"انتهيتُ سياسياً" عبارة وَجدت لها مكاناً في "مقبرة ملتقى شبيبة العدالة والتنمية" يوم أمس الأحد في فاس، إذ وَقَّعَ بنكيران على شهادة وفاتها، بعدما أشَّر في وقت سابق على شهادة ميلادها، توقيعٌ كُتِب بحِبر خطاب سياسي وُصِف ب"القوي" والحامل لعديد الرسائل المُعلنة والمَخفية تجاه الملك والأحزاب السياسية والريف، منذ إعفائه من تشكيل "السلطة التنفيذية"، حيث اختار لغة الصمت قولاً وفعلاً، في الخريف والربيع، قبل أن يعود في الصيف لتكسير صمته بحرارة تُماثل درجتها تلك المرتفعة هذه الأيام بمختلف مناطق المملكة، بحسب العديد من المراقبين.
إن الممارسة الخطابية لقائد "المصباح" أمام تنظيمه الشبابي تَنِم عن معطيين رئيسين، الأول تظهر ملامحه بشكل واضح في بنية خطاب بنكيران ويتمثل في عودته إلى قاموس مصطلحات "العفاريت والتماسيح"، بعد "عفو بنكيراني" صدر في حقهم أثناء ارتدائه ل"الجلباب الحكومي"، والثاني خَطَّته عودة بنكيران لتوجيه سهام النقد لبعض الأحزاب السياسية، على رأسها حزب الأصالة والمعاصرة، الذي غاب عن قاموس "البيجديين" طيلة فترة "البلوكاج الحكومي"، بعدما عوضه أخنوش و"حمامته" التي ارتبطت بشكل "وثيق" بالوردة والحصان طيلة رحلاتها إلى مكتب "المصباح" بحي الليمون في الرباط. واتهامه لحزب التجمع الوطني للأحرار بعرقلة دعم الفقراء، في لقائه أول يوم أمس السبت مع "بيجيديي الخارج".
وفي قراءة للخروج السياسي الجديد لبنكيران ومضمون خطابه أثناء حديثه يوم أمس في الملتقى الوطني 13 لشبيبة العدالة والتنمية، قال عبد العزيز قراقي أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط في تصريح خاص ل"الأيام 24 " ، إن رئيس الحكومة الأسبق عاد هذه المرة برؤية الناقد السياسي لا المعارض السياسي ، معزيا ذلك إلى أن بنكيران تحرر من أي مسؤولية عمومية، خاصة بعد تقديم استقالته في البرلمان، بعد فقدان "حقيبة رئاسة الحكومة"، وهو ما يفسر بحسب المتحدث اتساع مجال الحرية عنده.
وأضاف قراقي أن بنكيران قام بنقد ذاتي على امتداد مدة غيابه عن الساحة السياسية بعد إعفائه من تشكيل الحكومة، ويعلم جيدا أنه لم ينته سياسيا، "وهو ما سيدفعه إلى العمل عبر خطابه السياسي على بلورة تصور حزبي جديد للمستقبل ، واستثمار لسان بنكيران لصالح "المصباح"، يوضح المتحدث ذاته.
وعن عودة الأمين العام ل"البيجيدي" لانتقاد حزب الأصالة والمعاصرة، بعد آخر مناسبة لذلك في التجمعات الخطابية للحملة الانتخابية لتشريعيات السابع من أكتوبر الماضية ، قال عبد الرحيم منار اسليمي، المحلل السياسي، "إن عودة بنكيران لاستعمال ورقة الصراع مع "البام"، يهدف من ورائها إلى دفع حزبه لمنحه ولاية ثالثة على رأس الأمانة العامة" ، مضيفا أن بنكيران يعمل على "تهييج" القواعد الحزبية وتأطير مخيالها السياسي بنفس الطريقة التي وصل بها للأمانة العامة أول مرة في العام 2008 لمواجهة حركة لكل الديمقراطيين مصدر تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة.
وأشار اسليمي في تصريح خاص ل"الأيام 24"، إلى صعوبة استمرار بنكيران سياسيا من دون استراتيجية ترويج خطاب " المنذر من خطر الأصالة والمعاصرة "، مشددا على أن مناخ الصراع بين "البيجيدي" و"البام" سيعود من جديد، "في حال غياب حملة تطهير مرتبطة بما وقع في الحسيمة ومناطق أخرى، وتغيير هيكلي في الحكومة" في إشارة من المحلل إلى احتمال إعفاء وزراء من حكومة العثماني، وهو المعطى الذي سينتعش معه خطاب بنكيران من جديد، بحسب الأستاذ الجامعي الذي أضاف أن "الفرجة" التي عاشها المغاربة خلال الخمس سنوات الماضية بدأت في التحول إلى مشاكل كبيرة.
وخلص رئيس المركز الأطلسي للدراسات الاستراتيجية والتحليل الأمني ، إلى أن المغرب يحتاج إلى حدث سياسي كبير في الأسابيع المقبلة لكي ينهي مع هذه العودة والتمسك بالبقاء الذي يسعى إليه بنكيران ،"كما ظهر جليا أمام مهرجان شبيبته". يختم المتحدث تصريحه.