خلافا للتوقعات، مُني حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بهزيمة قاسية، بعد أن عمل تحالف اليسار المجتمع تحت راية "الجبهة الشعبية الجديدة"، وكتلة "معا" للرئيس إيمانويل ماكرون على خلق تصويت مضاد لصعود اليمين المتطرف للسلطة، بين الجولتين الأولى والثانية من الانتخابات.
لكن رغم نجاح الجبهة الشعبية الجديدة اليسارية وكتلة المعسكر الرئاسي "معا"، في كبح فوز اليمين المتطرف بأكبر عدد من المقاعد، فإنهما لم يستطيعا الظفر بالأغلبية للوصول إلى الأغلبية المطلقة البالغة 289 نائبا، لتشكيل الحكومة الفرنسية الجديدة، مما يفتح الباب أمام تحالفات جديدة في المشهد السياسي الفرنسي.
ووفقا للنتائج النهائية للانتخابات التي نشرتها وزارة الداخلية اليوم الاثنين، تصدرت "الجبهة الشعبية الجديدة"، نتائج الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية المبكرة ب 182 مقعدا في الجمعية الوطنية الفرنسية، فيما حصل المعسكر الرئاسي على 168 مقعدا، بينما حصل التجمع الوطني (أقصى اليمين) وحلفاؤه على 143 مقعدا.
وبخصوص سيناريوهات تشكيل الحكومة الفرنسية المقبلة، يرى عضو مجلس الجالية المغربية بالخارج ونائب عمدة ضاحية باريس سابقا عمر المرابط، أنه رغم تصدر "الجبهة الشعبية الجديدة" اليسارية، فإنها بعيدة كل البعد عن الأغلبية المطلقة المحددة في 289 مقعدا برلمانيا.
وأضاف المرابط، في تصريح ل"الأيام 24″، أنه "من حق اليسار إذا ظل موحدا أن يُسمِيَ مرشحا له لرئاسة الوزراء، وهنا سيضطر الرئيس ماكرون لتسمية رئيس الوزراء من اليسار"، مستدركا: "لكن هذا الأمر سيكون صعبا جدا".
وتابع أن "الرئيس ماكرون في مناوراته سيحاول كسر تحالف اليسار، في أفق تشكيل تحالف جديد في الوسط"، مبينا أن التحالف الجديد الذي يسعى إليه ماكرون هو "تحالف يُقصي اليمين الفرنسي المتطرف، وكذلك حزب فرنسا الأبية، بغية تسمية وزير أول توافقي يمكن أن يتفق عليه بين أحزاب الوسط".
ولفت المرابط، إلى أن ماكرون قد يضطر إلى تسمية وزير أول من اليسار إذا بقيت الجبهة الشعبية الجديدة موحدة، واستطاع اليسار تسمية شخصية تحصل على موافقة بعض النواب خارج الجبهة الشعبية الجديدة، وبالتالي ترفع عدد نوابها البرلمانيين، مردفا: "هنا قد يحكم بأغلبية نسبية كما فعل ذلك ماكرون منذ سنتين".
وعن دلالات تصدر تحالف اليسار للجولة الثانية من الانتخابات التشريعية، مقابل إخفاق تحالف اليمين المتطرف في الحصول على الأغلبية، اعتبر المرابط، أن تنازل كل من تحالف اليسار وتحالف الأغلبية الرئاسية سابقا، عن بعض الدوائر التي حل فيها مرشحهم في المرتبة الثالثة، أعطى نتائج جيدة، إذ سمح بعدم فوز الكثير من النواب البرلمانيين المنتمين إلى اليمين المتطرف، مسجلا أنه "لولا هذا لحصل اليمين المتطرف على الأغلبية، بل كان قريبا من الأغلبية المطلقة".
وأضاف المرابط، أن "التعبئة والديناميكية التي قام بها اليسار، سمحت له بالتوحد وبتصدر نتائج هذه الانتخابات في مفاجأة كانت من جهة مرتقبة، حيث استطاعت إحداث ديناميكية انتخابية قوية دفعت بها إلى الصدارة ومن جهة ثانية غير مرتقبة على اعتبار أن استطلاعات الرأي لم تكن تعطي لليسار أي صدارة، لأنها كانت تُغفل جانبا مهما من الناخبين هم أبناء المهاجرين والجاليات العربية والمسلمة التي تحمل الجنسية الفرنسية"، مبينا أن هؤلاء "غالبا لا يكون لديهم تأثير في الانتخابات، لكن هذه المرة ظهر بأن التعبئة التي قامت بها الجبهة هي التي سمحت بانتصار اليسار".
وأشار المتحدث ذاته، إلى أن "هذه الانتخابات عرفت بعض الانتصارات الرمزية، حيث إن النواب البرلمانيين الذين انتصروا لغزة نجحوا في هذه الانتخابات، كما خسر أكبر صهيوني وهو مايير حبيب الذي يساند بنيامين نتنياهو في الدائرة الثامنة للفرنسيين في الخارج رغم التصويت المكثف عليه من قبل الإسرائيليين، حيث خسر أمام البرلمانية كارولينا نيدان التي تنتمي للأغلبية الرئاسية السابقة".
وخلص المرابط، إلى أن "هذه الانتخابات تدل على أنه أصبح الآن للجالية العربية والمسلمة صوت مؤثر، ويمكن أن تقوم بدور فعال داخل المشهد السياسي الفرنسي دون أن تسقط في ما يسمى بالطائفية".