Getty Imagesمحامون مغاربة أمام محكمة بالرباط لم يكن يدر بخلد وزير العدل المغربي، عبد اللطيف وهبي، ولا بخلد أخد في المغرب، أن امتحان الترخيص بمزاولة مهنة المحاماة، والذي لايخرج عن كونه حدثا صغيرا في البلاد، لايسمع به كثير من المغاربة، سيتحول إلى قضية كبرى، ينتقل الجدل بشأنها إلى وسائل الإعلام الأجنبية، وتفجرالعديد من الاتهامات بشأن الشفافية والنزاهة. وتعود بداية القصة إلى أوائل يناير الجاري، حين أعلنت نتائج اختبارات المحامين، وكشف عن أن لوائح الناجحين في تلك الاختبارات، تضم أسماء نجل وزير العدل المغربي وأقارب له، وأبناء لمحامين ومسؤولين في وزارة العدل، إضافة إلى برلمانيين سابقين وحاليين، وما لبثت القضية أن تحولت إلى قضية رأي عام، في ظل اتهامات تتعلق بانعدام الشفافية والنزاهة ، فيما أخذ الجدل بشأنها، يتحول إلى الساحة الدولية، بعد أن تناولتها وسائل إعلام أجنبية بالتعليق. ولمزيد من التوضيح لغير المغاربة، فإن مهنة المحاماة في المغرب، هي مهنة حرة، ولايعد التوظيف بها من اختصاصات الدولة، لكن مهمة الحكومة ممثلة في وزارة العدل، تختص بالجانب التنظيمي فقط، إذ أنها تقوم بتنظيم اختبارات منح الرخص لممارسة المهنة، في تعاون مع القضاة والمحامين، وتعين اللجنة التي تشرف على تلك الاختبارات، كما تحدد عدد الرخص التي ستمنح للمحامين الجدد،في كل مرة تجري فيها تلك الاختبارات، والتي أثير بشأنها الجدل هذه المرة. المحتجون واتهامات بعدم النزاهة ارتفع صوت المحتجين، ومعظمهم من الذين فشلوا، في اجتياز تلك الاختبارات وذويهم، بالحديث عن محاباة ومحسوبية، شهدتها تلك الاختبارات، لصالح أبناء محامين ومستشارين، ومسؤولين سياسيين سابقين وحاليين، نظرا لما تضمنته قائمة الناجحين، من أسماء ذات قرابة عائلية، بهؤلاء المحامين أو المسؤولين، وقد نظم عدد من المتنافسين الراسبين في تلك الاختبارات، احتجاجا يوم الثلاثاء الماضي، أمام مقر البرلمان المغربي، مطالبين بفتح تحقيق في تلك النتائج وإبطالها، وإعادة تصحيح الأوراق. وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، واصل الرافضون لتلك النتائج حملتهم، عبر هاشتاج #مباراة المحاباة وليس المحاماة، مشككين في نتائج الاختبارات، ومنددين بما وصفوه بمحاولات "توريث" مهنة المحاماة، لأبناء العائلات المتنفذة في البلاد، في وقت يتم فيه إقصاء أبناء الطبقات الفقيرة، حتى وإن كانوا من المتميزين. من جانبها ناشدت ريم شباط، النائبة بالبرلمان المغربي عن حزب جبهة القوى الديمقراطية، وزير العدل بإلغاء نتائج الاختبارات، وإعادة إجرائها في صورة أكثر شفافية ووضوحا، ومحاسبة المتورطين في إجرائها. وقالت النائبة المغربية في سؤال كتابي للوزير إن "نتائج امتحان الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة، خلفت موجة استياء وتذمر كبيرة في أوساط الطلبة والمواطنات والمواطنين المغاربة، بسبب لائحة الناجحين في امتحانات مهنة المحاماة، فأغلبهم أبناء