الفرنسي منتظرا أمام البرلمان المغربي صباح الثلاثاء الماضي في هذا الموضوع بالذات، وقد كان إيمانويل ماكرون في الموعد بحيث لم يعد التأكيد على موقفه من السيادة المغربية على الصحراء، بل زاد على ذلك بأن رجال الأعمال الفرنسيين سيتجهون للاستثمار في أقاليمنا الجنوبية، وهذه رسالة قوية في وقت يستعمل فيه خصوم الوحدة الترابية «حرب الثروات» في الصحراء كرأس رمح حيث قضت محكمة العدل الأوروبية بإلغاء اتفاقيتي الصيد والفلاحة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، ودعت لعدم تضمينها أقاليمنا الجنوبية، وقد اعتبرت الرباط أنها غير معنية بهذا القرار.
هل كان هذا التحول السياسي صفقة لفتح الباب أمام تدفق الاستثمارات والشراكات؟ لا أعتقد ذلك، إلا أن هذا الموقف السياسي الفرنسي المنصف كان مفتاحا لعودة قطار العلاقات المشحونة بقرون من التاريخ المشترك بكل صداقاته وقطائعه وآلامه وآماله إلى سكته، وإعلان ما سمي ب«الشراكة الاستراتيجية الوطيدة» ولا أعتقد أن هذا العنوان هو لعب بالكلمات. وقد أثارتني في الإعلان عن هذه الشراكة الموقعة بين المملكة وفرنسا النقطة الثالثة التي تقول إن جهود الدولتين على الصعيدين الثنائي والدولي ستظل قائمة على أساس مبادئ: «العلاقات بين دولة ودولة، والمساواة في السيادة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وفي اختيارات السياسة الخارجية، واحترام الالتزامات المبرمة، والثقة والشفافية، والتشاور المسبق، وتضامن ومسؤولية كل طرف اتجاه الآخر».
إنه باختصار إقرار بالندية وبناء محاذير لعدم تكرار الأسباب السياسية والسيكولوجية للأزمة المطوية. وكما قال الرئيس الفرنسي أمام البرلمان، فإن هذه الشراكة هي الأقوى لفرنسا مع بلد خارج الاتحاد الأوروبي.
لقد تم توقيع 22 اتفاقية رئيسية للاستثمار بغلاف مالي يصل إلى 10 ملايير أورو، وهذا رقم كبير سيشمل مختلف القطاعات، من النقل إلى الذكاء الاصطناعي فالفلاحة والصناعة وغير هذا كثير. ولكن الشراكة لا تعني الجانب الاقتصادي فقط رغم أهميته بالنسبة للبلدين، بل تعني استرجاع أصدقاء يحفظون الود ويرعون المصالح المتبادلة. وسنرى أن هذا الباب الذي فتح سيسوي الكثير من المشاكل العالقة كملف الهجرة الذي يعتبر أولوية في باريس اليوم، وملف التأشيرات والتعاون الأمني في المتوسط، والانخراط في المشروع الاستراتيجي المغربي للتعاون الأطلسي.
إن فرنسا على المستوى السياسي لا تعيش أزهى أيامها، فقد خسر التحالف الحكومي أغلبيته في الانتخابات الأوروبية الأخيرة مما دفع الرئيس ماكرون إلى الإعلان عن انتخابات سابقة لأوانها كان شبحها هو اكتساح حزب مارين لوبين للجمعية الوطنية، لدرجة أن محميها جوردان بارديلا كان يستعد لقيادة الحكومة، إلا أن الرياح جرت باتجاه آخر وحصل تجمع اليسار بمكوناته المتشرذمة على الأغلبية النسبية بقيادة حزب جون ليك ميلونشون المثير للجدل.
وقد عين الرئيس الفرنسي وزيراً أول من خارج التحالف الحائز على أعلى الأصوات، وهناك اليوم حكومة بدون أغلبية برلمانية، تدير حجم ديون غير مسبوق وعجزا في حسابات المالية العمومية يقدر ب 60 مليار أورو، وقد دخلت في إجراءات تقشفية عكسها قانون المالية الذي يعد الأكثر صرامة، والمخالف تماما للبرامج التي كانت تتنافس في الانتخابات على المزايا التي سيتحصل عليها المواطن الفرنسي بخصوص الضرائب والحد الأدنى للأجور والتقاعد.
وحتى على المستوى الدولي نجد أن صوت فرنسا خفت وسط اتحاد أوروبي ضعيف في لعبة الكبار، وهما الولاياتالمتحدةالأمريكية من جهة والصين من جهة أخرى.
والمشكل في كل هذا أن اليمين واليمين المتطرف الذي انجرّ له جزء كبير من الفرنسيين يعتبرون أن سبب أزمتهم هم المهاجرون، ولذلك يتحدث كل المعلقين الفرنسيين بدون استثناء عن هذا الموضوع بالضبط في تحليلهم للتحول الاستراتيجي الجاري في العلاقات بين الرباطوباريس.
كل هذا لا يمنع استمرار فرنسا كقوة عظمى وعضو في مجلس الأمن وواحدة من أكبر اثنين في الاتحاد الأوروبي، مع ألمانيا. والمغرب بدوره له مشاكله الخاصة وأولويته ليست هي الهجرة كما الفرنسيين، ولكن وحدته الترابية وهذا النزاع المفتعل الذي يستنزف الجميع في المغرب الكبير ويعيق النمو، وله كذلك مشاكل في التنمية ومحاربة الفقر والهشاشة والفوارق والفساد. وحتى إن كانت حكومتنا تتوفر على أغلبية مريحة في البرلمان فإن لها عجزاً بينا في الشعبية لدرجة أنها واحدة من الحكومات التي جلبت أكبر منسوب من السخط الشعبي في تاريخ الحكومات المغربية، ولها مشاكل مع محاربة البطالة والعجز والدين العمومي وكفاءة ونزاهة نخبها الحزبية.
هذا الواقع لن يؤثر على هذه الشراكة الاستراتيجية الوطيدة التي هي قضية دولتين بغض النظر عن تغير الحكومات، إلا أن شهر العسل هذا بين بلاد الأنوار والمملكة الشريفة، لن يكون إلا في صالح الحكومتين والشعبين وقد وضع لبنات بناء يبدو أن له من الصلابة ما قد يجعله يقاوم تقلبات الزمن السياسي.