"كان أبي يدعمني بقوة منذ صغري، كان يرى فيّ اللاعبة الموهوبة التي تصلح لأن تكون لاعبة كرة قدم في المستقبل"، بهذه الكلمات تنطلق غزلان الشباك، في الحديث عن بدايتها الكروية، منذ أن كانت طفلة تلاحقُ المُستديرة في شارع الحي، إلى خوض أولى تجارب في عدد من الفرق الوطنية، وصولا إلى الاحتراف، والحصول على لقب هدافة الدوري المغربي. من البداية غزلان من مواليد 22 غشت 1990 بمدينة الدارالبيضاء، تعلمت أولى أبجديات الساحرة المستديرة من والدها العربي الشباك رحمه الله، الذي سبق له اللعب مع المنتخب الوطني المغربي، وذلك عن عُمر الثماني سنوات، انطلاقا من شوارع الحي، ثم لفريق الحي، ثم فرض نفسها كاسم له قدراته الرياضية في ميدان كرة القدم النسائية.
كان المرحوم العربي الشباك كثيرا ما يقول لوالدة غزلان، التي كانت بداية رافضة لخوض ابنتها لغمار كرة القدم "ابنتي هي من ستحيي اسمي مجددا في سماء كرة القدم المغربية"، وهذا ما حصل جليا، كلما مرّت الأيام، كانت غزلان تحمل حُلما على عاتقها، فأعادت إحياء اسم والدها في ساحة كرة القدم الوطنية، بصيغة نسائية. ترعرعت غزلان وسط عائلة رياضية، الشيء الذي جعل حُب المستديرة ينموا بداخلها ويغدو شغفا، إذ تقول في إحدى اللقاءات الإعلامية السابقة: "لم تكن لإخوتي سلطة تحُد من حريتي في لعب كرة القدم أو تمنعني من ممارسة هوايتي المُفضلة، ولاسيما بعد أن لفتت انتباههم قدراتي الفنية، لقد ساعدوني كثيرا" مشيرة إلى أن والدها لم يكن قلقا عليها منذ البداية، لأن انطلاقتها الأولى كانت بجانب إخوتها.
وتزيد غزلان، في لحظة بوح صادق، "كُنت الفتاة الوحيدة التي تلعب مع الأولاد في الحي، كان ذلك غريبا في مجتمعنا المغربي الذكوري الذي يزداد استغرابه لما يراك تمارسين رياضة تصلح في ظنه للرجال فحسب، وأنا أساسا كنت أحسب بداية أنني الفتاة الوحيدة في العالم التي تلعب كرة القدم، قبل أن أنفتح على الميدان أكثر، وأكتشف أنني واحدة من فتيات كثيرات تُداعبن الساحرة المُستديرة".
غزلان.. لبؤة الأطلس أولى الفرق التي تلقّت فيها غزلان، أول تدريب مُحترف، كان "فريق دفاع عين السبع" بالدارالبيضاء وكان آنذاك مدرب الفريق يسمح لها باللعب إلى جانب اللاعبين الفتيان لكي يزداد مستوى المنافسة عندها، حيث أنه لم يكن فريقا للفتيات، فتقول غزلان "اللعب مع الفتيان مكنني من تعميق فهمي لكرة القدم، لقد استطعت استيعاب دور اللاعب في الفريق وأثناء المباريات، وكيف يمكن له أن يلعب بطريقة جيدة في مختلف المراكز داخل الملعب". إلى ذلك، مضت غزلان، التي تلعب مُهاجمة قناصة، للانخراط في صفوف فريق "الرشاد البرنوصي" بالدارالبيضاء، الذي كان يضم فريق كرة قدم نسائي، الشيء الذي جعلها تكتشف لاعبات أخريات يشاطرنها الحب والشغف للكرة المستديرة، فتعربُ عن سعادتها بالقول: "كنت سعيدة حين لمحت لاعبات كرة قدم أخيرا، وازداد منسوب سعادتي لما علمت بأن هناك فرقا نسائية أخرى سنواجهها وسنلعب أمامها".
من فريق إلى آخر، مشت غزلان على مسار درب الاحتراف الكُروي، فكانت قادرة على تنظيم وقتها ما بين الدراسة والكرة، إلا أن ذلك لم يستمر طويلا، حيث أنها بالتحاقها بصفوف المنتخب الوطني لأول مرة سنة 2007، أصبح لزاما عليها البقاء في المعسكرات التدريبية لفترة تتراوح ما بين أسبوعين إلى ثلاث، فلم تكن آنذاك قادرة على الالتحاق بمقاعد الدراسة، على غرار باقي زميلاتها بالفريق، لأن المعسكرات تكون مُغلقة وتتطلب تركيزا عاليا للمقابلات والاستحقاقات المقبلة.
بأسف تتحدث غزلان، عن هذه المرحلة من حياتها، حيث كان لزاما عليها الاختيار بين الاستمرار في الدراسة أو مُعانقة الدائرة المستديرة، غير أن الغصّة سرعان ما ذابت، فكان التحاقها بفريق المنتخب الوطني "لبؤات الأطلس"، خير عزاء لها، فتقول "سررت عندما تم الاتصال بي لأول مرة لحمل قميص المنتخب المغربي الذي أعتبره فخرا كبيرا، والذي سجلت أكثر من 20 هدفا لصالحه، لكن السعادة الأكبر كانت لأمي وأبي الذين تعبا من كلام الناس عني وعن ممارستي لكرة القدم، لقد استطعت إسعادهما أخيرا بعد أن شاركاني همومي وساعداني ماديا ومعنويا كي أصل لمبتغاي".
أفضل لاعبة مغربية في سنة 2010، قبلت غزلان بعرض فريق مصر المقاصة، حيث كانت ترى أنه في مصر كان هناك اهتمام مُتزايد بكرة القدم النسائية، إلا أن اندلاع فتيل ثورة 25 يناير وعدم استقرار الوضع السياسي والأمني بمصر، دفعاها للعودة إلى أرض الوطن والالتحاق بفريق الجيش الملكي بالعاصمة الرباط، فيلمع اسمها وطنيا، من جديد بعد حصاد لقب البطولة الوطنية لكرة القدم للسيدات، لسابع مرة في تاريخ الفريق، والخامسة على التوالي، خلال السنة الماضية؛ فتحصل بعد ذلك على جائزة أفضل لاعبة مغربية لمدة أربع مرات. وتجدر الإشارة، أنه خلال السنة الجارية، تم اختيار غزلان الشباك، من طرف الاتحاد الافريقي لكرة القدم، أفضل لاعبة في دور المجموعات لكأس أمم أفريقيا للسيدات 2022 التي تستضيفها المغرب لغاية 23 يوليوز الجاري، ويأتي تتويج قائدة المنتخب المغربي للسيدات بالجائزة نظرا للجهود التي بذلتها رفقة زميلاتها في المباريات الثلاث الأولى من البطولة "والتس ادت" في فوزهن على بوركينا فاسو (1-0)، أوغندا (3-1) والسنغال (1-0).
مفتاح النجاح بالنسبة للبؤة الأطلس، لا يكمن فقط في الموهبة والاحترافية، وإنما في الهدوء، والتركيز بثبات، ثم المُراوغة فالتسجيل، وبذلك استطاعت التميز على أرضية الملعب، وسرقة قلوب المغاربة بكامل من الدعم والحب، فأصبحت كرة القدم النسائية، بفضلها إلى جانب رفيقاتها، مُتعة للفرجة، والمُواكبة، من طرف جُل المواطنين المغاربة، الشغوفين للفرحة، بقلب كبير.