العالم الآخر يواصل مؤامراته الفاشلة لاستنبات الانفصال في المغرب العربي    استقرار الدرهم أمام الأورو وتراجعه أمام الدولار مع تعزيز الاحتياطيات وضخ السيولة    طنجة.. ندوة تناقش قضية الوحدة الترابية بعيون صحراوية    ارتفاع رقم معاملات السلطة المينائية طنجة المتوسط لأزيد من 3 مليار درهم    السلطات البلجيكية ترحل عشرات المهاجرين إلى المغرب    الدفاع الحسني يهزم المحمدية برباعية    وفاة رجل أعمال بقطاع النسيج بطنجة في حادث مأساوي خلال رحلة صيد بإقليم شفشاون    فيضانات إسبانيا.. سفيرة المغرب في مدريد: تضامن المغرب يعكس روح التعاون التي تميز العلاقات بين البلدين    أزمة ثقة أم قرار متسرع؟.. جدل حول تغيير حارس اتحاد طنجة ريان أزواغ    جماهري يكتب: الجزائر... تحتضن أعوانها في انفصال الريف المفصولين عن الريف.. ينتهي الاستعمار ولا تنتهي الخيانة    أسطول "لارام" يتعزز بطائرة جديدة    موتمر كوب29… المغرب يبصم على مشاركة متميزة    استفادة أزيد من 200 شخص من خدمات قافلة طبية متعددة التخصصات    إعطاء انطلاقة خدمات 5 مراكز صحية بجهة الداخلة وادي الذهب    حزب الله يطلق صواريخ ومسيّرات على إسرائيل وبوريل يدعو من لبنان لوقف النار    جرسيف.. الاستقلاليون يعقدون الدورة العادية للمجلس الإقليمي برئاسة عزيز هيلالي    دعوات لإحياء اليوم العالمي للتضامن مع الفلسطينيين بالمدارس والجامعات والتصدي للتطبيع التربوي    ابن الريف وأستاذ العلاقات الدولية "الصديقي" يعلق حول محاولة الجزائر أكل الثوم بفم الريفيين    توقيف شاب بالخميسات بتهمة السكر العلني وتهديد حياة المواطنين    بعد عودته من معسكر "الأسود".. أنشيلوتي: إبراهيم دياز في حالة غير عادية    مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات.. تل أبيب تندد وتصف العملية ب"الإرهابية"    الكويت: تكريم معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية كأفضل جهة قرآنية بالعالم الإسلامي    هزة أرضية تضرب الحسيمة    المضامين الرئيسية لاتفاق "كوب 29"    ترامب الابن يشارك في تشكيل أكثر الحكومات الأمريكية إثارة للجدل    ارتفاع حصيلة الحرب في قطاع غزة    شبكة مغربية موريتانية لمراكز الدراسات    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    خيي أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    مواقف زياش من القضية الفلسطينية تثير الجدل في هولندا    بعد الساكنة.. المغرب يطلق الإحصاء الشامل للماشية    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد        نادي عمل بلقصيري يفك ارتباطه بالمدرب عثمان الذهبي بالتراضي    مدرب كريستال بالاس يكشف مستجدات الحالة الصحية لشادي رياض    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    ما هو القاسم المشترك بيننا نحن المغاربة؟ هل هو الوطن أم الدين؟ طبعا المشترك بيننا هو الوطن..    ثلاثة من أبناء أشهر رجال الأعمال البارزين في المغرب قيد الاعتقال بتهمة العنف والاعتداء والاغتصاب    موسكو تورد 222 ألف طن من القمح إلى الأسواق المغربية        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    مظلات ومفاتيح وحيوانات.. شرطة طوكيو تتجند للعثور على المفقودات    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عمالقة مثليون ... غيروا العالم عبر المغرب
نشر في الأيام 24 يوم 03 - 11 - 2014

قد يعتبرها البعض مجرد محاولة ساذجة للإثارة، وقد يعتبرها آخرون تشجيعا على الانحلال واحتفاء ب (الشذوذ)
بين القراءتين، لا يهمنا بالمطلق أي حكم قيمة، لأن فكرة الموضوع أساسا تطمح ببساطة إلى تقديم لقاح ممكن، ضد كل النعوت والأحكام الجاهزة والتأويلات المتجاوزة.
