على خلفية الرسالة الموجهة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الملك محمد السادس تزامنا مع تخليد الذكرى 25 لعيد العرش والتي أعلن من خلالها رسميا أن "حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية" وأن بلاده" تعتزم التحرك في انسجام مع هذا الموقف على المستويين الوطني والدولي"، قال أستاذ علم السياسة والسياسات العامة بجامعة القاضي عياض بمراكش، محمد بنطلحة الدكالي، إن "مضمون هذه الرسالة التاريخية سيكون لها ما بعدها".
وأضاف بنطلحة، في تصريح ل"الأيام 24″، إن هذا الموقف الفرنسي "يعكس تطورا بالغ الدلالة في مشروعية الموقف المغربي، كما يعكس الرؤية السديدة والدبلوماسية الحكيمة لملك البلاد، وعمق الروابط بين المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية".
وأكد بنطلحة، أن "العلاقات المغربية الفرنسية تاريخ ممتد عبر العصور، وهي ليست علاقة ظرفية عابرة،ولكنها نتيجة صداقة تعززت وتوطدت بغض النظر عن تقلبات التاريخ".
وتابع أن "هذه العلاقات شابتها تقلبات وتوترات في كثير من المحطات"، مستدركا: "لكن ثمة درس نتعلمه من هذه الأزمات أن الرغبة في علاقات أفضل وأقوى وأوضح وأمتن تظل دائما هي الأقوى دائما وأبدا".
وأوضح أنه ثمة "عبارة حكيمة" قالها فرانسوا هولاند أثناء زيارته الأخيرة للرباط في معرض تعليقه على علاقات بلاده مع المغرب، وهي أن تلك العلاقات "يجب أن تتحسن بالعمل على تجاوز سوء الفهم وتخطي هذه المرحلة الصعبة".
واعتبر بنطلحة، أن تجاوز سوء الفهم عبر عنه وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورني إلى أحد الصحف الفرنسية والتي أكد من خلالها على أن" بلاده تسعى جاهدة إلى كتابة فصل جديد في العلاقات الثنائية بين البلدين".
وأشار بنطلحة، إلى هذا التصريح اعتبره مراقبون "إشارة إيجابية تروم إحداث طفرة نوعية في نسيج العلاقات الثنائية بين البلدين، وهو تصريح يحتاج إلى أفعال حقيقية لأن على فرنسا أن تكون شجاعة في الإعلان عن قرارها النهائي حول قضية الصحراء المغربية على غرار الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسبانيا،وأيضا فتح قنصلية فرنسية في الأقاليم الجنوبية".
وأردف أن "أولى الإشارات الإيجابية من فرنسا أعلنها وزير الخارجية الفرنسي أثناء زيارته للمغرب، حيث أكد أن "هناك رابطا استثنائيا بين فرنسا والمغرب" وأضاف أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون" يريد لهذا الرابط أن يظل فريدا من نوعه ويتعمق أكثر خلال الأشهر المقبلة".
وأبرز بنطلحة، أن هذا التعمق في العلاقات بين البلدين سيوضحه بشكل جلي السفير الفرنسي في الرباط كريشوف لوكورتييه في محاضرة حول آفاق العلاقات بين المغرب وفرنسا حيث أكد أنه سيكون من" الوهم وعدم الاحترام الاعتقاد بأنه بإمكاننا بناء مستقبل مشترك مع المغرب دون توضيح موقف فرنسا من مسألة الصحراء المغربية".
ويرى بنطلحة، أن "فرنسا تعي جيدا أن المغرب حليف تقليدي ولايمكن التفريط في علاقات جيدة معه مما هيأ لبداية فصل جديد في العلاقات المغربية الفرنسية من شأنه أن يتصالح مع التاريخ والجغرافيا الحقيقين ليكون انتصارا لعمق الروابط وللمصالح العليا بين البلدين"، مبينا أن "هاته المصالح وكما تعلمنا على أيدي علماء الجيوبوليتيك والكثير منهم فرنسيون، لاتستقيم إلا على خطين متوازيين".
ولفت إلى إن هذا التحول قرين ب"البراغماتية" التي تكلم عنها رئيس الدبلوماسية الفرنسي خلال زيارته للرباط سيما وأنه تحدث عن خارطة طريق تمتد لثلاثين سنة المقبلة وقرين كذلك بمصطلح " التبصر"، حيث أكد على أنه" يجب أن نرى التحديات المقبلة بالكثير من التبصر حتى نجاري العالم الذي يتحول بسرعة".
وأضاف أت مصطلح" التبصر" يستشف منه أن فرنسا أدركت أن المغرب أصبح قوة إقليمية صاعدة والمبادرات التي أطلقها سواء في غرب إفريقيا أو بدول الساحل أو دول الأطلسي أو في علاقته المتعددة الأقطاب مع القوى العظمى تفرض ضرورة التحلي بالواقعية السياسية.
