في ظل التطورات الإيجابية التي تشهدها العلاقة بين الرباطومدريد، وجه الملك محمد السادس، الخميس، الدعوة لرئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، لزيارة المملكة خلال الأيام المقبلة. جاء ذلك خلال اتصال هاتفي بينهما، وفق بلاغ للديوان الملكي، الذي أفاد "بأن الملك محمد السادس، وجه دعوة لرئيس الحكومة الإسبانية للقيام بزيارة للمغرب في الأيام القليلة القادمة".
وأعرب الملك محمد السادس عن تقديره لمضمون الرسالة التي وجهها إليه رئيس الحكومة الإسبانية في 14 مارس الجاري.
واعتبر البلاغ أن "هذه الرسالة تنسجم وروح خطاب الملك محمد السادس في 20 غشت الماضي، وتستجيب لندائه بتدشين مرحلة جديدة وغير مسبوقة في العلاقات بين البلدين"، موضحا أن "الشراكة بين البلدين أضحت تندرج في إطار مرحلة جديدة، قائمة على الاحترام المتبادل والثقة المتبادلة والتشاور الدائم والتعاون الصريح والصادق".
وبحسب بلاغ الديوان الملكي، فإن "مختلف الوزراء والمسؤولين في البلدين مدعوون إلى تفعيل أنشطة ملموسة في إطار خارطة طريق طموحة تغطي جميع قطاعات الشراكة، وتشمل كل القضايا ذات الاهتمام المشترك".
وعقب المكالمة الهاتفية التي جمعت الملك محمد السادس، ورئيس الحكومة الإسبانية، أفادت مصادر دبلوماسية الخميس أنه تم إلغاء لقاء كان مقررا الجمعة في الرباط بين وزير الخارجية الإسباني ونظيره المغربي على أن يعقد الاجتماع على هامش زيارة رسمية للمغرب يقوم بها رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز "في موعد وشيك جدا".
وزيارة خوسيه مانويل ألباريس للرباط كانت تندرج في إطار تطبيع العلاقات بين البلدين اثر تغيير إسبانيا موقفها حيال ملف الصحراء المغربية.
وأضافت المصادر "أن دعوة الملك محمد السادس تتضمن حضور وزير الخارجية ضمن الوفد الإسباني. ولهذا السبب تقرر أن الاجتماع الذي كان مقررا عقده غدا (الجمعة) في الرباط بين وزيري الخارجية سيتم في إطار الزيارة المقبلة لرئيس الحكومة".
وفي الرباط أوضحت مصادر مطلعة على الملف إن المغرب أراد، بتأجيل زيارة ألباريس الجمعة، أن يكون إستئناف علاقاته مع جارته الشمالية على مستوى أعلى بحضور رئيس الوزراء الاسباني.
وفي 18 مارس الجاري، أنهت مدريدوالرباط أزمة دبلوماسية كبيرة امتدت نحو عام بعد تغيير موقف إسبانيا من ملف الصحراء المغربية، التي بعد أن التزمت الحياد لعقود، أعلنت دعمها خطة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب، معتبرة أنها "الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف" في الصحراء المغربية.
الموقف الإسباني الجديد بشأن قضية الصحراء المغربية، يأتي بعدما فشلت المفاوضات السرية بين المغرب وإسبانيا والتي جرت على مستويات متعددة إذ يتشبث كل طرف بموقفه، حيث كان يطالب المغرب قبل استئناف العلاقات بين البلدين، بموقف لين من إسبانيا في نزاع الصحراء المغربية، على الأقل عدم معارضة أي مبادرة ما وسط الاتحاد الأوروبي تعطي الأفضلية للحكم الذاتي، ثم إصرار إسبانيا على تصور جديد يقوم على الحصول على ضمانات من المغرب في مجالات منها الهجرة.
وفي الصدد، يرى عبد الفتاح الفاتحي، مدير مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الاستراتيجية، أن البلاغ الملكي بشان المحادثات الهاتفية بين الملك محمد السادس، ورئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، تضمن توجيها لوزراء البلدين للعمل على إنضاج مشاريع واتفاقيات تعكس قوة العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات.
وأضاف المحلل السياسي، في تصريح ل"الأيام24″، أن البلاغ الملكي توقع مشاريع وصفقات ضخمة ومتنوعة سيرأس حفل التوقيع على اتفاقياتها جلالة الملك محمد السادس ورىيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز.
وحسب الفاتحي، فإنه "يراد من ما يتوقع من إتفاقيات ثنائية وأخرى ممتدة تؤطر لشراكتهما الجيو-استراتيجية نحو إفريقيا وفق شراكة ندية تحما في حد ذاتها رسائل إلى أصحاب المصلحة بأن الرباطومدريد قرروا معا وبإرادتهما السيادية المضي قدما نحو مسار جديد ولا مجال للتراجع أو التشويش عنه.
واعتبر الفاتحي، أنه "حين يصدر البلاغ الملكي عقب نجاح رئيس الحكومة الإسبانية، في الانتصار لقرار حكومته بدعم مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء أمام برلمان بلاده فإن ذلك يفيد بأن إسبانيا قررت بقناعة ثابتة القدوم في علاقات جيو-استراتيجية جديدة مع المغرب وأنها لن تلتفت إلى المزايدات الجزائرية بسلك حليفتها روسيا حين توظف ورقة الغاز للضغط على إسبانيا.
وأعرب المحلل السياسي، عن "اعتقاده بأن التوجيه الملكي سيقابله بالضرورة عمل مكثف لوزراء البلدين بالتشاور والتنسيق على أمل إعداد برنامج عمل يعكس قوة اللحظة التي خطط لها جلالة الملك حينما قاد مفاوضات شخصية مع القادة الإسبان توجت باختراق كبير لموقف إسبانيا الإيجابي حول ملف الصحراء المغربية".
وفضلا عن تغيير الموقف الاسباني من قضية الصحراء المغربية يرتبط البلدان بعدة قضايا مشتركة أبرزها محاربة الهجرة غير النظامية. فالمغرب معبر رئيسي للمهاجرين، القادمين غالبا من بلدان إفريقية بعيدة، باتجاه اسبانيا القارية عبر المتوسط أو جزر الكناري عبر المحيط الأطلسي فضلا عن سبتة ومليلية المحتلتين.
كما ينتظر أن يؤدي تطبيع العلاقات بين الجارين إلى إعادة فتح الخطوط البحرية بينهما، علما أن موانئ اسبانيا الجنوبية ممر رئيسي للمهاجرين المغاربة المقيمين بأوروبا في رحلات عودتهم إلى بلادهم خلال العطل الصيفية. وهي الرحلات التي استثنى منها المغرب الموانئ الاسبانية الصيف الماضي، في ظل الأزمة بين البلدين.