مثليون جنسيا، استقروا على هذه الأرض...
أقاموا في المغرب وعاشوا به خلال سنوات طويلة كان الغرب فيها يمارس أقسى أنواع النفاق والقسوة التي نمارسها نحن اليوم، ضد كل الذين لا يشبهون تصوراتنا للوجود
أدباء، مثقفون، رسامون، مصورون، شعراء، موسيقيون... كثيرون استنجدوا بالمغرب، أساسا بمدينة طنجة، وحولوها إلى مهد لثقافة جديدة متمردة، وحركة ثقافية ثورية غيرت الكثير من مفاهيم الناس للاختلاف، وأثرت في الكثير من تفاصيل الثورة الأدبية والثقافية التي عاشها العالم، وأعلنت ميلاد حركات كبرى من قبيل ال(Beat Generation) والهيبي وال (punk) ...
أسماء كبيرة، أعلنت ولادتها ونضجت في المغرب، وقدمت للعالم روائع أدبية وفنية أسست لحركات ثقافية ثورية، وتأثرت بالمغرب، وأثرت في الكثير من ملامح تطوره الثقافي.
أسماء كبيرة، وحدتها المثلية الجنسية في الكثير من محطاتها وعناوينها... لكنها وهذا الأهم كتبت تاريخا آخر للمغرب، وقدمت صورا مغايرة للصور النمطية التي ظلت تلاحقنا على امتداد قرون.
حكايات كثيرة، اخترنا بعضها فقط لتقديم المثال... وليس لأنها الأكثر أهمية.


على امتداد قرون طويلة، ظل الشرق منبعا للكثير من «الكليشيهات» والصور النمطية المتعلقة بالجنس، سواء تعلق الأمر بسحر النساء والخيالات الكاذبة التي تم الترويج لها بخصوص «الحريم» والمتعة اليومية الدائمة والشاذة في أحيان كثيرة، أو تعلق الأمر بالمثلية الجنسية، بفضاءاتها وصورها وطرق ممارستها.
على امتداد القرن الثامن عشر، روج الكثير من الرحالة والكتاب الغربيين لصور لم تكن دقيقة بالمرة، جعلوا من خلالها كل أراضي الشرق، وشمال إفريقيا، جنة للذة التي لا تدرك في الغرب.
منذ القرن التاسع عشر، وإلى بدايات القرن العشرين، أصبحت أرض شمال إفريقيا والشرق الأوسط الوجهة المفضلة والوحيدة لعدد كبير من الكتاب والفنانين والمثقفين الأوربيين.
كان الأمر يتعلق في أحيان كثيرة برغبة سكنت كل هؤلاء، ودفعتهم للتعرف عن قرب على ثقافة الشرق الجنسية، واكتشاف المتعة التي تتيحها هذه البلاد.
كثيرون تركوا الغرب، وهاجروا في اتجاه شمال إفريقيا، خصوصا منذ سنة 1830، تاريخ احتلال الجزائر، التي أصبحت وجهة لعدد من الأغنياء المثليين جنسيا.
بعدها، وفي سنة 1920، سيصبح المغرب، المحتل من طرف فرنسا وإسبانيا، الوجهة الأولى للمثليين جنسيا.
حينها، كانت مدينة طنجة تتمتع بشهرة عالمية بالنسبة للمثليين جنسيا، لتمتعها بالوضعية الدولية التي ساهمت في وجود هامش حرية أكبر، سواء تعلق الأمر بأنشطة الدعارة، أو اللقاءات العابرة أو المستقرة بين المثليين.
... مع بدايات 1950، ستزداد شهرة مدينة طنجة، وسيتم اعتبارها من طرف الكثيرين أول مركز للمثلية الجنسية في العالم. ومنذ 1950، وإلى حدود 1980، سيستقر العديد من المثليين جنسيا الأغنياء، من أمريكا وأوربا، في مدينة طنجة، أو... سيحولونها إلى وجهة سياحية مفضلة يقصدونها أكثر من مرة في السنة الواحدة.

شمال إفريقيا:
أسماء وحكايات في ذاكرة الزمن

... من شمال إفريقيا، مر كثيرون، واستقر كثيرون
«أندري جيد»، ويليم فون غولدن»، «أوسكار وايلد»، «ويليام بوروغس»، «بول بولز»، «جان جونيه»، «ترومان كابوت»، «ألن غنسبرغ»، «جون أورتن»...
أسماء كثيرة جعلت من شمال إفريقيا وجهتها، وفي أحيان كثيرة مستقرها، وجعلت من مدينة طنجة عاصمة للقاءات من نوع خاص، لحياة من نوع خاص.
كانت طنجة في النهاية، بالنسبة للكثيرين منهم، مزارا رئيسيا، وملاذا آمنا بعيدا عن ثقافة الغرب التي لم تكن متسامحة بالمرة مع موضوع المثلية الجنسية في ذلك الزمن.
في طنجة، كان كل شيء مباحا. كان الكثير من السياح كما تذكر بعض المراجع، عندما يقصدون فنادق المدينة، يطلبون بكل بساطة (bed and boy)... أي سريرا، وفتى. لكن...
«الحرية» في طنجة كان لها وجه آخر غير الذي تبدو به في كثير من الكتابات والإبداعات الفنية والأدبية. كان لها وجه قبيح في النهاية، يقرن المتعة بالمال، واللذة باستغلال الأطفال.
«هانس إبنستاين»، أحد مؤسسي ما يعرف بسياحة المثلية الجنسية في العالم، وصف الحالة التي كانت عليها طنجة خلال تلك السنوات، ووصف بعضا من دور الدعارة المعدة للمثلية الجنسية:
«فتيان. هناك كثير من الفتيان، بعضهم يقل عمرهم عن 13 سنة، اضطرتهم ظروفهم الأسرية إلى اللجوء لدور الدعارة الذكورية.
يتم استغلالهم بشكل بشع، ويعيشون بشكل فردي أو مزدوج، في حجرات صغيرة بلا نوافذ، تشبه الزنازين أو أقفاص الحيوانات، أو في ممرات المنزل أو على السطح، في مساحة ضيقة لا تسمح بغير سرير.
كانوا في غاية الإثارة واللذة. كانوا جميلين كجراء صغيرة، في غاية النظافة، وأيضا بأعضاء تناسلية جد هائلة كما قيل وكما عُرف عنهم دائما، وبشعر عانة محلوق بخفة وعناية».
... كما كل السياح المثليين، يعتبر «هانس إبنستاين» السياحة الجنسية المثلية، «فاعلا إيجابيا» و»منقذا اقتصاديا واجتماعيا» للعديد من الأشخاص (الحديث هنا عن الذكور أساسا).
أكثر من ذلك، يقول «هانس إبنستاين» إنه خلال أول زيارة له إلى طنجة سنة 1959، أقام في «منزل ضيافة» كان يقيم فيه كل من الفنان التشكيلي «أحمد اليعقوبي» و» بول بولز» (هذه حكاية سنقدمها لاحقا)، و المصور الفوتوغرافي «موريس غروسر».

طنجة...
صور نمطية و حلم المثقفين

... في ذلك الزمن البعيد، لم تكن هناك وسائل كثيرة كما اليوم، للترويج للسياحة المثلية، لكن التركيز حينها على المقالات الصحافية والصور الفوتوغرافية التي نشرها كثيرون على صفحات أكبر الجرائد الأمريكية والأوربية، كان الوسيلة الأهم في منح طنجة شهرة دولية، وجعلها تتحول خلال سنوات الخمسينيات، كما يقول «هانس إبنستاين» دائما، إلى: (La Mecque pour les homosexuels d›Europe et d›Amérique du Nord). ... شهرة طنجة استمرت على هذا الحال، إلى حدود أواسط سنوات الثمانينيات، حيث ستختلف الأمور نسبيا، وستظهر مدن جديدة، وعواصم جديدة للمثلية الجنسية، وستتغير نسبيا النظرة إلى المغرب عموما، وطنجة خصوصا بكونها «مكانا» للمغامرات الجنسية السهلة، حيث سنقرأ مثلا، في «دليل عالمي للسياحة المثلية» ما يلي:
«المغرب أصبح شيئا آخر غير الجنة بالنسبة لعشاق ومحبي الذكور العرب».
