تتحرك أوراق الضغط على شطآن المتوسط حسب اتجاه رياح السياسة ومصالحها، التي هبّت وتم اغتنامها..فالمغرب الذي دخل طيلة شهور نفق الأزمة مع اسبانيا، خرج وهذه الأخيرة بمكاسب، منها إقرار بوجاهة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، واتفاقيات تجارية وتوافقات حول ملفات متشابكة راعت فيها كل من مدريدوالرباط مصالحهما أولا، بما أن أساس السياسات الخارجية تحددها الغايات ونقط الوصول. تحوّل في علاقات مدريدوالرباط من أقصاها إلى أقصاها، أدخل نظيرتها الجزائرية الإسبانية سرداب التوتر الدبلوماسي، الذي قد يطال انعكاسه إلى دول الاتحاد الأوروبي مادعاها إلى تحذير النظام السياسي في الجزائر وإشهار "العين الحمراء" في وجه قصر المرادية الذي يضع يده على زناد الغاز مهددا بقطع إمداداته عن اسبانيا التي تستورد حاجياتها بنسبة 23 في المائة.
ورغم تسارع فصول الأزمة والأحداث..الجزائر أعلنت مقاطعتها التجارية لإسبانيا، إلا أنها فضّلت إبقاء ورقة الغاز خارج الحسابات السياسية في هذه الفترة، بالرغم من عدم استبعاد استعمالها وفق مقتضيات الساعة.
ولم تمهل الجزائر إسبانيا كثيرا من الوقت، قبل تنفيذ تهديداتها بمراجعة علاقاتها السياسية والاقتصادية، خاصة مع مدريد، في خضم أزمة سياسية ودبلوماسية متفاقمة بين البلدين منذ مارس، إثر قرار مدريد دعم خطة الحكم الذاتي التي تقترحها الرباط بشأن ملف الصحراء المغربية.
ولم تستبعد تقيمات للوضع السياسي في المنطقة، من إمكانية دخول النظام السياسي الجزائري في توافق مع روسيا بشأن موضوع الغاز بما أن موسكو تحاول جرّ دول الإتحاد إلى طاولة مفاوضات مستعملة ورقة لانتزاع غنائم سياسية.
وشهدت سنة 2020 حرب أسعار بين مدريدوالجزائر، بعد تجميد "ناتورجي إنرجي" عقود إمدادات الغاز المبرمة مع "سوناطراك"، من شهر مارس إلى أكتوبر من السنة نفسها، بعد انهيار الأسعار في الأسواق العالمية، وانتهى الخلاف بعد مفاوضات طويلة بين الحكومتين رضخت فيه الجزائر للمطالب الإسبانية.
وتورد الجزائر إلى إسبانيا عبر خط بحري يربط بني صاف الجزائرية بألميريا الإسبانية، ما بين 8.5 و10 مليارات متر مكعب من الغاز، أي ما يعادل 34 بالمائة من احتياجاتها من الغاز الطبيعي المسال. ويلزم العقد الموقع بين "سوناطراك" و"ناتورجي" المبرم في غشت 2018، شركة "ناتورجي إنرجي"، المعروفة سابقاً باسم "غاز ناتورال فينوسا"، بشراء الغاز الجزائري ب4 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، بكمية تبلغ 8 مليارات متر مكعب طوال مدة العقد.
ويشترط العقد على الإسبان أن يواصلوا شراء الغاز الطبيعي الجزائري، حتى لو استمرت الأسعار العالمية في الانخفاض، امتثالاً لبند "خذ أو ادفع" الذي تشترطه الجزائر لتأمين عقود الغاز طويلة الأجل.
في المقابل، عودة الدفئ في العلاقات الإسبانية المغربية، انعكس هو الأخر على ملف الغاز بعد اتفاق حول إعادة تشغيل أنبوب الغاز المغاربي-الأوروبي في الاتجاه المعاكس؛ ما سيسمح بتشغيل محطتيْ توليد الكهرباء بشمال البلاد المتوقفتين عن العمل منذ تعليق عمليات تسليم الغاز عبر خط الأنابيب القادم من الجزائر باتجاه إسبانيا.
وافقت إسبانيا على طلب المغرب بخصوص استيراد الغاز الطبيعي عبر الأنبوب المتوقف عن العمل، على الرغم من المعارضة التي أبداها "قصر المرادية" بخصوص هذه الخطوة في وقت سابق.
مدريد التي قرأت الوضع الجيو استراتيجي حاولت استباق الخطوة الجزائرية المتوقعة بشأن قطع الإمدادات حال انتهاء العقود المبرمة بين الجانبين، مادعاها إلى بحث أسواق جديدة على غرار قطر التي زار أميرها خلال الأيام الماضية مدريد ووقع اتفاقات اقتصادية لم يتم الكشف عن تفاصيلها، أيضا استقبلت مدريد رئيس نيجيريا في أفق اعتمادها على الغاز النيجيري كذلك بإعتبار أبوجا أحد أكبر مصدري الغاز عالميا.