بينما كان مهرجان الفيلم الوثائقي الحساني بمدينة العيون يمر كما خُطّط لها بشكل سلس، إلى حين أثير الجدل الحاد وارتفع الصخب والتنديد بين أبناء قبيلة صحراوية محتجّين على ما ورد في فيلم وثائقي مدرج بين فعاليات المهرجان من معطايت اعتبروها "مغالطات خطيرة" بشأنهم.
جدل دفع المركز السينمائي إلى الدخول على الخط وأمر بإلغاء حفل اختتام المهرجان، كما أعطى والي جهة العيون تعليماته الفورية بإزالة جميع اللافتات والملصقات المتعلقة بهذه التظاهرة الفنية، تفاديا للاحتقان الناتج عما ورد في الفيلم من ادعاءات.
بداية القصة والجدل
"زوايا الصحراء زوايا الوطن"، هو عنوان الفيلم الوثائقي ضمن فعاليات النسخة السادسة من مهرجان الفيلم الوثائقي في العيون، لمخرجته مجيدة بن كيران، حيث أثيرت النقاش عند ذكر معطيات في الدقيقة 79 من الفليم، الذي حمل وفق الغاضبين "مغالطات شنيعة وصلت حد التطاول على رمز من رموز الصحراء وهو الشيخ سيد أحمد الركيبي"، حيث اعتبره الباحث والمتخصص الذي استضافته، مجيدة بن كيران، أن الشيخ سيد أحمد الركيبي كان عاقرا ولا يلد وهذا طعن في نسب وشرف أهل الصحراء قبل أن يكون طعنا في شرف ونسب قبيلة الركيبات.
فيلم "زوايا الصحراء زوايا الوطن" سبق له استفادة من الدعم الذي يخصصه المركز السينمائي المغربي للأفلام الوثائقية المتصلة بالثقافة الحسانية والتاريخ والفضاء والمجال الصحراوي الحساني، ما يطرح وفق كثيرين نقاش آخر لا يقل أهمية عن جدل العطيات المذكورة، مرتبط بكيفة استفادة الأفلام من الدعم والمعايير المصادقة عليها وعرضها للعموم، وما قد تشكله من تحريف لمعطيات تاريخية.
المخرجة مجيدة بن كيران وضعت نفسها في قلب زوبعة وانتقادات لاذعة، حيث كتبت صفحة Sahara intelligence على الفيسبوك أن محمد فاضل الجماني، العضو الجديد بلجنة دعم الإنتاج السينمائي، كان أول المحتجين على ما ورد في هذا الفيلم، وأبلغ خالد السعيدي مدير المركز السينمائي المغربي بالإنابة الذي تفاعل مع هذا الاحتجاج بسرعة، حيث استدعى المخرجة مجيدة بنكيران وأمرها بإزالة المقطع المهين فورا من الفيلم، وأبلغها بأن هذا الفيلم لن يسمح له بالعرض مجددا، لأنه تعمد الإساءة لمكون كبير في الصحراء، وأنه فور عودته للرباط سيتخذ إجراءات تأديبية ضد لجنة التأشير التي أجازت عرض هذا الفيلم.
المركز السينمائي في قلب الجدل
بلاغ المركز السينمائي ردت عليه تنسيقية مهنيي السينما بالصحراء، بشأن واقعة الفيلم المسيء لقبيلة "الرگيبات"، وما تخلله من معطيات "مغلوطة وافتراءات" بغرض "الهروب من المسؤولية"، قائلة في بيانها "هذه الدورة هي الوحيدة التي لم يتم تشكيل لجنة لانتقاء الأفلام السينمائية المشاركة في المسابقة، وكانت نتيجتها الانزلاق الخطير الذي وقع في هذا الفيلم وغيره، وهي مسؤولية مباشرة للمركز السينمائي المغربي".
وعلى عكس ما جاء في البلاغ،تقول التنسيقية إن لجنة تحكيم المسابقة الرسمية للمهرجان لم تصدر بعد أي تقرير بشأن خلاصة عملها، ولم تصف أبدا الأفلام المعروضة عليها بكونها ذات مستوى محدود، وهو افتراء على اللجنة ومغالطة للواقع بحيث أن مجموعة من الأفلام فازت بجوائز عديدة في مهرجانات وطنية ودولية.
وبحسب المصدر ذاته فقد عمد البلاغ إلى تحميل مسؤولية تدقيق محتوى الأفلام الوثائقية إلى عضو لجنة الدعم الذي يمثل الثقافة الحسانية، وهو أمر مغلوط، لكون اللجنة التي تضم أحد عشر عضوا تتخذ قرارات الدعم بشكل جماعي، وبناء على مداولات وليس وفق رغبة أحادية للعضو المذكور. علما أن لجنة الدعم تبث في سيناريو مشروع الفيلم الوثائقي فقط، وتبقى الموافقة على مضامينه والترخيص بعرضه في القاعات السينمائية والمهرجانات، من مهام لجنة التأشيرة وهو اختصاص حصري لمصالح المركز السينمائي المغربي".
واتهمت التنسيقية المركز السينمائي المغربي بالتضليل، موردة "وحاول البلاغ تضليل الرأي العام مرة ثانية، من خلال إشارة ملتبسة للفيلم الوثائقي دون ذكر عنوانه، ولا مخرجته، ولا كاتب السيناريو، ولا منتجه، من أجل خلط الأوراق وتحميل مسؤولية ما وقع لمجموع شركات الإنتاج خاصة المحلية. وإذ يدين البلاغ ويستنكر ما وقع، فإنه في الحقيقة يدين المركز السينمائي لعدم قيام هذه المؤسسة بعملها".
ووصفت التنسيقية بلاغ المركز ب"الكاذب"، عندما شددت أن "البلاغ يمعن في الكذب حينما يزعم بأن المركز السينمائي هو من قرر إلغاء حفل اختتام المهرجان، والحقيقة هو أن السلطات المحلية هي التي قررت توقيف فعاليات المهرجان، وإلغاء جميع أنشطته بسبب الخطأ الجسيم الذي وقع فيه المركز".
وطالبت التنسيقية على "العمل على سحب هذا الفيلم ومنع عرضه بشكل نهائي، وكذلك سحب رخصة الإنتاج من الشركة المنتجة للفيلم وحرمانها من الاستفادة من أي دعم مستقبلا"، وكذا "سحب بطاقة الإخراج من مخرجة الفيلم الوثائقي"، وضرورة "إسناد إنتاج وإخراج وكتابة سيناريو الأفلام الوثائقية حول الصحراء لأبنائها الذين لهم اطلاع على ثقافتها وتاريخها"، فضلا عن "إحداث لجنة خاصة بدعم الفيلم الوثائقي حول الثقافة والتاريخ والمجال الصحراوي الحساني تتشكل من أبناء الصحراء"، و "العمل على الزيادة في الاعتمادات المالية المخصصة لصندوق الدعم وانفتاحه على الإنتاجات السينمائية الطويلة والقصيرة"، علاوة على "خلق آلية للتكوين لفائدة المهنيين وجعل مهرجان الفيلم الوثائقي محطة لتقديم الأفلام وتقييم الحصيلة السنوية للإنتاجات السينمائية بالصحراء".