وزاد أن "التبصر لم يأت صدفة أو عبثا في سياق الكلام، وإنما إدراكا لمكانة المغرب الدولية والإقليمية اقتصاديا وسياسيا،كما أن من رجاحة العقل والواقعية السياسية الانسياق وراء نظام عسكري فاشي يقود بلاده إلى الخراب".
وخلص بنطلحة، إلى أن "الاعتراف الفرنسي الصريح والرسمي بمغربية الصحراء، واعتبار الحكم الذاتي الحل الوحيد والأوحد لحل النزاع المفتعل وهو اعتراف دولة بمايحيطه من الشكليات والضمانات، حيث إن فرنسا العضو في مجلس الأمن الدولي ستوزع مذكرة على أعضاء مجلس الأمن تعلن من خلالها لجميع الأعضاء الاعتراف بمغربية الصحراء، كما يتعين على رئيس مجلس الأمن تعميم وثيقة الاعتراف الفرنسية بمغربية الصحراء على جميع الأعضاء الدائمين وغير الدائمين بما فيهم الجزائر، وسيصبح قرارا واعترافا رسميا من دولة في قضية معروضة على مجلس الأمن".
يذكر أنه في محاولة للضغط على فرنسا بعد قرارها دعم مقترح الحكم الذاتي للصحراء تحت السيادة المغربية، أعلنت الجزائر "سحب سفيرها لدى فرنسا سعيد موسى بأثر فوري"، لتؤكد الجارة الشرقية مرة أخرى، أنها طرف رئيسي في ملف الصحراء المغربية رغم نفيها ذلك في أكثر من مناسبة.
وجاء في بيان لوزارة الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج الجزائرية، أن "الحكومة الفرنسية أقدمت على إعلان تأييدها القطعي والصريح للواقع الاستعماري المفروض فرضا في إقليم الصحراء الغربية"، على حد زعم البيان.
واعتبر البيان، أن "هذه الخطوة التي لم تقدم عليها أي حكومة فرنسية سابقة قد تمت من قبل الحكومة الحالية. باستخفاف واستهتار كبيرين دون أي تقييم متبصر للعواقب التي تنجر عنها".
وأضاف البيان، أن الحكومة الجزائرية قررت سحب سفيرها لدى الجمهورية الفرنسية بأثر فوري. على أن يتولى مسؤولية التمثيل الدبلوماسي الجزائري في فرنسا من الآن فصاعدا قائم بالأعمال.
هذا، وذكر بلاغ للديوان الملكي، الثلاثاء، أنه في رسالة موجهة إلى الملك محمد السادس، أعلن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون رسميا، أنه "يعتبر أن حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية".
وفي الرسالة ذاتها، والتي تتزامن مع تخليد الذكرى ال 25 لعيد العرش، أكد رئيس الجمهورية الفرنسية للملك "ثبات الموقف الفرنسي حول هذه القضية المرتبطة بالأمن القومي للمملكة"، وأن بلاده "تعتزم التحرك في انسجام مع هذا الموقف على المستويين الوطني والدولي".
وتحقيقا لهذه الغاية، شدد الرئيس إيمانويل ماكرون على أنه "بالنسبة لفرنسا، فإن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يعد الإطار الذي يجب من خلاله حل هذه القضية. وإن دعمنا لمخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب في 2007 واضح وثابت"، مضيفا أن هذا المخطط "يشكل، من الآن فصاعدا، الأساس الوحيد للتوصل إلى حل سياسي، عادل، مستدام، ومتفاوض بشأنه، طبقا لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ".
وبخصوص مخطط الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، يرى رئيس الدولة الفرنسية أن "توافقا دوليا يتبلور اليوم ويتسع نطاقه أكثر فأكثر"، مؤكدا أن "فرنسا تضطلع بدورها كاملا في جميع الهيئات المعنية"، وخاصة من خلال دعم بلاده لجهود الأمين العام للأمم المتحدة ولمبعوثه الشخصي.
وشدد الرئيس ماكرون في رسالته قائلا: "حان الوقت للمضي قدما. وأشجع، إذن، جميع الأطراف على الاجتماع من أجل تسوية سياسية، التي هي في المتناول". من جهة أخرى، وبعدما نوه بجهود المغرب من أجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الصحراء المغربية، أعرب رئيس الجمهورية الفرنسية عن التزامه بأن "تواكب فرنسا المغرب في هذه الخطوات لفائدة الساكنة المحلية".
ويشكل إعلان الجمهورية الفرنسية، العضو الدائم بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، تطورا هاما وبالغ الدلالة في دعم السيادة المغربية على الصحراء. ويندرج في إطار الدينامية التي يقودها الملك محمد السادس، وتنخرط فيها العديد من البلدان في مختلف مناطق العالم، لفائدة الوحدة الترابية للمغرب ولمخطط الحكم الذاتي كإطار حصري لتسوية هذا النزاع الإقليمي.