يرسّخ سؤال ماذا يحدث بين فرنسا والمغرب من حالة فتور تقفز إلى مرحلة التوتر في نسقه الصمت؟، قناعة أن مياه كثيرة جرت تحت جسر العلاقات الثنائية التي كشفت واقعة استقبال من تسمى "رئيسة الرابطة الصحراوية لحقوق الإنسان"، المدعوة سلطانة خيا، مرفوقة بمن يدعى "ممثل جبهة البوليساريو الانفصالية بفرنسا"، محمد سيداتي، نهاية الأسبوع الماضي، بمقر البرلمان الفرنسي من قبل النائب بالبرلمان ذاته جون بول لوكوك. يأتي هذا في سياق ما تمر به العلاقات المغربية الفرنسية منذ أزيد من سنتين من مرحلة برود كبير، تفاقم ذلك باتهام المملكة باستخدام برنامج "بيغاسوس" للتجسس على هواتف شخصيات فرنسية بارزة في مقدمتها الرئيس إيمانويل ماكرون، زد على ذلك إقدام فرنسا على خفض التأشيرات الممنوحة للمغاربة، وزيارة ماكرون للجزائر.
وقال عبدالعالي الكارح أستاذ القانون العام، إنه محاولة تفسير الفعل السياسي من خلال استقبال وفد البوليساريو بالبرلمان الفرنسي، ينهل من شتى سياقات وتحولات سياسية تهدف إلى اللعب على نقاط استراتيجية كملف الصحراء المغربية لتحقيق مكاسب دبلوماسية، خاصة وأن باريس بدأت تعي أن منطقة شمال إفريقيا أصبحت تحت أضواء القوى الدولية منها واشنطن وموسكو.
وأضاف المحلل السياسي أنه بغض النظر عن دلالة استقبال وفد البوليساريو سياسي، هو يبقى نسبيا معزولا إذا ما وضعناه في سياقه الداخلي لفرنسا، بحيث أن الاستقبال لا يلزم البرلمان و الحكومة، وإنما هو توصيف للحالة النظام الفرنسي الذي لا يشكل كتلة منسجمة، وربما هذا ما يفسر التحولات المتسارعة في المواقف حيال العلاقات الفرنسية المغربية؛ فهي تارة في حالة نفور، وتارة أخرى تتأرجح بين الفتور والجمود.
واعتبر أن حرارة العلاقة بين باريسوالرباط تخضع للمزاج السياسي العام داخل فرنسا، وكذا لحسابات أجهزة الاستخبارات الفرنسية وتقديراتها للعلاقة مع بلدان شمال إفريقيا.
من المؤشرات الأخرى لوجه الأزمة الفرنسية المغربية، تسجيل نوع من "رد الفعل البارد" لباريس حيال قرار إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب الاعتراف بمغربية الصحراء في دجنبر 2020، إذ ترى الرباط أن موقف باريس لم يرق إلى مستوى الدعم الكامل للمملكة في ملف الصحراء، على الرغم من أنه موقف حافظ في جوهره على تأييد الطرح الذي يقدمه المغرب لحل النزاع المفتعل، متمثلاً في الحكم الذاتي.
ومن مؤشرات الجمود في العلاقات بين البلدين توقف الزيارات الدبلوماسية المتبادلة بين بينهما منذ شهور، حيث تعود آخر زيارة لمسؤول فرنسي للمغرب إلى نونبر 2021 ويتعلق الأمر بالوزير المنتدب المكلف بشؤون التجارة الخارجية "فرانك رياستر".
وكان الملك محمد السادس قد شدد، خلال خطاب بمناسبة ثورة الملك والشعب، على أن ملف الصحراء المغربية هو النظارة التي ينظر منها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس صدق الصداقات ونجاعة الشراكات.
ودعا الملك شركاء المملكة التقليديين، إلى توضيح موقفهم من قضية الصحراء المغربية بشكل لا يقبل التأويل، معبرا عن شكره لمختلف الدول التي دعمت مغربية الصحراء وساندت مقترح الحكم الذاتي، والتي فتحت قنصليات بالأقاليم الصحراوية، مشيدا بالموقفين الأمريكي والإسباني.