* زينب مركز رفعت المخابرات الإسبانية مؤخرا تقريرا سريا من 214 صفحة لرئيس الحكومة بيدرو سانشيز، يحذر من استخدام المغرب ل«استراتيجيات متعددة» لضم سبتة ومليلية. التقرير يحمل اسم «المستجد البحثي 19/2021» وعنوانه: «سحابة حمراء فوق مدريد»، ويحمل ختم كل من مركز الدراسات العليا للدفاع الوطني (CESEDEN) والمعهد الإسباني للدراسات الاستراتيجية IEEE وكلاهما تابعان لوزارة الدفاع. حذر التقرير الحكومة الإسبانية من استخدام الرباط استراتيجيات هجينة، أي متعددة، للضغط على إسبانيا لاستعادة المدينتين السليبتين بدون خوض حرب ميدانية، من توظيف سلاح الهجرة إلى بناء قاعدة عسكرية بالقرب من مليلية، وفتح مزرعة للأسماك بالقرب مما تعتبره مدريد مياها إقليمية إسبانية، وصولا إلى التحالف الجديد في المجال العسكري والاستخباراتي بين إسرائيل والمغرب، والذي جعل «نسبة الخطر تنتقل من المنطقة الصفراء إلى المنطقة الحمراء» بداية بالزيارة التي قام بها وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس إلى الرباط، حيث يقول التقرير: «سيتم تدشين اتفاق غير مسبوق سيجعل التفاوض مع المغرب من مكان قوة جد صعب إن لم نقل مستحيلا، فالاتفاق المرتقب، وحسب مصادرنا هناك، سيتيح للمغرب اقتناء معدات أمنية إسرائيلية عالية التكنولوجيا بسهولة، إضافة إلى التعاون في التخطيط العملياتي والبحث والتطوير التكنولوجي العسكري». ويتابع التقرير بلهجة تحذيرية: «نعلم جميعنا أن الأمة الإسبانية في خطر عظيم، فاللوبي اليهودي يمثل قوة الضغط الأولى في العالم، وبالتالي فإن التقارب المغربي الإسرائيلي أعطى الرباط قوة وتأثيرا في المنطقة، وقد سجلنا حماسا منقطع النظير في تصريحات المسؤولين الإسرائيليين المنحدرين من أصل مغربي ويشغلون أماكن حساسة في إسرائيل، ومكانة المغرب داخل إسرائيل جد متميزة بوجود مليون مغربي بالمدن الإسرائيلية». ويسترسل ذات المصدر في سرد ما تعتبره الاستخبارات الإسبانية خطرا من الجار المقلق على الضفة الأخرى من المتوسط قائلا: «إن التعاون المغربي – الإسرائيلي سيشمل بناء قاعدة عسكرية بالقرب من حدودنا الوطنية، ومشروع القاعدة العسكرية يفوق بكثير أهداف اتفاقية أبراهام والتي يعد المغرب عضوا فيها، كما توصلنا بمعلومات استخباراتية مفادها أن التعاون بين المغرب وإسرائيل قد يتجاوز الأمن والدفاع ليصل إلى اتفاق استخباراتي. وستعمل إسرائيل على تطوير صناعة محلية لإنتاج طائرات بدون طيار وهو ما من شأنه تعزيز القدرات الجوية المغربية، كما سيمكن الإسرائيليين من إنتاج طائرات بدون طيار بكميات كبيرة وبثمن أقل في المغرب، مما سيسمح لهم بالتموقع جيدا في أسواق التصدير. وهناك خطر في الجنوب كما في الشمال، فالسلطات المغربية منحت تصريحا بالتنقيب عن النفط في ساحل طرفاية لشركة قطرية بالقرب من مياه الكناري، والحكومة المحلية هناك منزعجة كثيرا من هذا التطور وتطالب مدريد بالتدخل العاجل، لأن اكتشاف النفط أو الغاز سيكون كارثيا على البيئة هناك. كما أن الرباط منحت تراخيص أيضا لشركة إسرائيلية للتنقيب عن النفط والغاز في مياه الصحراء بالداخلة وهي مياه تعد تابعة لإقليمنا هناك بجزر الكناري. هذا وإذا رجعنا لحدودنا الشمالية مع المغرب فهناك مستجد جد خطير أقدمت عليه الرباط، وهو ما لا يجب السكوت عنه مهما كانت التحديات، ويتعلق بإقدام السلطات المغربية على بناء مزرعة لتربية الأسماك بجوار المياه الإقليمية للجزر الجعفرية. وقد اتصلنا بأصدقائنا من المخابرات الأوروبية، لكن لم نجد ردة فعل قوية على التحركات المغربية، والكل يخاف من ردة فعل الرباط. أما في واشنطن، فاللوبي المغربي – اليهودي أغلق في وجهنا العديد من الأبواب، وأمريكا غير مستعدة لإعطاء دروس توجيهية للرباط، بل أصبح المغرب طفلها المدلل في شمال إفريقيا. والرباط أصبحت تزعجنا بشروطها وغير متحمسة لفتح حدود سبتة ومليلية، بل تجاوزت حدود اللباقة السياسية معنا، وبدأت تطالب بأمور تدخل في شؤوننا الداخلية كتسوية أوضاع المغاربة الذين يشتغلون في سبتة ومليلية، كما أن النشاط الاستخباراتي المغربي في المدينتين أصبح يفوق كل تصور، والإسبان من أصول مغربية أصبحوا يمثلون قنبلة موقوتة بالنسبة لنا، قد تحركها الرباط في أي لحظة وحين. وبالنسبة لترسيم الحدود البحرية فالسلطات المغربية متكاسلة في بحث الأمر معنا، ودائما تماطل بحجج غير مقنعة لكي لا تجلس إلى طاولة المفاوضات لحل الأمر، وموقفها الجيوسياسي القوي زادها تعنتا، فصارت غير مبالية». في قراءته لهذا التقرير، صرح عبد الرزاق الزرايدي، الخبير الاستراتيجي ورئيس معهد «رؤى فيزيون» أن اتفاقيات التعاون العسكري والاستراتيجي بين المغرب وإسرائيل الأسبوع الماضي أحدثت زلزالا جيوسياسيا إقليميا أغاظ المنافسين الإقليميين الكلاسيكيين الذين أصبحوا يتوجسون من القوة الجيوستراتيجية الجديدة للمغرب، وأصبحت أجهزتهم الاستخباراتية توصي بالحذر من القوة المتزايدة للمملكة، خاصة في المجال العسكري والاستخباراتي. فتعابير مثل «الاستراتيجية الهجينة» أي المتعددة الاتجاهات التي ينهجها المغرب، و»الصبر الاستراتيجي» كما ورد في التقرير الذي رفع إلى سانشيز رئيس الحكومة الإسبانية، تدل على تخوف كبير من تزايد نفوذ وقوة المغرب من خلال تطوير قدراته العسكرية والاستخباراتية. لكن ما لا يكشف عنه التقرير هو توجس إسبانيا من أن يعرض المغرب مدريد لإنهاك كبير دون خوض أي حرب، ليرفع كلفة احتفاظ إسبانيا بسبتة ومليلية على المدى المتوسط، فتصبح باهظة جدا». وبخصوص طبيعة الاتفاق المغربي الإسرائيلي يصرح الزرايدي: «هذا الاتفاق يروم إعادة تشكيل توازن جديد بالمنطقة أمام التحديات التي تواجه المملكة، كما أنه يروم الاستعداد لمواجهة التقارب العسكري والمخابراتي بين الجزائر وإيران من جهة، والاستقواء الإسباني بأوروبا وخصوصا تحالفها مع إيطاليا في إطار تشكيل قوة مشتركة بينهما ضمن مشروع الاكتفاء الذاتي الإستراتيجي العسكري الأوروبي غرب ضفة البحر الأبيض المتوسط، والذي تم الإعلان عنه الشهر الماضي من جهة أخرى. وهو ما يعني أن هناك تغييرا كبيرا في التموقع الاستراتيجي بالمنطقة على المديين القريب والمتوسط، لكن الحديث عن ضم سبتة ومليلية وتصوير الأمر