أمين الركراكي اعتبر منصف اليازغي، الباحث في السياسات الرياضية، أن التوظيف السياسي للرياضة بين المغرب والجزائر امتداد للصراع التاريخي بين النظام الرأسمالي والاشتراكي، وقد كان حاضرا بقوة في مختلف المواجهات الرياضية التي جمعت الجارين. وحذر اليازغي من تبعات هذا التشنج غير المسبوق الذي غدته وسائل التواصل الاجتماعي من الجانبين رغم أن المغرب الرسمي يتعامل مع الموضوع برزانة مقابل الرداءة التي طبعت ردود أفعال وسائل الإعلام الجزائري في غياب العقلاء من الجانبين. من خلال تجربتك، كيف تصف العلاقة بين السياسة والرياضة في المنطقة العربية، وتحديدا بين المغرب والجزائر؟ في البداية، علينا أن نعلم أن المغرب والجزائر ورثا معا مسألة توظيف الرياضة خلال مرحلة الصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي، أي بين أمريكا والاتحاد السوفياتي سابقا، حيث يكون فوز الرياضي بمثابة انتصار لعقيدة النظام الاشتراكي أو الرأسمالي. وهو صراع وصل حد استخدام المنشطات والإعداد البدني الشاق والمرهق وترهيب الرياضيين… إلخ. لاحظنا هذا الصراع في المغرب والجزائر بطرق أخرى، ففي المغرب كان معروفا عن الحسن الثاني شغفه بالرياضة وهو شغف حقيقي غير مصطنع، لأنه كان رجلا رياضيا بامتياز فكرا وممارسة، وهذا لا يعني وجود استراتيجية رياضية في ذلك الزمن ولكن للتأكيد على حضور الرياضة في أحاديثه وحواراته إلى درجة أن الأمر بلغ معه حد توصيف بعض المشاكل السياسية حتى التي تجري في فلسطين أو الاتحاد الأوربي بقاموس الرياضة. فقد وصف يوما علاقته بالأحزاب السياسة باستخدام مصطلحات كرة القدم، حيث اعتبر الأغلبية والمعارضة فريقين وهو الحكم الذي ينبه بعض اللاعبين ويخرج البطاقة الصفراء في وجه آخرين. كما كانت إجاباته على الأسئلة السياسة مستمدة من الرياضة، فشبه ذات مرة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بمباراة في كرة المضرب. لم يكن غريباً أن يتدخل الحسن الثاني في الممارسة الرياضية بشكل عميق جدا، ولو حصرنا حديثنا على صراعنا مع الجزائر سأضرب المثل بنموذجين: الأول في تصفيات كأس إفريقيا 1972 بالكاميرون حينما خسر المغرب ذهابا بالجزائر بهدفين دون رد، هزيمة لم يتقبلها الحسن الثاني في عز صراعه آنذاك مع بومدين والنقاش المتداول حول الصحراء ومؤتمر إفران، فبلغ به الأمر حد إرسال التشكيلة المقترحة لخوض مباراة الإياب للمدرب فيدينيك، والتي سلمها له محمد أوفقير. والجميل في الأمر أن إحدى الجرائد كتبت على صفحتها الأولى في اليوم الموالي: المجموعة التي عينها الحسن الثاني فازت على الجزائر. أما الحادث الثاني فكانت بتاريخ 9 دجنبر 1979 في تصفيات أولمبياد 1980 وحينها تحول الملعب إلى مرجل سياسي شهد صراعا بين نظامين. فالنظام الجزائري لجأ إلى منح اللاعبين منشطات وأدوية عن طريق طبيب روسي، فظهرت انعكاسات ذلك بعد عشرين سنة على اللاعبين وأبنائهم الذين ولدوا معوقين. أما في الجانب المغربي فكان الإعداد للمباراة سياسيا أكثر منه رياضيا، إلى درجة شُحِن خلالها اللاعبون بطريقة مثيرة جدا بلغت حد قدوم الوزراء إلى فندق لاسامير بالمحمدية لدعم اللاعبين كما أن الإذاعة الوطنية ظلت تبث الأغاني الوطنية طيلة يوم المباراة، في حين جاء المدرب متأخرا إلى الملعب بعدما قضى يومه في القصر الملكي. غير أن النتيجة كانت عكسية، إلى درجة أن الجمهور ردد حينها شعار «الصحرا مغربية والمنتخب فينا هو». لم تكن مواجهات المغرب والجزائر مباريات عادية ولم تكن بعيدة عن لغة الأخوة التي نؤمن بها ونستخدمها في خطاباتنا، لكن الأمور كانت تحتمل أبعادا أخرى إلى درجة تصوير فوز رياضي على أنه نصر سياسي، وطبيعي أن تحدث ارتدادات نتيجة ذلك كما حصل في مباراة المنتخبين المغربي والجزائري في كأس إفريقيا 2004 في تونس في ملعب سوسة. كنت حاضرا في تلك المباراة وظهر جليا أن الجمهور المتواجد كان مؤطرا من خلال الشعارات السياسة المحضة التي رددت يومها، وكان من الصعب أن يرددها الجمهور العادي فقد تعرض النظام المغربي والملك الراحل للسب ورددت شعارات مناوئة للصحراء المغربية. وما يحصل الآن في ظل هذا التشنج غير المسبوق