يوم بيوم نور الدين مفتاح يكتب: العروي يردّ على عبد المجيد تبون نور الدين مفتاح نشر في 9 أبريل 2024 الساعة 21 و 15 دقيقة إن المغرب أمام كل ما أقدمت عليه الجزائر من تصعيد، ظل ينهج سياسة التهدئة، وهنا يقول العروي: «إن سياسة اليد الممدودة التي ينتهجها المغرب لن تغير شيئا… فليس لدى الجزائر خيار آخر سوى احتواء المغرب، أي إجباره بكل الوسائل الممكنة على إدراك أن سعيه الوحدوي لا فائدة منه. لكن احتواء المغرب يعني تطويقه، أي منعه من ربط اتصال مباشر مع العمق الإفريقي، وهنا تظهر ضرورة استمرار التوتر في الصحراء، وخصوصا تعطيل التجارة في معبر الكركرات. إن الأمر في نظرهم يشكل سببا للحرب، وقد أثبتوا ذلك، وهو ما لم يفهمه الرأي العام المغربي» ليرمي بعدها العروي جملته الحارقة: «الحرب جارية بالفعل بالنسبة للجزائر». نور الدين مفتاح [email protected]
أجرى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، نهاية الأسبوع المنصرم، حوارا تلفزيا مطولا مع قناة بلاده الرسمية، تحدث فيه عن كل شيء، من زراعة البصل إلى استيراد الأغنام، ومن الانتخابات الداخلية إلى علاقات بلاده مع دول العالم.
وبطبيعة الحال، كان لابد أن يكون للجار الغربي نصيبٌ، على الرغم من أنه تعمد أن يظهر وكأن موضوع المغرب هامشي، إلا أن كل شيء كان يتحدث عنه رئيس الجمهورية كان في خلفيته المغرب!
لقد كال تبون لمن انتقدوا تقديم الانتخابات الرئاسية النقد الجارح، واتهمهم بخدمة أجندات خارجية، ملمّحا بطبيعة الحال للمغرب، على الرغم من أن الصحفي الذي سأله عن سبب تقديم هذه الانتخابات جاء بمبررات منطقية، منها أن تاريخ 7 شتنبر يأتي بعد العطلة الصيفية مباشرة ويصادف الدخول المدرسي والسياسي، وبالتالي سيكون غير مناسب للحملة الانتخابية والاقتراع، فكان جواب تبون باختصار أنه اختار هذا التاريخ لأسباب تقنية محضة، وأن 7 شتنبر هو تاريخ يكون فيه المواطن أكثر استعداداً للإدلاء بصوته!
ما علينا، فهذا شأن داخلي للأشقاء في الجزائر. ولكن الشأن المشترك كانت فيه مفاجأة من العيار الثقيل، كما يقال، حيث أن السيد رئيس الجمهورية كشف عن الاستعداد لخلق «كيان» جديد في شمال إفريقيا يتكون من الجزائر وتونس وليبيا، والسبب هو: «أن الأفارقة يقولو لينا تفاهمو.. نتوما وين راكم»! وأكد أن هذا الكيان ليس ضد أي أحد! وأن «الباب مفتوح»! وفي نفس الوقت، يتناقض ويقول أن «جارنا الغربي المغرب دار اختيارات أخرى، وما شاوروناش، اختيارات في التنمية مع دول من الخليج، وطلبوا الانضمام للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقياCEDEAO».
عجيب! جرم جديد للمغرب أن لا يستشير قصر المرادية في قضايا سيادية! ولنفهم الحساسية الشديدة لموضوع الشراكة الاستراتيجية بين المغرب ودولة الإمارات التي وقعت بأبوظبي قبل شهور، نعود لآخر هذا الحوار الذي صبّ فيه عبد المجيد تبون جام غضبه على الإمارات، وقال إنها تشعل نار الفتنة، وأنه «في كل الأماكن التي فيها تناحر دائما مال هذه الدولة موجود، في الجوار، مالي وليبيا والسودان. نحن لا نكن عداوة لأحد، لأننا محتاجون إلى الله عز وجل وإلى الجزائري والجزائرية» مضيفا أنه يتمنى: «أن نعيش سلميا مع الجميع، ومن يتبلى علينا فللصبر حدود».
ولم يكتف الرئيس الجزائري بهذا بل زاد أنه: «مازلنا لم نمض بكلام فيه عنف مع هؤلاء الناس… فيبدو لي أنه قد أخذتهم العزة بالإثم، يقولون كيف لهؤلاء لم يتنازلوا، الجزائر لن تركع… إذا أردت أن تفرض تصرفاتك التي تطبقها على أناس آخرين علينا، فأنت مخطئ نحن 5 ملايين و630 ألف شهيد ماتوا على هذه البلاد واقترب إن شئت».
لنلاحظ هذا التلميح للمغرب الذي يتهمه بأنه يخضع لأبوظبي! وهذا غباء، إلا أن هذا الغضب يُفهم عندما سيتحدث الرئيس تبون عن ضياع نفوذ بلاده بكل من مالي والنيجر: «الله يعاونهم»! لقد كان الرجل متضايقا، وبالتالي أخرج أعجوبة هذا الكيان المغاربي المبتور والأعرج إلى الوجود في وقت تشهد فيه المنطقة تغييرا استراتيجيا خسرت فيه الجزائر مواقع تاريخية وخصوصا في الساحل. لهذا، عندما جاء الحديث عن قضية الصحراء، مرّ عليه الرئيس تبون مرور الكرام، ولكن دون أن يفوت فرصة التأكيد على أن حليمة بعد أكثر من نصف قرن ما تزال على عادتها القديمة. يقول: «الجزائر ثابتة على مواقفها، والقضية هي قضية تصفية استعمار، ولو نستعمل العقل بدل القوة والتهديد سيهتدي أطرافها إلى حل للقضية»!!
