خلال العاشر من ذي الحجة من كل سنة يحتفل المسلمون عبر العالم بعيد الأضحى، هذا الأخير يعد شعيرة دينية لها تعظيم وتوقير خاص من طرف المسلمين، حيث باتت هذه المناسبة الدينية موعدا سنويا يحمل ضمن طياته أبعادا دينية واجتماعية، ما بات يتضح أن بعده الديني صار يتراجع أمام نظيره الاجتماعي. ويفرد المغاربة لعيد الأضحى مكانة خاصة ضمن أجندة مواعيدهم السنوية، حيث يصفونه ب"الكبير"، في إشارة إلى وجود عيد آخر وهو عيد الفطر. غير أن ما بات محط تساؤلات الفقهاء والباحثين الاجتماعيين هو التحول الذي صار مشهودا عند المقارنة بين اليوم والأمس، فقد وضع الإجماع العام المغربي عيد الأضحى في خانة الخاص، إذ رفعوه من درجة السنة المؤكدة إلى الفرض الواجب، وهو ما جعل البعد الاجتماعي يطغى على هذه الشعيرة الدينية. شعيرة دينية بأبعاد اجتماعية قال لحسن بن إبراهيم سكنفل، رئيس المجلس العلمي المحلي لعمالة الصخيراتتمارة، إن "المغاربة كمسلمين يستعدون لاستقبال عيد الأضحى ويفرحون به كشعيرة دينية تعبدية، إذ يسعون إلى الالتزام بها امتثالا للأمر الوارد في الآية الثانية من سورة الكوثر".
وأضاف سكنفل في تصريح ل"لأيام 24″ أن "التصاق هذه الشعيرة ببعض الأعراف الاجتماعية والتقاليد الشعبية لا يضر بها أبدا، حيث أن لكل شعيرة مقصدا اجتماعيا نفسيا وروحيا، فيما يبقى باستحضار مقصد من سنة الأضحية من واجبات العلماء والمثقفين والمفكرين".
وأكد المتحدث نفسه على أن المغاربة "يعرفون بأن الأضحية سنة مؤكدة للقادر عليها وعدم وجوب التكلف لشرائها بما لا يطاق، إلا أن البعد الاجتماعي ووجود الأطفال والجيران يضيف إلى مسؤولية الآباء إدخال الفرحة على الزوجة والأبناء"، مشيرا إلى أن هذا الجانب الاجتماعي "يحضر بشكل قوي في الأحياء الشعبية وهو ما لا يجب اغفاله".
وفيما يتعلق بالاستدانة من أجل شراء أضحية العيد، أوضح سكنفل أن "الأصل فيها الجواز في حالة ما كان المستدين قادرا على أداء دينه بأريحية، في حين أنه إذا كانت الاستدانة تشكل عبئا على الزوج فإنها تكون محرمة قطعا. أما الاقتراض بالفائدة لشراء الأضحية أو غيرها فحرام شرعا إلا من كان مضطرا ذلك لدفع ضرر تشتت الأسرة، فحين إذن يصبح جائزا لقوله تعالى: "فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيم".
بعد اجتماعي بارز
من جهته، قال رشيد أمشنوك، الباحث في علم الاجتماع، إن "السلطة الاجتماعية والثقافية للعيد تغلب على أبعاده الدينية والشرعية، حيث أن حضور الممارسات الاجتماعية في عيد الأضحى ليس مؤشرا على غياب الوعي الديني لدى المغاربة وهم يحتفلون بأعيادهم الدينية بتعظيم وتقديس، على الرغم من مظاهر التباهي بشراء الأضاحي بأغلى الأثمان أو حتى بيع الأثاث لاستكمال ثمن الأضحية".
وأضاف أمشنوك في حديثه ل"لأيام 24″ أن "دراسة هذه الظاهرة تتطلب وعيا نسقيا يستحضر سياقاته وأبعادها، تفاديا لما أسماه بيير بورديو ب"السوسيولوجيا العفوية" القائمة على إصدار الاحكام الجاهزة"، مشيرا إلى أن "مداخل الإسلام الشعبي والتوعية الدينية كفيلان بالمساعدة على معرفة الثقافة الدينية للمضحي وكذا المفارقات التي تشوب قناعاته الدينة، فضلا عن فهم أدوار الهيئات الدينية وفئات العلماء في التوعية بالابتعاد عن كل ما من شأنه أن يؤثر على الفهم السليم للدين".
وزاد الباحث الاجتماعي بالقول أن "الطبيعة التي يتعامل بها المغاربة مع هذه المناسبة الدينية تبقى بدورها مرتبطة بالمنظومة السياسية والسياسات العمومية، حيث أن كل هذه الممارسات تكون نتاجا لحالات الفقر والتفكك الأسري والأمية الأسرية والدينية، فضلا عن ضعف المناعة الثقافية".
وفيما إذا كان عيد الأضحى مناسبة لتكريس الطبقية الاجتماعية، أوضح المتحدث عينه أن هذه الأخيرة "تبقى واقعا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا معقدا تتداخل في تشكيله عوامل كثيرة، ترتبط أساسا بالنسق السياسي برمته وموقع الفاعل الاجتماعي ضمنه".