خطأ ابن كيران أنه لم يميز بين الحكم والحكومة، لم يع قاعدة ابن جني في باب "تصاقب الألفاظ لتصاقب العثماني"، بأن الزيادة في الحروف من باب الزيادة في المعاني، وصدق في ولايته الثانية حكاية "بغاني الشغب"، وكان بحاجة إلى النظر إلى أبعد مدى، حتى يستفيد من حكمة "كليلة ودمنة" كما نصحه عبد الهادي التازي، لذلك وجد نفسه في قلب "العقد" التي لا تنفك في مسار تشكيل الحكومة بعد تعيينه رئيسا لها على خلفية نتائج 7 أكتوبر 2016، كان قد ترك كل قوانين الفيزياء التي تعلمها في ثانوية مولاي يوسف وفي كلية العلوم بالرباط التي حصل منها على الإجازة وفي مدرسة المعلمين، وحافظ على قانون واحد هو الانجذاب إلى تشابكات السياسة، ولم تسعفه قفشاته ولا كؤوس الشاي التي أعدها لمحاوريه خلال مشاوراته التي كان يعود منها كل مرة بشهوة الشباك الفارغة لصياد يطارده الحظ. على خلاف سعد الدين العثماني، لم يغير ابن كيران الدائرة الانتخابية التي اعتاد الترشح فيها منذ عام 1997، ولم تنكسر شعبيته خلال عقدين من الزمان، ومنذ انتخابه أمينا عاما لحزب العدالة والتنمية عام 2008، أعطى ابن كيران إشعاعا قويا للحزب، يعود في زمن كبير منه إلى السياق الدولي والإقليمي، مع ما سمي بالربيع العربي، وفي جزئه الآخر إلى شخصية عبد الإله ابن كيران التلقائي، المندفع، الزئبقي، ذي الحماسة الزائدة عن اللزوم، العنيد الذي لا يضبط عقارب غضبه ولسانه الذي جر عليه الكثير من الويلات بسبب زلاته… لكنه لم يبدل تبديلا، يجب أن نعترف له بهذه الصفة على الأقل. مع عزل الملك لعبد الإله لبن كيران، يبدو أنه قد انتهى الكلام، لقد بدأت صفحة جديدة، لكن هل انتهى حقا ابن كيران، أم سيعود مثل طائر الفينق ولو في زمن غير زماننا؟ الأكيد أن المغاربة سيفتقدون كثيرا ابن كيران.. لقد كان سياسيا فريدا، نمطا لوحده، وانتهى الكلام.