يتصادف هذا الحوار الرئاسي مع صدور كتاب جديد للمفكر المغربي الكبير عبد الله العروي بعنوان «دفاتر كوفيد» ننشر في غلاف هذا العدد بعضا من أوراقه الساخنة. وفي المجمل يخصص العروي حيزا كبيرا في يومياته التي حررها كهوامش على أحداث خلال الجائحة، للجزائر ومبرراتها التي يلخصها تبون في تصفية الاستعمار وما هي كذلك، ولعل أحسن رد على موضوع الصحراء هذا نجده في ثنايا هذه الخواطر، وكأنها ترد على عبد المجيد تبون وعلى العقيدة الجزائرية في هذا الموضوع:
يقول العروي: «ينطلق الخطأ في نقاش قضية الصحراء من تأمل وضعها كما هي عليه اليوم. علينا أن نعود إلى البداية حينما كانت إسبانيا موجودة، وكان عدد السكان رسميا 70 ألف نسمة، لا أحد كان يفكر في إمكانية وجود دولة في مثل هذه المنطقة، والمغرب يقول كما قال دائما إن من حقه المطالبة بها. هذه هي النقطة الأساسية، فهل كان للمغرب هذا الحق دون أن يتهم بالتوسع؟ هل بايع سكان هذه المنطقة ملك المغرب بما تعنيه كلمة البيعة في القانون الإسلامي؟».
ويضيف العروي: «لقد اعترفت محكمة لاهاي بهذا الحق فعلا، لكن المحكمة ذهبت أبعد، لأن أطرافا أخرى – خاصة الجزائر- حرفت القضية بطرح مشكلة تقرير المصير في إطار مفاهيمي غريب كليا عن إطار البيعة».
وفي مكان آخر من الكتاب، يعود العروي لمفهوم الدولة التوسعية التي تلصقه الجزائر بالمغرب ويقول: «إن المغرب لا يطالب بأراض كانت تابعة له في الماضي البعيد، بل بتلك التي قدمت له الولاء طوعا قبل أن تقع تحت الهيمنة الاستعمارية قبل 60 سنة. كما هي حال تندوف».
«يمكن أن نتهم المغرب بالنزعة الوحدوية – يقول العروي – كما هو الحال في كل مكان في العالم، ولكن ليس بالنزعة التوسعية. التوسعي هو من يريد أخذ منطقة بالقوة لا حق له فيها، والوحدوي هو من يستمر في المطالبة بحق ثابت قانونيا في أراض أخذت منه بالقوة».
ويكشف العروي الخلفيات الجزائرية الثاوية وراء هذا الاتهام بالتوسعية: «إنهم يدركون جيدا أن الجزائر التي ورثوها لا علاقة لها بجزائر 1830، فالجزائر التي يتحدثون عنها ولدت بالضبط في سنة 1962 مع اتفاقيات إيفيان، ولو كان المستعمر مختلفا لكانت الجزائر مثل جنوب إفريقيا، وهو ما يفسر كذلك تواطؤ البلدين. فهم يعلمون أن ربع مساحة الجزائر الحالية لم تكن جزءًا من الجزائر التركية، وأن هذه الأراضي أدمجت تدريجيا في المستعمرة الفرنسية».
إن المغرب أمام كل ما أقدمت عليه الجزائر من تصعيد، ظل ينهج سياسة التهدئة، وهنا يقول العروي: «إن سياسة اليد الممدودة التي ينتهجها المغرب لن تغير شيئا… فليس لدى الجزائر خيار آخر سوى احتواء المغرب، أي إجباره بكل الوسائل الممكنة على إدراك أن سعيه الوحدوي لا فائدة منه. لكن احتواء المغرب يعني تطويقه، أي منعه من ربط اتصال مباشر مع العمق الإفريقي، وهنا تظهر ضرورة استمرار التوتر في الصحراء، وخصوصا تعطيل التجارة في معبر الكركرات. إن الأمر في نظرهم يشكل سببا للحرب، وقد أثبتوا ذلك، وهو ما لم يفهمه الرأي العام المغربي» ليرمي بعدها العروي جملته الحارقة: «الحرب جارية بالفعل بالنسبة للجزائر».
وحتى وإن كان العروي قد كتب ما كتب سنتين قبل حوار عبد المجيد تبون الذي أعلن فيه عن كيان مغاربي بدون المغرب، فإننا نجد عنده الجواب ما دامت ليبيا اليوم في شبه حرب أهلية، وتونس تبقى بيت القصيد في انقيادها مع الجزائر، وينبهنا العروي إلى أنه «ليس من العدل القول إن التحول في الموقف المتخذ من قبل الحكومة التونسية مؤخرا في قضية الصحراء يخالف تقاليد الصداقة والتفاهم اتجاه المغرب، بل على العكس. فذلك يتماشى تماما مع ميل التونسيين الطبيعي للاعتقاد بأنهم يستطيعون، دون عقاب، إهانة المغاربة الذين لا يستحقون في نظرهم المكانة التي منحتها إيّاهم الجغرافية والاقتصاد».
«عمي تبون»! هكذا خاطب صحافي من المحاورين الرئيس الجزائري في نهاية المقابلة، ليؤكد للرئيس أنه نعت للتبجيل من طرف الشعب الجزائري! عمي تبون، أنت دعوتنا للإنصات لصوت العقل، وندعوك للتمعن في هذا الصوت الذي تكلم معك من عمق الفكر والتاريخ، وقد يكون هو العقل شخصيا. فقضية الصحراء ليست في النهاية إلا ذريعة والدفاع عن تقرير المصير المزعوم أضغاث أحلام.