يوم بيوم الحرب على الخدّج.. ما أبشعكم! نور الدين مفتاح نشر في 23 نوفمبر 2023 الساعة 14 و 09 دقيقة بعد أسابيع من القتل الهمجي وإخراج جل مستشفيات غزة عن الخدمة ومنع مجرد إخراج الجثث لدفنها، خرج علينا الناطق الرسمي باسم الجيش البربري الإسرائيلي بفيلم يقول فيه إنهم وجدوا قبوا تحت مشفى الرنتيسي ربما (نعم ربما!) يكون قد استعمل كمقر من مقرات مقاتلي حماس، نظرا لأن به جدولا زمنيا للحراسة وستارا يغطي حائطا ومرحاضا وحفاظات أطفال! كل هذا الدمار من أجل هذا؟ والمضحك المبكي أن بعض وسائل الإعلام الغربية المتطرفة احتفت بالموضوع كأنه النصر. وإذا كان الجيش الإسرائيلي نفسه قد نسَّب الأمور، فإن القنوات الفرنسية سارت في اتجاه التأكيد ولم تنشر ولا صورة من صور الأطفال الخدج الذين توفوا أو الذين يحتضرون لانقطاع التيار الكهربائي عن حاضناتهم، ولا صور عن العمليات الجراحية التي تجرى في ممرات المشفى على ضوء الهواتف النقالة بدون تخدير! بل استحضروا صور 7 أكتوبر مرّة أخرى بلا مناسبة إلا للتغطية على قمة ما وصلته الهمجية باستهداف ليس المدنيين فقط، ولكن المرضى، وتجاوز كل الحدود الإنسانية، لأن الحكومة الإسرائيلية لا تعتبر الفلسطينيين إلا حيوانات بشرية. نور الدين مفتاح [email protected]
معذرة. لم أستطع الكتابة منذ الأسبوع الأول من أكتوبر الماضي عن شيء آخر غير هذه القيامة التي تقودها إسرائيل على غزة. أحس بالعجز القاتل، ولكن، أحس بنوع من الخيانة إذا اعتبرت أن الاهتمام بهذه الحرب سينطفئ بالاعتياد.
كل يوم تزداد البشاعة، وتصل الجرائم الصهيونية إلى مراتب غير مسبوقة ضد الإنسانية. وصلنا إلى ما يناهز 12 ألف ضحية ولم يشف غليل نتنياهو وبن غفير ويواف غالانت، وهذا يعني أن كل إسرائيلي يجب أن يعوض ب 10 أو 20 أو 30 طفلا وامرأة ومواطنا فلسطينيا. وهذا غير كاف، إذ لأول مرة في التاريخ الحديث يتحول مبدأ الدفاع عن النفس إلى انتقام أعمى.
الطائرات تقصف بلا توقف منذ أربعين يوماً. وعندما دخلت الدبابات شمال القطاع بات القصف والقتل متواصلا على مدار الساعة، يبيدون البنيان والمدنيين العزل والشجر والحجر والحيوانات، ولا يتركون إلا صورا تسائل ضمير العالم، آخرها صور مستشفى الشفاء حيث سمعنا لأول مرّة في التاريخ أيضا عن معارك ضد المرضى والطواقم الطبية والأطفال والجرحى وحتى الرضع والخدج. يكفي مصطلح حرب المستشفيات لكي نرى أين وصلت الهمجية وكيف تفسخت القيم الكونية وصمتت الحكومات التي ظلت تعطينا الدروس في حسن السلوك الإنساني والسياسي من أمريكا وأوربا.
بعد أسابيع من القتل الهمجي وإخراج جل مستشفيات غزة عن الخدمة ومنع مجرد إخراج الجثث لدفنها، خرج علينا الناطق الرسمي باسم الجيش البربري الإسرائيلي بفيلم يقول فيه إنهم وجدوا قبوا تحت مشفى الرنتيسي ربما (نعم ربما!) يكون قد استعمل كمقر من مقرات مقاتلي حماس، نظرا لأن به جدولا زمنيا للحراسة وستارا يغطي حائطا ومرحاضا وحفاظات أطفال! كل هذا الدمار من أجل هذا؟ والمضحك المبكي أن بعض وسائل الإعلام الغربية المتطرفة احتفت بالموضوع كأنه النصر. وإذا كان الجيش الإسرائيلي نفسه قد نسَّب الأمور، فإن القنوات الفرنسية سارت في اتجاه التأكيد ولم تنشر ولا صورة من صور الأطفال الخدج الذين توفوا أو الذين يحتضرون لانقطاع التيار الكهربائي عن حاضناتهم، ولا صور عن العمليات الجراحية التي تجرى في ممرات المشفى على ضوء الهواتف النقالة بدون تخدير! بل استحضروا صور 7 أكتوبر مرّة أخرى بلا مناسبة إلا للتغطية على قمة ما وصلته الهمجية باستهداف ليس المدنيين فقط، ولكن المرضى، وتجاوز كل الحدود الإنسانية، لأن الحكومة الإسرائيلية لا تعتبر الفلسطينيين إلا حيوانات بشرية.
أربعون يوما من القصف بآلاف الأطنان من المتفجرات التي لم يسبق في أي حرب أن نزلت على نفس الرقعة بنفس الكثافة، وما رأينا اعتقالا لمقاتل واحد من حماس، ولا رأينا سيطرة على مقرات قيادة، ولا رأينا شيئا يفيد بأن هدف هذه الحرب القذرة قد تحقق. لذلك كان لابد لهم من شيء مهما كان تافها ومضحكا فوجدوا قبوا من 10 أمتار مربعة ليعلنوا ومن مصدر واحد أنهم انتصروا على حماس واحتلوا غزة!
أي جنون هذا الذي نرى فيه حمقى يلعبون بأطنان من القنابل تحت الحراسة المشددة لأمريكا والغرب، فوق رؤوس المدنيين بلا رادع وفي تحدّ للكل. حتى رؤساء الدول الذين يحمونهم عندما يحاولون أن يقيموا نوعا من التوازن في تقييمهم للوضع، يؤنبهم نتنياهو، فعلها الاثنين الفائت مع ماكرون والثلاثاء مع بايدن. فإسرائيل لا يمكن أن ينطبق عليها ما ينطبق على باقي دول المعمور. هي فوق الجميع وقد قررت اليوم كما يبدو، عندما اجتمعت حكومة صهيونية هي الأكثر تطرفا على الحرب أن تكون حرب إبادة.
لا شك أن الضمير العالمي شعبيا بدأ يتحرك. ففي بريطانيا التي تعمل في السياسة الخارجية تحت جناح الولاياتالمتحدةالأمريكية، خرجت واحدة من أكبر المسيرات في العالم، شارك فيها ما يناهز 300 ألف مواطن للتنديد بالمجازر الإسرائيلية. وفي قلب صناعة القرار الأمريكي نفسه، كتب مئات موظفي الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية رسالة لوزير خارجيتهم ينددون فيها بسياسة بلادهم الداعمة للعدوان الإسرائيلي غير المشروط. وعلى الرغم من التطرف الفرنسي المتفرد في مساندة إسرائيل وخروج مسيرة ضد معاداة السامية، فإن مسيرات غير مرخص لها تحدّت المنع وسارت في الشوارع، وفي سابقة كتب عشرات السفراء الفرنسيين العاملين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا رسالة إلى رئيسهم ماكرون ضد سياسته المنحازة لإسرائيل، وهناك صوت حر مازال يصدح بالانتصار للقيم الإنسانية رغم كل الضغوطات والتخوينات، وهو جون لوك ميلونشون زعيم «فرنسا غير الخاضعة». وأما في ما يسمى اليوم بالجنوب العالمي، فإن الجامع هو التنديد والاستنكار والشجب، وقد بادرت دول عدة لتعليق أو قطع علاقاتها مع الكيان الصهيوني.
إن الحرب في الميدان غير متكافئة بالطبع، فهذا الجيش الإسرائيلي ترسانته التي تضعه ضمن قائمة الجيوش العشر الأولى في العالم لا يحارب وحده ولكن بدعم ميداني من القوات الأمريكية، وفي المقابل هناك مقاتلون من حماس بلا طيران ولا مدفعية ولا أسلحة متطورة، إلا ما صنعوه هم وقوة قضيتهم. ولكن، هذا هو دأب المقاومة في التاريخ، فالأمور عندما يكون هناك احتلال لا تحسب بموازين القوى ولكن بموازين الحق الذي لا يضيع إذا كان وراءه طالب. وبالتالي فالسيطرة على الأرض واحتلال الصهاينة لشمال غزة أو للقطاع كاملا ليس انتصارا أبداً، وحتى هذه المهمة تبدو الآن صعبة، وقد كلفت من الجرائم ضد الإنسانية ما لم يسبق أن سجل في تاريخ المجازر الصهيونية، ولحد الآن، بقيت الفعالية القتالية لحماس قائمة وآلاف المقاتلين يشتبكون ببسالة ويعرقلون تقدم قوات الاحتلال، وما تزال الأنفاق قائمة ولا نرى الجيش الإسرائيلي يتحارب إلا مع المدنيين بغلٍّ دفين.
بل حتى الحرب الإعلامية يخسرها الإسرائيليون يوميا، فقد انكشفت خديعتهم حول جز مقاتلي حماس لرؤوس 40 طفلا بعد 7 أكتوبر، وهناك اليوم حديث عن حقيقة ما جرى أصلا في هذا السابع ومن قتل المدنيين فعلا ولماذا قصفت طائرات الأباتشي الإسرائيلية بلا تمييز عندما كانت عملية «طوفان الأقصى» جارية، ولماذا استشاط نتنياهو غضبا عندما تحدثت الرهينة العجوز التي تم الإفراج عنها عن لطف معاملة عناصر حماس، وكيف تنصلت إسرائيل من قصف مستشفى المعمداني قبل أسابيع لتوقع مجزرة ذهب ضحيتها أكثر من 500 شهيد بدعوى أن الجهاد الإسلامي هو من قتلهم، وأنها لا تقصف المستشفيات لتعود اليوم إلى دكها، وها نحن والعالم والأونروا والصليب الأحمر والأمين العام للأمم المتحدة شخصيا يبكون ما يجري، وأمريكا وإسرائيل يواصلون المذبحة، فما أبشعكم!
هي حقيقة واحدة، أنتم في الغرب من صنعتم مأساة اليهود، وجعلتم فلسطين والعالم العربي والإسلامي يؤدون الثمن بدلكم! وبعد 75 سنة من الجبروت وهيلمان القوى لم تمت القضية الفلسطينية. إذن، أمن إسرائيل مستحيل إلا بوجود دولة فلسطين كاملة السيادة على أراضيها في الضفة والقطاع والقدس! هذا هو الطريق السليم، أما مشجب حماس فهو واه، لأن ليست حماس من خلقت القضية بل القضية الفلسطينية هي التي خلقت حماس. وستظل القضية بحماس أو بغير حماس.