يوم بيوم أكبر دولة اجتماعية في إفريقيا.. غاز نور الدين مفتاح نشر في 10 أكتوبر 2024 الساعة 9 و 21 دقيقة «إننا نشعر بالصدمة إزاء الصور المتداولة لأعداد غفيرة من أجيالنا اليافعة والشابة وهي تحاول مغادرة بلدها عن طريق الهجرة الجماعية المعلنة وأحيانا على حساب حياتهم، وذلك بشكل مؤلم وجارح وغير مسبوق، ينم عن فقدان أمل نهائي لديهم ولدى أسرهم المعوزة من سياسات ووعود المسؤولين. كما نشعر بالصدمة من الصمت المطبق للحكومة التي أصيبت بالشلل، بسبب عجزها عن بلورة خطاب متماسك بعد المشهد المدمر الذي قدمه للعالم مئات وآلاف الشباب الذين يحاولون عبور الحدود سباحة أو سيرا على الأقدام، وبسبب عجزها عن التعامل مع ظاهرة الشباب الذين لا يجدون عملا ولا تعليما ولا تدريبا، والذين يبلغ عددهم ما يقارب أربعة ملايين ونصف المليون يافع وشاب مغربي تتراوح أعمارهم بين 15 و34 عاما». نور الدين مفتاح [email protected]
«منهربوش».. هي حملة إعلانية مثيرة ظهرت في لوحة إشهارية غريبة تتعلق بعملية تحسيسية مفترضة للشباب الذين تقاطروا على مدينة الفنيدق قبل أسبوعين من أجل ما أصبح يسمى إعلاميا ب «الهروب الكبير».
امتعض الآلاف من هذه الحملة المرجح أن مصدرها الحكومة، وهي بالفعل حملة مضحكة مبكية ولو كان وراءها حسن نية. وقد أفادت مصادر أنها كانت مبادرة من جمعيات من المجتمع المدني، وجاء في ملصقها الضخم المعلق في بعض الشوارع: «الهروب ما غاديش يحل المشكل… الغربة تقدر تخدعك، ولكن الوطن هو اللي غيبقى معك حتى فالظروف الصعبة». وتحت هذا الوعظ كتب شعار: «مبادرات لترسيخ ركائز الدولة الاجتماعية»!
وسواء كانت جمعية أو جمعية مدعومة من الحكومة أو الحكومة نفسها التي قد تكون لم تأمر بالحملة ولم تسؤها، فإن هذه مبادرة مهينة للشباب المغربي المهمش الذي يعاني في بلاده، وتتهمه الحملة بأنه هارب من وطنه لأن عنده مشاكل مع الوطن. زد على كل هذا أن ما يسمى بفن تواصل الأزمات بهذا الشكل يكون قد ذبح!
المغاربة في الغربة يصل عددهم إلى خمسة ملايين يضخون في اقتصاد بلادهم ما يناهز العشرة ملايير دولار سنويا، فهل هم هاربون من وطنهم؟ ما علاقة الوطن كانتماء بوضع اجتماعي مزري يستدعي الاحتجاج أو البحث عن حل؟! هل كل الأفارقة الذين يغامرون بقطع صحاري كبرى من دول عديدة لكي يصلوا إلى المغرب للاستقرار أو لانتظار فرصة العبور إلى أوروبا كفروا بأوطانهم؟
إن التدبير الحكومي المتعاقب بنسبة نموه البئيسة يترك 180 ألف شاب عاطل كل سنة، ولم يسبق لنسبة البطالة في تاريخ المغرب أن وصلت إلى 13.5% والناس على هامش الحياة، والشباب مختنق، ولكنه لم يكفر بوطنه، بل كفر بالسياسات التي خلقت احتقانا عاما يشنق الكرامة في الساحات العامة.
إن عدم الكفاءة في حكومات الكفاءات، والفساد المستشري وخطاب الارتياح الذاتي والهواية في الممارسة السياسية، وتحكم أشباه الأميين والنصابين في جزء من دفة تدبير الشأن العام هو الذي أعطى صورة هذا المغرب الذي يسير بسرعتين كما كان عنوان غلاف عددنا للأسبوع الماضي: «مغرب التيجيفي والأوراش الكبرى والندية الخارجية، وسلحفاة التنمية ومحاربة الفساد والرغبة في الهروب الكبير».
مثل هذا التشخيص لا يقوله العدميون والمصنفون في عداد المعارضين المتطرفين، فها هو شخص مناضل كان من مؤسسي حركة «لكل الديموقراطيين» وكان من أعضاء حزب الأصالة والمعاصرة، الشاعر والمعتقل السابق صلاح الوديع، ومعه محمد بنموسى، خبير اقتصادي ومالي وكان عضوا في لجنة النموذج التنموي الجديد، إلى جانب زملائهما في «حركة ضمير» يصدرون بلاغا مؤلما حول أوضاع أشد إيلاما لحكومة لا تلتفت لمثل هؤلاء العقلاء لأن عقلها مع من معها من المجرجرين في المحاكم أو في ردهات البرلمان بمشاريع قوانين مرقعة.