كتاب ورحالة و»مستشرقون»وفنانون ومصورون...
كثيرون هم الذين رسخوا في المتخيل الغربي صورة «الجنة الجنسية»، و»قبلة المثلية الجنسية» في شمال إفريقيا منذ قرون بعيدة، غير أن أهم عناوين هذا التوجه خلال بدايات القرن التاسع عشر كانت هي كتابات الفرنسي أندري جيد (André Gide)، الذي كان من عشاق تونس والجزائر أساسا، والذي كانت كتاباته ترقى في الكثير منها إلى ما يمكن أن نعتبره كتابات بورنوغرافية وإباحية تحتفي بالجنس، وبالفتيان والقاصرين.
خلال هذه الفترة، ستتحول أراضي شمال إفريقيا إلى وجهة أساسية للسياحة الجنسية، لكنها ستظل مقترنة بالأساس بنوع خاص من السياح، هم كبار الأغنياء، قبل أن تتطور الأمور في ما بعد، لتصبح مدينة طنجة خصوصا العنوان الرئيسي لسياحة (وإقامة) المثلية الجنسية.
كانت البداية في سنوات الخمسينيات، حين وصل إلى طنجة مثقفون كبار ... ومن نوع خاص، كان على رأسهم:
الكاتب الأمريكي «بول بولز» (Paul Bowles)، الذي قضى معظم حياته في المغرب
كتاب وفنانو حركة ال (Beat Generation) الأمريكيون
... بعدها، وفي سنوات الستينيات، وبسبب حركة «الهيبي» أساسا، سيتحول المغرب إلى وجهة للسياحة الجنسية، والمثلية خصوصا، لكن هذه المرة، سيتعلق الأمر بسياحة لا تقف عند خصوصية الأغنياء أو الطبقات الوسطى، ولكن إلى سياحة الجماهير (tourisme de masse).
من الكتاب والمثقفين إلى الباحثين عن المتعة، إلى ممارسي البيدوفيليا، تحولت كثير من ملامح المثلية الجنسية بالمغرب، واختلط فيها الفقر بالمال، والجنس بالشذوذ، وظلت حكايات البعض فقط تشهد على تاريخ طويل لا يمكن إنكاره.
حكايات كثيرة، اخترنا هنا أن نقدم بعض أهم عناوينها، وبعض أهم أسمائها


"بول بولز" و "جان أوير" زوجان في طنجة

... ولد «بول بولز» في 13 دجنبر 1910، بمدينة نيويورك الأمريكية، وتابع دراسته هناك، قبل أن تتضح ميوله القوية نحو الموسيقى.
بول بولز، وقبل أن يشتهر ككاتب، كان طموحه الأساسي هو الموسيقى. ولأجل ذلك، سيظل على امتداد سنين مرتبطا بالملحن الأمريكي المثلي جنسيا «أرون كوبلاند» (Aaron Copland)، الذي كان بالنسبة لبولز أكثر من مجرد معلم موسيقى، وسافر معه إلى أوربا.
بعد نهاية دراسته للموسيقى، سيؤلف بول بولز عددا من المقطوعات الموسيقية التي مازالت تعتبر من الريبرتوار العالمي إلى حدود اليوم، قبل أن يتحول خلال سنوات الثلاثينيات والأربعينيات إلى تأليف موسيقى الأفلام وموسيقى الأعمال المسرحية.
بعد الحرب، سيؤلف بولز موسيقى خاصة للدراماتورج المثلي جنسيا «تينيسي ويليامز».
إلى غاية الخامسة والثلاثين من عمره، كان اهتمام بول بالموسيقى أكثر من اهتمامه بالكتابة، غير أن شهرته ككاتب ستنسي الكثيرين أن الرجل كان موسيقيا في الأصل، خصوصا أولئك الذين لم يكتشفوا بول بولز إلا خلال سنة 1990، أي بعد أن حول «برناردو برتولوتشي» روايته الشهيرة «شاي في الصحراء» إلى فيلم سينمائي.
... ابتداء من سنة 1931، سيقضي «بول بولز» أغلب وقته خارج الولايات المتحدة الأمريكية، في المكسيك وعدد من مناطق أمريكا الجنوبية، قبل أن تحمله رحلته الطويلة في اتجاه مدينة طنجة... التي توفي بها.
كانت طنجة حينها مقصدا ومقاما لعدد من الكتاب المشاكسين، وعدد من المثقفين الأمريكيين والأوربيين... من نوع خاص. كان للوضع الدولي الذي توجد فيه مدينة طنجة حينها تأثير كبير على سهولة العيش، وعلى إمكانية ممارسة كل شيء، دون وجود رقابة قوية، أو سلطة للردع، وكان ذلك بالنسبة للمثليين جنسيا أهم ما يمكن أن يطلبوه، خصوصا أن أجر إقامة علاقات جنسية مع فتيان ذكور هنا كان بسيطا للغاية، سيما بالنسبة للذين يدفعون بالدولار الأمريكي.
... قبل ذلك، وفي سنة 1937، عندما كان بول بولز موسيقيا أكثر منه كاتبا، تعرف في نيويورك على الكاتبة الأمريكية الشهيرة حينها «جان أوير» (Jane Auer).
جان... لم تكن قبل ذلك قد أقامت أية علاقة عاطفية أو جنسية مع الذكور. كانت كل علاقاتها مع النساء فقط، عكس بول بولز، الذي كان موزعا في علاقاته بين الرجال والنساء.
في سنة 1938، وفي خطوة فاجأت الكثيرين، سيعلن الطرفان... زواجهما.
كثير من المراجع التي تترصد علاقة بولز بجان تعتبر أن الأمر في النهاية كان أشبه بعلاقة «تواطؤ» بين الطرفين:
كان الأمر في النهاية وسيلة لجأ لها الطرفان لتحقيق ذات الهدف: بول بولز كي يبعد عنه كل النساء الراغبات في التقرب منه وربط علاقات معه، وجان... كي تبعد عنها كل الذكور الذين يحومون حولها.
«الزوجان»... سيختاران منذ البداية أن يغيرا مكان إقامتهما أكثر من مرة، وسيظل الأمر كذلك إلى غاية 1948، حين ستتحول مدينة طنجة إلى إقامتهما الدائمة عمليا.
... في طنجة، ستتعرف (Jane Auer) على سيدة ريفية ذكورية السلوك والطباع، وستقع في غرامها، وسترتبط معها بعلاقة عاصفة، كان عنوانها الأساسي حب التملك الذي يسكن عشيقة جان، وطباعها القوية.
كانت امرأة اسمها «شريفة»، تعرفت عليها جان في «سوق تشيكو» الذي كانت (شريفة) تبيع فيه الحبوب والذرة، قبل أن يرتبطا عاطفيا، وقبل أن تحول شريفة حياة جان إلى جحيم، سيقودها نحو المرض النفسي...
في المقابل، بدأ بول بولز حينها في إقامة علاقات عديدة وعابرة، مع عدد من شباب المدينة، قبل أن تتقوى علاقته بالفنان التشكيلي «أحمد اليعقوبي».
في طنجة، وبالضبط خلال رحلة قصيرة سيقوم بها بول بولز إلى فاس، وخلال إقامته بقصر الجامعي... ومن خلال استلهام عدد من تفاصيل حياته وحياة «زوجته» جان، سيكتب الموسيقي بول بول روايته الشهيرة (The sheltering sky)، التي ترجمت إلى «شاي في الصحراء»، ولتحدث المفاجأة...
خارج كل التوقعات، تحولت الرواية حينها إلى (best-sellers) وحققت أرقام مبيعات غير منتظرة عبر كل مناطق العالم، لتعلن حينها عن أهم تحول في حياة الموسيقي بول بولز، خصوصا بعد أن تحولت الرواية نفسها إلى عنوان أساسي تشيد به وتنتصر له حركة ال (Beat Generation)، ليتحول «البورجوازي» بول بولز حينها إلى «رمز» من رموز الحركة المتمردة والثورة الأدبية والوجودية.
على الرغم من اهتمامه بالموسيقى والتأليف الموسيقي، إلا أن بول بولز خلال هذه الفترة سيصبح أكثر اهتماما بالكتابة والترجمة، وسيعمل على نشر عدد من الحكايات والقصص التي سيرويها له شباب تعرف عليهم بطنجة، من قبيل محمد المرابط، ومحمد شكري...
... في المقابل، ومنذ سنة 1957، ستتعرض «زوجة» بول بولز (Jane Auer) لمشاكل نفسية حادة ومزمنة، ستنتهي بنقلها إلى مستشفى للأمراض النفسية بمدينة «مالغا» الإسبانية سنة 1969، قبل أن يتم إعلان وفاتها سنة 1973.
قبل ذلك بكثير، وفي سنة 1948، سيتعرف بول بولز على الفنان التشكيلي المغربي أحمد اليعقوبي، وسيرتبط الطرفان بعلاقة جد قوية، حيث سيذهبا في رحلة / مغامرة إلى صحراء الجزائر، قبل أن يرافق أحمد اليعقوبي بول بولز إلى أمريكا وآسيا حين قرر بولز شراء جزيرة (Taprobane).
بعدها، ستنتهي علاقة بول بولز بأحمد اليعقوبي، الذي سيرتبط حينها بالشاعر والكاتب البريطاني الكندي «بريون غيسن» (Brion Gysin)، قبل أن يتزوج (أحمد اليعقوبي) من شابة أمريكية في السبعينيات، لينتقل للعيش معها بالولايات المتحدة، إلى أن توفي بها سنة 1985.
منذ وفاة زوجته جان، سيعيش بول بولز في طنجة، وسيقضي بها كل حياته، ليتحول إلى واحد من أهم علاماتها الثقافية.
منذ 1973، ارتبطت كل حياة بول بولز بطنجة. ففي 17 يوينيو 1979، ستأتي مجموعة (Rolling Stones) الشهيرة إلى طنجة، بهدف تسجيل شريط غنائي مع مجموعة موسيقية ريفية اكتشفها بول بولز.
في غشت 1989، سيكون بول بولز حاضرا في واحد من أهم الاحتفالات التي شهدتها مدينة طنجة، حين قرر الملياردير الأمريكي الشهير (Malcom Forbes) الاحتفال بعيد ميلاده السبعين في مقر إقامته التاريخية بمدينة طنجة، المعروفة ب «قصر المندوب»، والذي حضره أزيد من 800 مدعو، كان من بينهم بول بولز، وإيليزابيت تايلور... وولي عهد المملكة المغربية حينها.
هذا الحفل وفر فرصة عمل لأزيد من 600 شخص من المنطقة، وعرف مشاركة أزيد من 300 شخص من الخيالة، وقدرت تكاليفه الرسمية بمبلغ 2.500.000 دولار.
... في 18 نونبر 1999، وعن عمر 88 سنة، سيتم الإعلان عن وفاة بول بولز داخل غرفة بالمستشفى الإيطالي بطنجة، ليتم نقل جثمانه بعدها إلى نيويورك، حيث، تطبيقا لوصيته، سيتم حرقها (crémation) بال (Campell Funeral Home) بمانهاتن...
في 14 فبراير 2000، سيتم تشييد نصب تذكاري لبول بولز في قصر مرشان بطنجة وفي نونبر 2000... سيتم دفن رماد بول بولز في مقبرة (Lakemont) الصغيرة بنيويورك.


ويليام بوروغس: ساكن طنجة الملغز

... ويليام بوروغس (William Burroughs) هو ابن عائلة ميسورة تنتمي للبورجوازية الأمريكية.
