AL RAYYAN, QATAR - DECEMBER 06: Walid Regragui, Head Coach of Morocco, celebrates after the team's victory in the penalty shoot ou during the FIFA World Cup Qatar 2022 Round of 16 match between Morocco and Spain at Education City Stadium on December 06, 2022 in Al Rayyan, Qatar. (Photo by Juan Luis Diaz/Quality Sport Images/Getty Images) يوم بيوم رقصة الأطلس نور الدين مفتاح نشر في 8 ديسمبر 2022 الساعة 12 و 04 دقيقة إنها فقط كرة القدم! نعم، ولكنها ساحرة، خطيرة، سحقت كل الرياضات وتفوقت على طبيعتها الأصلية، وحلقت بعيدا عن كونها مجرد لعبة، وجمعت حولها في العالم من الجماهير ما لا يمكن أن يجمعه أي نشاط تعبوي أو جماهيري من مختلف الآفاق على الإطلاق. لقد حملت مع توالي السنين من المعاني الرمزية والشحنات العاطفية ما جعلها قوة مستقلة تقارع قوة السياسة وقوة المال وقوة الدول. نور الدين مفتاح [email protected] آآآه كم كنا بحاجة إلى هذا الفرح العارم المسكوب في شوارع الوجدان، وكم كنا بحاجة إلى هذا الاغتسال من رتابة انتظار قاتل، وكم هي براقة مثل هذه الانتصارات التي يربح فيها بالتساوي الذين يشتركون في الانتماء لهذا الوطن. كم هي رائعة قفزاتنا وصرخاتنا وأهازيجنا والعناقات وزغاريد الأمهات ودموع الذين كانوا ينتظرون هذه اللحظة لتسجل في تاريخ الملاحم الوطنية. إنها فقط كرة القدم! نعم، ولكنها ساحرة، خطيرة، سحقت كل الرياضات وتفوقت على طبيعتها الأصلية، وحلقت بعيدا عن كونها مجرد لعبة، وجمعت حولها في العالم من الجماهير ما لا يمكن أن يجمعه أي نشاط تعبوي أو جماهيري من مختلف الآفاق على الإطلاق. لقد حملت مع توالي السنين من المعاني الرمزية والشحنات العاطفية ما جعلها قوة مستقلة تقارع قوة السياسة وقوة المال وقوة الدول. يقولون إنها القوة الناعمة، وهي أكبر من ذلك، أهناك شيء آخر أقوى يمكن أن يعطي مثل هذا الإحساس الذي يشعر به المغاربة اليوم وكأنهم استعادوا الأمجاد؟ هذا القميص الوطني رهيب. إنه قطعة قماش تحمل أفئدة شعب لا يمكن أن يلهب مخياله العام شيء أكثر منه. هذا القميص امتداد للعلم الوطني وللنشيد وللأغاني التي نحلم بغنائها جماعة عندما ننتصر على فوارقنا وانكساراتنا واحباطاتنا. هذا القميص خطير، فمرّات أصبح مشكلة انضافت إلى حزمة جراحات البلد، ولكنه، هذه المرّة، كان البلسم. كان بركانا انفجر ليكشف جوهر الانتماء، وحقيقة المشترك بيننا، إنه احتفاء وهدية من السماء ومن أرجل أبناء ترعرعوا هنا أو هناك، المهم أنهم ظلوا يحملون المغرب في قلوبهم وأهدوا المغاربة كل هذا الانتشاء. إن ما جرى في قصة هذا المنتخب الوطني يستحق أن يأخذ منه المسؤول العبرة. لقد تماطلنا وتواجهنا مع شباب مغربي رمزه اليوم هو زيّاش، لقد أخرجوا هذا النجم من الوطنية وكادوا يخرجونه من الملّة بدعاوى واهية، وساندوا أطروحة الانضباط الظالمة، وجرحوا كبرياء طاقة مغربية ترعرعت في المهجر ورفضت تغيير القميص الوطني واضطروها للاعتزال، وعندما لعنوا الشيطان الرجيم، وانحنى حائط العناد تحت ضغط الشارع التواق للانتصار، ها نحن نرى النتيجة! لقد اهتزت جوارحنا حتى قبل أن نمرّ لهذا الدور الثاني من هذه المنافسة العالمية الكبرى، ورأينا عيون اللاعبين البراقة، ورأينا ابتسامات أمهاتهم اللواتي يحملن في ملامحهن طابع تامغربيت محفورا من غطاء الرأس إلى أخمص القدمين. ما أجمل لكنة وليد الركراكي، ما أجمل هذه الطاقات التي لا تنتظر إلا ثقافة الاعتراف وتشجيع النجاح