مسؤولين ومحامين وسياسيين" مدافعون عن النتائج على الجانب الآخر، هناك من يرى أن المشككين في نتائج الاختبارات، ليس لديهم دليل، سوى أن هناك عددا من الناجحين، هم أبناء محامين ومسؤولين، وأن كون الشخص ابنا لمحامي أو مسؤول سابق أو حالي، لايجب أن يمنعه من التنافس في تلك الاختبارات، ولايعني بأي حال من الأحوال، أنه لا يتمتع بالكفاءة المطلوبة، بل أنه قد يكون اجتاز الاختبارات عن جدارة. وكان الناجحون في تلك الاختبارات المثيرة للجدل، قد عبروا عن هذا الرأي في بيان لهم، رافضين ما وصفوه بالاتهامات الخطيرة الموجهة لهم، واعتبروا أن "قرابة مرشح بمسؤول أو قاضٍ أو محامٍ ليست من موانع اجتياز الامتحان ولا نافية للكفاءة العلمية، ولا ماسة بالأخلاق الحميدة، ولا خارقة للنظام العام". وكان لافتا أيضا في هذا السياق، البيان الذي أصدرته جمعية "هيئات المحامين بالمغرب"، والذي أكدت فيه على نزاهة اختبارات مزاولة مهنة المحاماة محل الجدل، كما عبرت عن رفضها لما وصفته ب"استغلال" نتائج الاختبارات ل"استهداف المهنة وكيل الاتهامات للمؤسسات المهنية والطعن في مصداقيتها". غياب موقف حكومي. رغم أن القضية محل الجدل، وهي قضية اختبارات مزاولة مهنة المحاماة، بدأت صغيرة لكنها تحولت لكرة ثلج متدحرجة، حتى أن البعض بات يقول، إنها ستكون ذات تداعيات خطيرة، على الائتلاف الحكومي في المغرب، وأنه سيتعين على رئيس الحكومة، أن يبحث عن حلول للأزمة لتفادي آثارها. وبنظر مراقبين فإن خطورة ما حدث، رغم أنه بدأ صغيرا، هو أنه أظهر تلك الفجوة المتسعة، بين الخطاب الحكومي، الذي يتحدث عن النزاهة والشفافية والمساواة في فرص العمل، من جانب وما سعى المحتجون لإبرازه عبر حملتهم، من انتهاك للشفافية والنزاهة، وتغليب للمحاباة والمحسوبية حسب قولهم من جانب آخر. وفي ظل ذلك الجدل المستعر، بين الرافضين لنتائج الاختبارات، والمؤيدين لها يبدو الرد الحكومي غائبا، فيما يتعلق بالتدخل لوقف انقسام الرأي العام المغربي، فرئيس الحكومة لم يتخذ أي موقف واضح، سواء بدعم وزير العدل الذي تحدث عن نزاهة العملية، وهاجم المشككين فيها بشدة، ولا هو أمر بإجراء تحقيق في نتائج تلك الاختبارات، في وقت لم يقدم وزير العدل نفسه على أي تنازل، أوهو رحب بأي تحقيق فيما جرى. ويعتبر مراقبون أن غياب تدخل حكومي في تلك الأزمة، سيزيد من الانقسامات في الشارع المغربي، كما أنه سيلحق أضرارا بالغة بصورة المغرب، وسيلحق كذلك أضرارا بالغة بالائتلاف الحكومي الحالي، في حين يرى كثيرون أن شخصية وزير العدل المغربي، عبد اللطيف وهبي الصدامية، هي التي ساهمت في تحويل حدث صغير، كان يمكن احتواؤه، إلى قضية كبرى تقسم الرأي العام. ويرى منتقدو شخصية وزير العدل المغربي، أن أسلوبه في الرد على المشككين في نتائج الاختبارات، هو الذي زاد الطين بلة، وعزز من الشكوك، إذ أنه وبدلا من التعاطي بصورة إيجابية، مع المنتقدين و المشككين، انخرط في معركة لتسفيه آرائهم والتقليل من شأنها.