تقول الحركة: «إن من واجب حركة ضمير إثارة انتباه كل مسؤولي الدولة إلى خطورة عدد من القضايا الملحة اليوم. وفي هذا الصدد ندين بأشد العبارات حالات الفساد المتعددة واختلاس المال العام، والاحتيال وتضارب المصالح والصفقات العمومية المشبوهة وحالات الإثراء السريع المريبة، والترامي على أملاك دون موجب حق، واستغلال النفوذ المكتسب من مواقع المسؤولية، وشبهات ومحاولات التأثير والضغط على منتخبين نزهاء، وغيرها من أشكال انتهاك القانون والأخلاقيات التي تخترق الطبقة السياسية، وتضع فاعلين في التحالف الحكومي محط مساءلة أخلاقية على المعنيين بها توضيح ملابساتها للرأي العام دفاعا عن الشرف: تسرب متابعين في تجارة المخدرات للمسؤولية الحزبية والسياسية، إيقاف أحد أعضاء الأمانة العامة الجماعية لحزب حاكم، محاولة السطو على أرض جماعية، تعدد حالات التجريد من المسؤولية الانتخابية في حق العديد من منتخبي التحالف الحكومي (31 برلمانيا ينتمون للتحالف الحكومي من ضمن 42 برلمانيا)».
لن أقول عن هذا «وشهد شاهد من أهلها» لأن الرئيس الوديع ونائبه بنموسى ليسوا من أهل هذه الحكومة، ولكنهم جزء من المنظومة، وليسوا معارضة تطمح لكراسي المسؤولية غدا. ولهذا اسمحوا لي أن أضيف مقتطفات من بيانهم نظرا لأهميته وأهمية مصدره الذي لا يمكن لأصحاب أخنوش أن يتهموا كتابه بالمزايدات السياسوية:
«إننا نشعر بالصدمة إزاء الصور المتداولة لأعداد غفيرة من أجيالنا اليافعة والشابة وهي تحاول مغادرة بلدها عن طريق الهجرة الجماعية المعلنة وأحيانا على حساب حياتهم، وذلك بشكل مؤلم وجارح وغير مسبوق، ينم عن فقدان أمل نهائي لديهم ولدى أسرهم المعوزة من سياسات ووعود المسؤولين. كما نشعر بالصدمة من الصمت المطبق للحكومة التي أصيبت بالشلل، بسبب عجزها عن بلورة خطاب متماسك بعد المشهد المدمر الذي قدمه للعالم مئات وآلاف الشباب الذين يحاولون عبور الحدود سباحة أو سيرا على الأقدام، وبسبب عجزها عن التعامل مع ظاهرة الشباب الذين لا يجدون عملا ولا تعليما ولا تدريبا، والذين يبلغ عددهم ما يقارب أربعة ملايين ونصف المليون يافع وشاب مغربي تتراوح أعمارهم بين 15 و34 عاما».
هذه، السيد رئيس الحكومة، هي اللوحة الحقيقية لما يجري في هذا المغرب الذي قلتم في حملتكم الانتخابية إنه يستحق «أحسن»، فإذا به ربما كان أحسن بدونكم!
وليست اللوحة هي ما رسمتموه في مؤتمر شبيبتكم بأكادير وأنتم تعلنون أننا أول دولة اجتماعية في إفريقيا!! قد يكون هذا صحيحا في شركة أفريقيا غاز التي تملكونها وليست في القارة الإفريقية. فهل لديكم نظارات ترون بها الواقع حقا كما يرسمه المحايدون والمجتمع المدني الحقيقي، وكما يعيشه الفقراء والمعوزون في قرارات أنفسهم المكسورة!!
جزء كبير من السياسيين أو أشباههم والمسؤولين غير المسؤولين هم الذين يجب أن ترفع لهم ملصقات إعلانية تقول لهم: كفى! إنكم هربتم بمقدرات الوطن وتركتم للمواطنين حب الوطن فقط لا غير! ثروة الوطن يجب أن تكون للجميع والعدالة الاجتماعية حق وليست شعارا يكتبه المساعدون للوزراء فيتلعثمون في قراءته.
هذه الفوارق المهولة تُسوِّد صورة مغرب المنجزات الموجودة. ارحمونا رجاء فقد بلغ السيل الزبى.
يقع كل هذا والعالم حولنا مزلزل، وترددات هذا الزلزال تصلنا وها هو القاتل الدموي نتنياهو ومن معه في أبشع حكومة عرفها الكيان الصهيوني يعيدون رسم خريطة الشرق الأوسط، حيث لم يكتف بالأربعين ألف قتيل في غزة، 15 ألفا منهم أطفال. ولا بمائة ألف جريح ولا بتدمير 75% من القطاع بالكامل، ولا بتجويع مليوني غزية وغزي، بل قاد عمليات اغتيال خطيرة باستكبار ويضرب اليوم لبنان الجريح بكل ما أوتي من قوة. ويغتال القادة وضمنهم الشهيد الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله الذي قاد مقاومة إسناد لغزةوفلسطين. ومهما كان موقفنا من هذا القائد الكاريزمي ومن آرائه وارتباطاته، فإن الواجب يفرض إدانة القاتل الأهوج الذي لن يتوقف اليوم، بعد أن حقق ما يعتبره إنجازات دموية مبهرة. فهل نصفق لنتنياهو الذي يرفض حل الدولتين ويحتل فلسطين فقط لأننا ضد حزب الله أو إيران أو طاجيكستان؟!
رحم الله المقاومين الذين آمنوا بقضيتهم بطريقتهم. وأعتقد أنها في جزء منها قضيتنا أيضا. وهي فلسطين وعاصمتها القدس الشريف. فهل سبق في التاريخ أن كان هناك احتلال لم يخلق مقاومة؟ بالطبع لا. ولكن الأخطر أن الذين يعتقدون أن طموح المتطرفين الإسرائيليين هو القضاء على حماس وحزب الله وإيران فقط واهمون. طموحهم أكبر وهو في توراتهم المحرفة، ويوما ما قد نقول: إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض.