يتواصل صدى دق ناقوس الخطر بخصوص الوضعية المائية في المغرب التي دخلت مرحلة حرجة تهدد معها الأمن المائي بالبلاد، لاسيما في وقت يشهد فيه المغرب تغيرات مناخية على غرار هاته السنة التي عرفت قلة في نسبة التساقطات ما أثر على منسوب ملئ السدود، علاوة أن مشكل الماء يبرز ظاهرة الإستهلاك المفرط ما أدخل المغرب وبقوة نادي الدول العشرين الأكثر إجهادا في موضوع الماء. وكشفت معطيات رسمية على أن الوضع المائي في المغرب يتسم بتوزيع بنيوي غير متوازن بين الأحواض المائية من حيث الإمدادات السنوية بالمياه، بالإضافة للتفاوتات الكبيرة في الزمن وكذا بين المناطق. في هذا الصدد، تتراوح هذه الإمدادات بين بضعة ملايين متر مكعب في الأحواض الأكثر جفافا ومليارات الأمتار المكعبة في الأحواض الأكثر رطوبة. وينجم عن ذلك وجود فائض في بعض الأحواض يتم أحيانا تصريفه في البحر مع عدم الإستفادة منه، كما هو الشأن بالنسبة لسد الوحدة.
وبحسب أرقام المجلس الأعلى للحسبات في اخر تقرير له برسم سنتي 2019-2020، فإن بعض المناطق الأخرى تعاني من صعوبة توفير موارد مائية من أجل السقي وفي بعض الحالات من أجل الشرب. ولمواجهة هذا الوضع، نص مشروع المخطط الوطني للماء على إنجاز مشروعين رئيسيين للربط بين الأحواض المائية من أجل الإستفادة من جزء من ملايين الأمتار المكعبة من المياه التي تصب سنويا في البحر ولتحسين إمدادات الأحواض المستقبلة. غير أن هذه المشاريع تواجهها عقبة التمويل ويطرح بشأنها سؤال الإستدامة في ظل ظرفية يسودها التغير المناخي.
في سياق يتسم بالإجهاد المائي، تبلغ كمية الموارد المائية المتاحة والقابلة للإستغلال المستدام 5.14 مليار متر مكعب سنويا، في حين تبلغ كمية الموارد المستعملة 8.13 مليار متر مكعب سنويا . غير أن المياه الجوفية يتم استغلالها بشكل مفرط، بحيث تبلغ كمية الموارد المائية المستنزفة وغير القابلة للتجديد 1.1 مليار متر مكعب في السنة، مقابل كمية تناهز 7.1 مليار متر مكعب سنويا من المياه السطحية المعبأة مسبقا بواسطة السدود دون أن يتم استعمالها.
ومن خلال تحليل المعطيات المتعلقة بتلبية الإحتياجات المائية الفلاحية خلال العشرين سنة الماضية، يتبين وفق تقرير المجلس، وجود فوارق مهمة بين إمدادات مياه السقي التي يتم ضخها فعليا من السدود، والكميات التي كانت مخصصة لهذا الغرض حسب المخططات التوجيهية للتنمية المندمجة للموارد المائية، والتي تمثل احتياجات الري خلال موسم عادي. وقد لوحظت هذه الفوارق في جميع مدارات السقي الكبرى تقريبا، باستثناء "سهل الغرب" عدا "حوض بهت واللوكوس".
وتواجه بعض الأحواض المائية مستويات من الإجهاد المائي تهدد استمرارية إمدادات الماء لفائدة بعض القطاعات الزراعية والتي تعتبر استراتيجية بالنسبة للأمن الغذائي والنمو االقتصادي للبلاد. كما تؤدي الحاجة المتزايدة لتزويد المدن الكبرى بمياه الشرب التي كانت في الأصل موجهة للسقي، إلى خسائر كبيرة خلال بعض المواسم الفلاحية ، لاسيما على مستوى أحواض سوس ماسة وأم الربيع السفلى وتانسيفت ومولوية السفلى.
من جانبه يؤدي نقص المياه في الأحواض المائية إلى استغلال مفرط للمياه الجوفية. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن المغرب يتوفر على 130 فرشة مائية سطحية و32 فرشة مائية عميقاة، غير أن الإستغلال المفرط لهذه المياه يؤدي إلى عجز تراكمي يقدر بنحو 1.1 مليار متر مكعب سنويا. في هذا الإطار، لوحظ عدم تمكن المتدخلين العموميين من إبرام عقود للمياه الجوفية من أجل ضمان الإستخدام المستدام للمياه والحفاظ عليه.
