حوالي عقدين من تطبيقها العملي وخروجها الى حيز التنفيذ، أجمعت محتلف المشارب الفكرية والتيارات السياسية أن مدونة الاسرة أصبحت في حاجة إلى المراجعة والتعديل، حتى نتجاوز الثغرات ونخرج مدونة تتماشى مع مقتضيات العصر الحالي وتساير دستور 2011.
وفي هذا الصدد، قال الكاتب والناشط الحقوقي أحمد عصيد إن :"النقاش الراهن حول مدونة الأسرة حيوي جدا ومطلوب نظرا لما لمسته القوى الديمقراطية السياسية والمدنية من نقائص في نص المدونة التي كانت آخر مراجعة لها سنة 2004، وهي مدة زمنية راكمت من الملاحظات ما يكفي لوضع اليد على نقائصها وثغراتها التي برزت من خلال الممارسة سواء داخل الأسرة المغربية أو في مجال القضاء". وبخصوص إشكالية الديباجة في مدونة الأسرة أوضح أحمد عصيد ل"الأيام 24″ أن:"أهم الإشكاليات الكبرى التي تطرحها المدونة الحالية هي التناقض بين ديباجة النص والكثير من موادها الأخرى" مشيرا أن "الديباجة تنص على أن الزواج مسؤولية وتعاقد بين طرفين هما الرجل والمرأة، وهذا معناه عمليا تفكيك نظام القوامة القديم، الذي يجعل الرجل عماد الأسرة لأنه وحده من ينفق، والمرأة مجرد ملحق به وتحت حمايته". وأضاف عصيد أيضا أنه:"عندما نتناول فصول المدونة نجد الكثير منها يتعارض مع هذا المبدأ ويكرس أفكارا فقهية قديمة تجاوزها واقع المجتمع المغربي، فكيف مثلا يمكن اعتبار الزواج تعاقدا ومسؤولية بين رجل وامرأة والمدونة تبيح تزويج الطفلات القاصرات" موضحا أن "حيث بعد أن تحدد المدونة سن الزواج في 18 سنة، تعطي للقاضي سلطة تقديرية لتزويج طفلات دون السن القانوني، وهذا تناقض ظاهر أدى إلى كارثة حيث تحول الاسثناء إلى قاعدة أوصلتنا في إحدى السنوات إلى 39 ألف قاصر تم تزويجهن".
واستطرد المتحدث نفسه قائلا إن:" ذلك لم يحل المشكل بل زاد الطين بلة، لأن زواج الطفلات يحرمهن من حقهن في التمدرس ويغتصب طفولتهن. مما يلقي على الدولة مسؤولية إلغاء الاستثناء ومعاقبة من خالف سن الزواج القانوني، وتوفير بنيات التمدرس وخاصة في البوادي والمناطق المهمشة والنائية" مؤكدا أن"آخر تتعارض ذيباجة ومبادئ المدونة مع تعدد الزوجات ومع حرمان المرأة من الولاية على الأطفال، ومن الحضانة عندما تتزوج الأم مما يجعل سيف التهديد مسلطا عليها حتى لا تتزوج. كما نجد تناقضات واضحا في تدبير الأموال المكتسبة خلال فترة الزواج، حيث ما زال المشرع المغربي لا يقدر عمل المرأة في البيت حق قدره، كما يطالب المرأة بإثبات المشاركة في الثروة كما لو أن تضحياتها طوال الحياة الزوجية غير كاف". وأبرز الناشط الحقوقي أحمد عصيد أن:"مشكلة المدونة إذن هو أنها تعكس وجهين للدولة أحدهما يسعى إلى إحقاق حقوق المرأة والطفل، والثاني يريد تكريس القراءة الفقهية القديمة السابقة على عصرنا وعلى منظومة حقوق الإنسان، وهذا لا يمكن أن يحقق العدل المطلوب. وقد آن الأوان لإزالة التناقضات من نص المدونة وجعله نصا مدنيا منسجما يحقق المساواة ويحافظ على المصلحة الفضلى للطفل" مردفا أن "أهم ما ينبغي مراجعته في نص المدونة الحالي معجم المفاهيم والمصطلحات المعتمد والذي صار غير مقبول لما يحمله من أحكام معيارية تنتقص من قيمة المرأة والطفل، وذلك مثل "المتعة" و"الفراش" و"اللعان" وغيرها من المفاهيم الفقهية التراثية التي تعكس بنيات اجتماعية قديمة تجاوزتها أحوال المجتمع المعاصر". هذا وقد أثار مشكل مساواة الرجل والمرأة في الإرث جدلا كبيرا في السنوات الأخيرة، حيث انقسم المتداخلين في هذا السجال بين المؤيدين والمعارضين، ولكل واحد منهما أطروحة مدعمة بحجج ومعطيات دينية وواقعية يؤكد بها صوابية كلامه. وفي هذا الصدد قال أحمد عصيد أنه:"إذا كان موضوع نظام الإرث هو الطابو الأكبر في النقاش حول المدونة، فيمكن القول إن الحركة النسائية والفاعلين الديمقراطيين الذين يخوضون النقاش العمومي بصفتهم قوة اقتراحية قد استطاعوا كشف عيوب المدونة في هذا الجانب وإبراز أن النصوص الدينية المتعلقة بالموضوع لها سياقاتها القديمة التي لم تعد قائمة اليوم" مستطردا أن "الاستمرار في فرض قوانين ثابتة على واقع متغير يعرف انقلابا جذريا في العلاقات الاجتماعية ووضعية المرأة العاملة سواء داخل البيت أو خارجه والتي أصبحت منتجة للثروة ومعيلة للأسر بنسبة هامة، يؤدي إلى إحداث ظلم كبير".
وأورد الكاتب والناشط الحقوقي عصيد أن:"أهم ما يمكن تسجيله في هذا الباب هو الخطوات الهامة التي قطعتها مؤسسات رسمية في اقتراح مراجعة نظام المواريث ومنها المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الاقتصادي الاجتماعي، كما يمكن إضافة النموذج التنموي الجديد الذي طرح مشكل "التعصيب" الذي يعد جزءا لا يتجزأ من نظام الإرث الإسلامي" مبرزا أن "جانب آخر ومما يدل على ضرورة طرح الموضوع بإلحاح السلوك المراوغ الذي تقوم به العائلات المغربية لتجنب نظام الإرث الإسلامي الذي يؤدي إلى إلحاق ظلم كبير بالإناث، حيث هناك عائلات تعمد إلى "الهبة" أو إلى إعادة التقسيم عبر "الرد" لإنصاف الفتيات والنساء". واختتم عصيد حديثه مع"الايام 24″ قائلا أن:"الكثير من رجال الدين يتحدثون اليوم عن "الوصية" التي كانوا يعتبرونها إلى أمد قريب غير ممكنة مستعملين حديثا يقول "لا وصية لوارث". وكل هذا دليل على حتمية المراجعة لأن الأمر لا يتعلق بنقاش ديني أو باستهداف للدين بل يتعلق بالحقوق الاقتصادية للنساء".