هو تصريف الخلافات السياسية على أرضية الملعب، من خلال شحن إضافي للاعبين الشباب بطريقة تخرجهم من الإطار الرياضي إلى الصراع النفسي مع الآخر، على أساس أنه عدو. الجزائر تتحمل مسؤولية ما حدث في نهائي كأس العرب الأخيرة حينما لم تحترم أصول الضيافة، ففي النهاية نحن ضيوف، والمعروف عنا أننا نكرم الضيف عندما يدخل بيوتنا. أما الرئيس تبون فيصور أي انتصار رياضي كيفما كان على أنه إنجاز للدولة الجزائرية، فكيف يعقل أن الرئيس يبعث تهنئة للمنتخب الجزائري وبلد المليون شهيد، من ألمانيا حيث كان يعالج، بعد فوز على نظيره المغربي في كرة اليد في الدور الأول من كأس العالم في مصر، أي في مباراة لا تعني شيئا بعد. نحن بلدان لم يطورا نفسيهما على مستوى الأداء الرياضي، وبلغا مستوى متخلفا من الصراع على أرضية الميدان. يقال إن الرياضة تقرب بين الشعوب لكننا أصبحنا نرى طغيان مصطلحات الكراهية بين الشعبين المغربي والجزائري في وسائل التواصل الاجتماعي. ما هي العوامل التي غذت هذا الشعور السلبي بين الشعبين؟ تماما، سأضيف إشارة في هذا الجانب تتعلق بالألعاب الأولمبية التي كانت تنظم قديما منذ عهد الرومان وإسبرطة وأثينا، حيث كانت الحروب تتوقف خلال المباريات الرياضية أو لنقل إن الأحداث الرياضية تتسبب في وقف الحروب. وسائل التواصل الاجتماعي تشعل فتيل هذا النقاش لأنها بيد أشخاص من مستوى ثقافي معين يساهمون في تهييج النفوس. غير أن المغرب يتفوق على الجزائر في كون وسائل إعلامه الرسمية لا تسب ولا تشتم في حين أن هذه الظاهرة موجودة لدى الجزائر. وسائل التواصل الاجتماعي غذت الصراع وجعلته يتخذ أبعادا أخرى ومستوى خطيرا جدا يهدد علاقة الشعوب ببعضها البعض مما يعطينا صورة كما لو أن الشعبين الجزائري والمغربي في مواجهة، والحقيقة أن الأمر يتعلق ببعض الأفراد فقط. كما أن المغرب الرسمي والشعبي يفتح أبوابه المشرعة للجزائريين سواء الرياضيين أو غيرهم في حين أن الجزائر الرسمية منعت وفدا صحفيا من تغطية حدث رياضي. كيف تفسر هذا؟ المغرب يتعامل برزانة مع هذا الوضع، فالإعلام الرسمي لم يثبت عنه أي تجاوز في حق الجزائر في حين أن ما يبثه الإعلام الجزائري سواء المرئي أو المكتوب يفوق الخيال، وأنا أتابع هذا الموضوع يوميا وأحيانا أشفق على دولة مثل الجزائر نعرف جيدا كتابها ومفكريها وشعراءها، أن تتوفر على إعلام بهذا المستوى من الرداءة والدناءة. وفي الوقت الذي يفتح فيه ملك البلاد ذراعي المغرب أمام الشعب الجزائري، نفاجأ بمنع صحفيينا من دخول الجزائر لتغطية الألعاب المتوسطية بدعوى أنهم مخبرين. بالله عليك هل هذه التهمة مازالت تصلح اليوم في عهد سيطرت فيه الأقمار الصناعية وطائرات الدرون وغيرها من التقنيات؟ وهنا ربما تظهر الهواية في التعامل مع هذه الأزمة. رياضيا، إذا استمر الوضع بهذا الشكل ولم يتدخل عقلاء البلدين للحد من هذا الأمر سنصل إلى مستوى خلق حالة استنفار خلال استقبال فريق رياضي مستقبلا هنا أو هناك، كما يمكن أن نشهد انسحابات في المستقبل خوفا من تكرار ما حدث مؤخرا، لأن درجة الاحتقان ربما تهدد سلامة الرياضيين المشاركين. وهذا يضرب في العمق الأسس التي أنشئت عليها الاتحادات الرياضية العربية والإفريقية. ماذا خسرنا في المنطقة المغاربية رياضيا بسبب الأزمة الديبلوماسية الطويلة بين المغرب والجزائر؟ كانت البطولات في شمال إفريقيا والمغرب العربي تتيح المنافسة بين هذه الدول في جميع الرياضات، وهذا أصبح في خبر كان، كما تجلى في انسحاب المغرب من بعض المنافسات التي أقيمت في تونس مؤخرا. مسألة أخرى مهمة تتعلق بمبادرة لاعتبار اللاعبين المغاربيين محليين في البطولات وليسوا محترفين أجانب وهي تجربة ضربت في العمق. يحسب للمغرب أنه أثبت انفتاحه على الجزائر بشكل كبير على مستوى اللاعبين فالرجاء مثلا يتوفر على 4 لاعبين من الجزائر، والمدربون الجزائريون استأنسوا بالتجربة المغربية والمعيش اليومي المغربي، وبالتالي فهم يعودون إليه مرارا، حتى أن ابن شيخة اليوم قد لا تعتبره جزائريا. الخلاصة، أن المغرب منفتح في هذا الجانب من خلال إعطاء البطولات الرياضية بعدا مغاربيا مقابل انغلاق الطرف الآخر.