وتواجه تعبئة الموارد المائية ظاهرة توحل السدود التي تؤدي إلى تناقص السعة التخزينية الإجمالية للسدود بما يقدر ب 75 مليون متر مكعب سنويا. و يتراوح معدل توحل السدود من حوالي مليون إلى 18 مليون متر مكعب في السنة، وذلك حسب الطبيعة المورفولوجية للأحواض المائية والغطاء النباتي. إلا أن هذه 21 ورغم تحقيق مكاسب مهمة عن طريق المشاريع المنجزة في إطار المخطط الوطني لتهيئة الأحواض المائية. وتظل الإنجازات المحققة في هذا الباب أقل من الأهداف المسطرة، حيث تمت معالجة 50 %فقط من المساحة المبرمجة خلال الفترة المخطط لها "1996-2016″، ويرجع هذا الوضع إلى عدم تعميم مقاربة النظام الإيكولوجي. ومن شأن هذه المقاربة ضمان تكامل المكونات المختلفة للمشاريع المائية لتجنب عدم التوافق بين المنشآت التي يتم تنفيذها ناحية المصب وتلك المتعلقة بالحماية من جهة المنبع. وقد تسارعت وتيرة تهيئة الأحواض في السنوات الأخيرة، بحيث بلغت حاليا المساحة المهيئة 950 ألف هكتار.
وتجاوزا لظاهرة تناقص سعة السدود ونقص كفاءة شبكات النقل والتوزيع، فالأرقام تشير إلى نسبة ضياع الماء في أنظمة الري 30 في المائة وعلى مستوى قنوات النقل ب 10 في المائة وبين 15 و 20 في المائة في الأودية المستخدمة لنقل المياه، ونسبةضياع الماء على مستوى شبكات توزيع مياه الشرب ب 24 في المائة.
وأمام تناقص هامش المرونة في تعبئة موارد المياه الإعتيادية، من شأن اللجوء إلى المصادر غير الإعتيادية إتاحة إمكانات مهمة، غير أن هذه المصادر تبقى غير مستغلة بشكل كا ٍف. لذلك تعتبر تحلية مياه البحر، وإزالة المعادن من المياه المالحة، وكذا إعادة استخدام المياه المعالجة، واستخدام مياه الأمطار، من بين الإجابات الممكنة للتكيف مع تسارع ندرة المياه، لاسيما في الأحواض المائية التي تمت تعبئة كل مواردها الإعتيادية.
غير أنه بالرغم من الإجراءات المتخذة في هذا الإطار، فإن تعبئة المياه غير الإعتيادية لا تزال محدودة، حيث لا تمثل هذه المياه سوى 9.0 %من إجمالي الموارد المائية المعبأة. ويرجع ذلك جزئيا إلى ارتفاع تكلفة إنجاز المنشآت الالزمة لهذا الغرض وكذا الطاقة الالزمة لتشغيلها.
مواجهة التناقص المتواصل للموارد المائية، أصبح الإنتقاء النباتي أمرا حتميا. لذلك، يعتبر البحث الزراعي من بين الوسائل الكفيلة بتقديم إجابات حول الطرق والوسائل التقنية الكفيلة بتكييف الطلب على المياه الزراعية حسب المياه المتوفرة. في هذا الصدد، لوحظ نقص في الإندماج بين البحث الزراعي والإختيارات المعتمدة في المجال الزراعي، وذلك فيما يتعلق بتطوير تقنيات زراعية جديدة أو إنشاء بذور وأصناف تناسب البيئات المعنية، وتكون أقل استهلاكا للماء وأكثر قدرة على مقاومة التغيرات المناخية.
ويتوفر المغرب على موارد مائية تقدر ب ب 22 مليار متر مكعب في السنة، وبالتالي هو من بين الدول العشرين الأكثر إجهادا في العالم من حيث توفر هذه الموارد ، إذ يبلغ النصيب السنوي للفرد من الموارد المائية 620 متر مكعب، وهذه الوضعية تضع المغرب تحت عتبة الندرة المطلقة المتمثلة في 500 متر مكعب للفرد.
وللحد من هذه الإشكالية، كان المغرب قد سلك سياسة إنشاء البنى التحتية المائية، حيث يتوفر المغرب حاليا على 149 سدا كبيرا بسعة تخزينية تناهز 19.1 مليار متر مكعب، علاوة عن حوالي مائة سد صغير وبحيرة تلية والاف الأبار والثقوب، وتستخدم المياه السطحية والجوفية المعبأة بشكل أساسي في السقي حوالي 88 في المائة والإمداد بالماء الصالح للشرب وتلبية احتياجات القطاعات الاقتصادية الأخرى حوالي 12 في المائة.