كما لو أنه سيحدث خلال سنة أو سنتين، فيه فوبيا إسبانية وصراع انتخابي للرفع من البعد القومي وتعزيز الميزانية العسكرية والاستخباراتية بدعوى مواكبة ومراقبة التطور المتسارع للمغرب». من جهة أخرى، أوردت جريدة «لاراثون» في عددها الصادر يوم الاثنين الماضي توصية معهد الأمن والثقافة بأن على إسبانيا «أن تراقب النشاط المغربي» و»ألا تستهين بإعادة تسلحه»، وهو المعهد الذي ظل يحذر من أن المغرب لم ينس ادعاءاته بشأن سبتة ومليلية والصخور والجزر الإسبانية في شمال إفريقيا. والآن، يصر معهد الأمن والثقافة – من خلال مرصد سبتة ومليلية – على هذا الأمر، مذكرا أن الرباط تستخدم «استراتيجيات مختلطة وعمليات تأثير في المنطقة الرمادية» بهدف ضم هذه الأراضي. وعلى الرغم من أن الخبراء لا يعتبرون ذلك تهديدًا في الوقت الحالي، إلا أنهم يطلبون عدم الثقة ومراقبة إعادة التسلح العسكري للرباط. وتضيف الجريدة المعروفة بطبيعة مصادرها الاستخباراتية العسكرية أن ما ينبثق عن تقرير «مطالبات المغرب بشأن سبتة ومليلية من منظور المنطقة الرمادية، المقدم اليوم، يعتبر أن الوقت قد حان للتصدي بصرامة لمَواطن الضعف، لأن إسبانيا كدولة يجب أن تعرف كيفية منع المغرب من تحقيق أهدافه»، وفقًا لمدير المرصد كارلوس إتشيفيريا. ويوضح الخبراء أن الهدف من المنطقة الرمادية هو «دفع العلاقات بين دولتين لتغيير الوضع الراهن»، أي «تحقيق غايات مماثلة لتلك الخاصة بالحرب، ولكن بدون حرب». وآخر مثال حدث في ماي الماضي مع زحف آلاف المهاجرين الذين دخلوا سبتة، الأمر الذي أجبر الجيش على التدخل. واعتبر تقرير «لاراثون» أن المغرب «يتحلى بنوع من «الصبر الاستراتيجي» الذي يشكل أيضًا جزءًا من هذا النوع من الاستراتيجية، سواء كانت إغلاقًا للحدود دون دوافع أو السعي للحصول على دعم خارجي لمطالبه، كالذي حدث عندما اعترفت إدارة ترامب بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية». ولهذا السبب، تقول الصحيفة ذاتها أن المرصد يرى «من المستحسن أن تأخذ السلطات الإسبانية في الاعتبار المنظور المختلط والمتعدد عند تحليل السياسة المغربية تجاه سبتة ومليلية. لقد كانت حادثة سبتة في ماي الماضي بمثابة جرس إنذار». ويذكر أصحاب التقرير حسب «لاراثون» أن الرباط منهمكة في عملية إعادة تسليح مهمة، مع اقتناء كميات من العتاد العسكري وتوقيع الاتفاقات مثل التي تم التوصل إليها مؤخرًا مع إسرائيل. و»على الرغم من أن القوة العسكرية لها أهمية ثانوية في المنطقة الرمادية، فلا ينبغي التقليل من شأنها» لأنها، في النهاية، تقلل الفجوة العسكرية بين المغرب وإسبانيا. «برنامج الاستحواذ على القوات البرية والبحرية والجوية المغربية هو عامل آخر يجب أخذه في الاعتبار»، فقد حذر معدو التقرير من أنه «على الرغم من أن السلطات المغربية لا تفكر في القيام بعمل مسلح ضد سبتة ومليلية، لكن مجرد امتلاك هذه القدرات يمنحها ميزة في مواجهة تصعيد افتراضي في المنطقة الرمادية». بل إنه قد «يثير شكوكاً جدية من الجانب الإسباني حول الجدوى السياسية والعسكرية للدفاع عن سبتة ومليلية».