في البداية، كان الرجل مجرد شخص عادي، بلا تاريخ يذكر. حصل على شهادته الجامعية سنة 1963، لينتقل لدراسة الطب في فيينا، قبل أن يعود إلى نيويورك، وقبل أن تقوده ظروف الحرب العظمى الثانية إلى التنقل عبر عدد من المهن، من المخبر الخاص إلى رجل إعلانات... قبل أن يقرر سنة 1942 محاولة الالتحاق بسلاح البحرية الأمريكية، غير أنه لم يقبل فيه.
بعدها، سيدخل ويليام، دائرة صداقات وعلاقات مع عدد من كتاب ومثقفي المرحلة، ليدخل بالتالي دائرة المخدرات والمورفين والأفيون في ما بعد... ثم الكوكايين في مرحلة لاحقة.
في البداية، سيدخل ويليام في علاقة صداقة مع الشاعر المثلي جنسيا «ألن غنسبرغ» (Allen Ginsberg) الذي سيعرفه في ما بعد، وبالضبط سنة 1944، على الكاتب الشهير «جاك كرواك» (Jack Kerouak).
ويليام وجاك... سيرتبطان ببعضهما البعض بشكل حميمي، وسيعملان على خلق حركة فنية وأدبية تتأسس على رفض ال (American Way of Life) التي هيمنت على الساحة الثقافية حينها، وسيشكلان معا بداية ال (Beat Generation) المتمردة، التي ستؤثر بدورها في ما بعد على ظهور حركة «الهيبي» أولا ثم على ال (punk) في ما بعد.
تزوج ويليام بوروغس مرة أولى، غير أن الزواج لم يدم طويلا، لينفصل عن زوجته، قبل أن يعقد قرانه مرة ثانية على (Joan Vollmer Adams) سنة 1946، وهي نفس السنة التي تعرف فيها الكاتب على المورفين وأدمنه قبل أن يدمن الهيروين.
... في أحد مساءات سنة 1953، وبالعاصمة المكسيكية التي لجأ إليها هربا من متابعات الشرطة في نيويورك، سيضع كأس نبيذ على رأس زوجته، في محاكاة ل «ويليام تيل»، وسيطلق الرصاص نحو الكأس، لتسقط زوجته ميتة على الفور، ولتتم متابعته بالقتل غير العمد، ليفر من المكسيك...
بعد ذلك ، سيعترف أو يتعرف بوروغس على مثليته الجنسية، معتبرا أن زوجته «جوان»، هي المرأة الوحيدة التي ربط معها علاقة فعلية، وليقرر في نفس اللحظة، في سنة 1953... الهجرة نحو المغرب.
سيتجه ويليام بوروغس إلى المغرب... إلى طنجة بالضبط، ليستقر بها في (Villa Muniria) التي كانت في ملكية أحد البلجيكيين وأيضا في ملكية (Paul Lund) أحد رجال عصابات برمنغهام.
في طنجة، ستستمر حياة ويليام العابثة والفوضوية، لدرجة أن بول بولز نفسه يحكي كيف حول ويليام أحد جدران البيت إلى ما يشبه هدف التصويب بالمسدس، وإلى ما يشبه المصفاة من شدة الثقوب التي كانت توجد به، في نفس الوقت الذي كان فيه جدار آخر مملوءا عن آخره بالرسوم والصور التي التقطها ويليام خلال رحلاته.
كان (William Burroughs) يعيش في حالة فوضى دائمة بمقر إقامته بطنجة، نظرا لإدمانه الشديد للمخدرات، لكنه في الوقت نفسه، نجح في الحفاظ على توازن نفسي غريب، ما جعله في سنة 1955 يقطع مع حياته السابقة، وينتقل للسكن ببيت في داخل المدينة القديمة لطنجة، قضى شهره الأول فيه ممددا على السرير، دون حركة... قبل أن ينطلق مباشرة بعدها، في رحلة إلى لندن لتلقي العلاج من الإدمان، ليعود إلى طنجة سنة 1956، وقد عولج نهائيا من كل آثار المخدرات، ليبدأ حينها في الكتابة...