وتكافؤ الفرص ودحر الفساد والمفسدين في كل المجالات. ما جرى في قطر مع المنتخب المغربي درس لنا ولجميع القطاعات. افتحوا الأبواب للطاقات ولا تحرموا الأمهات والبسطاء والحالمين من لحظة افتخار بالانتماء. نحن قادرون على صنع المعجزات، لأننا جربناها في التاريخ، وهذا التاريخ الذي يكتب اليوم لن يحدد قيمته إلا نحن، فلماذا كان هذا الاستكبار من أجل أن تتسيّد حفنة لترضي أنانيتها فيما ملايين المغاربة يضيعون في حقهم في الرفاهية ولذاذة الانتصارات الممكنة؟ زياش رمز للرياضيين والطلبة والمستخدمين والباحثين والعمال والمقاولين الصغار والمتوسطين الحالمين الذين تكسرهم آلة الظلم. زيّاش وللأسف قصة تتكرر بشكل خرافي وتضيع على آلاف الشباب فرص التألق للمساهمة في البناء والرفاه. هذا الحدث في 2022 هو أكبر بكثير مما جرى في 1986 عندما تأهل أصدقاء عزيز بودربالة إلى الدور الثاني من مونديال مكسيكو منتصرين على منتخب البرتغال. هذا الحدث اليوم هو ملتقى طرق الأفراح، فمنافسات الكأس الذهبية منظمة في دولة عربية، وهذا فخر انتماء آخر رغم تشويشات غرب مهووس بتعميم نموذجه وحساس من الخصوصيات، سواء تعلق الأمر بحقوق المثليين أو بالمشروبات الكحولية في الشارع أو بأشياء قد تكون المؤاخذات فيها جدية، ولكنها في هذا العرس الكروي ينطبق عليها مثل الحق الذي يراد به باطل. السياسة حلال في الملاعب مع أوكرانيا حرام مع فلسطين، حلال مع ألوان قوس قزح للمثليين حرام مع الحجاب. هذا الانتماء يشبه دوائر متتابعة محكومة بقانون قرب هوياتي، فنحن مغاربة أولا ومغاربيون ثانيا وعرب ثالثا وأفارقة رابعا، واهتزازاتنا الداخلية تتبع بالترتيب هذا السلم اللاشعوري الذي تكشفه الكرة الساحرة ومشاعر الجماهير العفوية. ولهذا، تجد أن العطاء في المضمار يكون متبادلا، إذا منح الركراكي ووليداتو المغاربة كل هذه الشحنة من الإبهار والسعادة، فإنهم كذلك سيمنحونها للمغاربيين والعرب والأفارقة. وقد خرج إخواننا في أكثر من عاصمة يحتفلون بنا. ما أروع هذه الكرة التي تجمع الناس في الأفراح فقط، وأما إذا كتبت الهزيمة فكل امرئ ينزوي في ركن بيته ينصت لعظامه وحيدا بلا امتداد. ما أروعكم أيها الأسود، حين تزأرون، يستيقظ المارد الكامن فينا، ولا نرضى بأكثر من الخيلاء. ما يجري في مونديال 2022 فريد، وربّما لن يتكرر. هذا بلد عربي صغير جداً، وفي لحظة تاريخية يوجد فيها العرب في أسوأ أيّامهم، والصور النمطية في العالم تملأ المخيلات والشاشات والكتابات المنحازة، فإذا بصور ملاعب خارقة للعادة، وجماهير رائعة، وتنظيم محكم، وبطولة غير مسبوقة تسقط جزءا من هذا الظلم النمطي اتجاه العربي الإرهابي والشبقي والمهاجر السري والمتخلف! مونديال قطر كان جرافة كنست الكثير في أزبال الإيديولوجية العنصرية وخزعبلات اليمين الشعبوي المتطرف في جزء من الغرب المتعالي. المونديال كان نكسة لمن اعتقد أنه سيكون فاضحا لنا في هذا الشرق الحزين، وكان فرحة نتمنى أن تدوم. أن نفرح جميعا وبشكل متساو لمنتخبنا وأن يفرح معنا الجيران والمختلفون والخصوم والأحباب، وأن نفتخر بالتنظيم، وأن نقضي أيامنا والأرض المعشوشبة «تتكلم عربي»، فهذا حلم حقيقي ملموس نلتهمه التهاما حتى نكاد نقضم أصابعنا. إننا نستحق هذه القطعة من الفرح العارم لأنه شعور نادر في شرق وجنوب هذه الكرة الأرضية، فشكرا للأسود، شكرا لهذه الأرض الولادة، شكرا لهذه الصفحة التي ستكتب تاريخا جديدا لمحطاتنا الزاهية، وبالمزيد من المسرات والمباهج وعاش المغرييييب.