في سنة 1957، سيستقبل ويليام بطنجة صديقه «جاك كرواك»، الذي وجد نفسه في بيت ويليام محاطا بآلاف الأوراق المتناثرة في كل الغرف. حين جمع «كرواك» تلك الأوراق ورتبها، اكتشف فقط أنها مشروع الرواية التي ستنشر في ما بعد تحت عنوان (Naked Lunch) أو (Le Festin nu).
... في هذه الرواية، التي يقول جاك كرواك نفسه إنه حين قرأها لم يستطع النوم بسهولة على امتداد زمن طويل، اختار ويليام بوروغس أن يحكي كثيرا من تفاصيل حياته، وحياة طنجة، وخصوصا ما يتعلق بتفاصيل يومياته مع المثلية الجنسية ودعارة الذكور...
الرواية ترتكز أساسا على تجربة ثلاثية الأبعاد، هي تجربة المخدرات وعلاج الإدمان، تجربة المثلية الجنسية وتفاصيلها، وتجربة المنفى أو الهجرة.
في النهاية، ظل الجنس في الرواية نقطة الانطلاق في كل اكتشافات ويليام، بدءا بنظرية الحرية الجنسية، التي ستشكل الأساس النظري لكثير من النظريات الأدبية في ما بعد...


جون جونيه: لص ... سرقته العرائش

... هو ابن السيدة غابرييل جونيه، مجهول الأب.
مباشرة بعد ولادته، سيتم تسليمه لمصالح المساعدة الاجتماعية التي ستسلمه لأسرة تتكفل به، ليبدأ حياته في ظروف جد بسيطة وعادية، بين المدرسة ولعب الأطفال والكنيسة التي سيصبح فيها «صبي مذبح» (enfant de chœur).
في سن العاشرة ، سيقوم جون جونيه بأول عملية سرقة في حياته، وهي العملية التي ستؤثر كثيرا على شخصيته وسلوكه. جونيه حول معنى السرقة التي قام بها، وأعطاها مرادفات نبيلة وعميقة ضد الثقافة السائدة وضد المجتمع.
في هذه اللحظات بالضبط، سيبدأ جوني في فهم طبيعته، واكتشاف ميولاته الجنسية،خصوصا تجاه الذكور البالغين، الذكور الوسيمين، والبحارة المهمشين.
غادر جون جونيه بيت الأسرة التي تربى في أحضانها، وحاول تعلم مهنة الطباعة، غير أن هذه المرحلة لم تستمر طويلا، إذ سرعان ما سيتم طرده، بعد اتهامه بالسرقة من جديد، ليتحول إلى «طفل شوارع» بدون بيت قار ولا سكن، ليتم توقيفه بسجن أحداث في «متري». هناك سيطلق جونيه العنان لكل شهواته الجنسية، وسيكتشف عوالم الهيمنة والخضوع... عوالم العنف والقسوة.
سنة 1928، وفي ال 18 من العمر، سيلتحق جون جونيه بالفيلق الأجنبي (Légion étrangère)، وسيكتشف لأول مرة شمال إفريقيا. افتتن جون جونيه بالمغرب وبكل المنطقة، ووقف على مدى القهر الذي يعيشه الناس تحت الاستعمار الفرنسي، وافتتن أيضا بالمغامرات العاطفية والجنسية هناك.
بعدها، سيعود جونيه من جديد إلى باريس، حيث سيعيش على السرقة، خصوصا من داخل المكتبات ومحلات التحف، وسيجعله ذلك نزيلا متنقلا بين عدد كبير من السجون، ليبدأ في كتابة المسودة الأولى لأول رواياته وأشعاره.
على نفقته الخاصة، سينشر جون جونيه أول أعماله، التي ستثير اهتمام وإعجاب كل من «جون كوكتو» و... «جون بول سارتر»، اللذين سيدافعان عنه بشراسة في ما بعد، حين واجه عقوبة السجن مدى الحياة، عقب إقدامه على سرقة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.