تحولت العلاقات المغربية مع السعودية والإمارات، من علاقات دبلوماسية بين دولتين إلى علاقة متينة تجمع العائلات الملكية هنا وهناك. لذلك حتى حين يتغير الحاكم أو تطفو على السطح أحداث من التصادم والاحتكاك اللحظي، سرعان ما تعود العلاقات بين المغرب ودول الخليج، خاصة السعودية والإمارات، إلى سابق عهدها وما كانت عليه من قوة ومتانة. ويفسر الكثير من الملاحظين هذه العلاقة النوعية التي تجمع بين المملكة الشريفة في المغرب الأقصى ودولتي الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية بالسياق التاريخي الذي لحم أضلاع الدول الثلاث، وعمق الأواصر التي جمعت المملكة المغربية على عهد الحسن الثاني وخلفه محمد السادس، مع العائلتين الحاكمتين في السعودية والإمارات، وهي أواصر تلقي بثقلها على المغرب ودول الخليج ووصلت إلى حد دعوة المغرب البعيد جغرافيا بآلاف الكيلومترات للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي. الأمر يعود في تقدير العديدين إلى طبيعة أنظمة هذه الدول: الملكية والإمارة، وإلى مسار تاريخي طويل أصبحت فيه العلاقات بين البلدان المشار إليها، علاقات شخصية تتجاوز دائرة الانشغالات السياسية والعلاقات الدبلوماسية، إلى نشوء ارتباطات صداقة بين زعماء الدول الثلاثة عبر أجيال متتالية، فيها الكثير من القرب النفسي والثقافي، خارج أوفاق ما تفرضه العلاقات بين الدول من مصالح. لقد ظلت دول الخليج، خاصة السعودية والإمارات، تدعم المغرب اقتصاديا وسياسيا، وظل هذا الأخير يقف إلى جانب السعودية حتى في حرب الخليج المدمرة، ويعبر عن حق الإمارات في سيادتها على الجزر التي تتصارع عليها مع إيران. وفوق هذا كان الملك فهد بن عبد العزيز هو الوسيط الرئيس في المصالحة الكبرى التي تمت بين الحسن الثاني والشاذلي بن جديد في "زوج بغال" في نهاية الثمانينيات. ولذلك حين وقع اختلاف في التقدير من حرب اليمن، حيث انسحب المغرب من الائتلاف الذي قادته السعودية والإمارات ضد هذا البلد العربي، أو في محاصرة عمالقة الخليج لقطر، وكان تقدير المغرب مختلفا في العديد من الملفات، عن مصالح الإمارات والسعودية في حرب الزعامات بالمنطقة، أو في امتداد الإمارات خاصة في نزاعات قريبة من المغرب، مثل ما حدث قبل سنوات في موريتانيا وليبيا أو في قضايا تأطير الجالية الإسلامية بدول أوربا المتوسطية، كان التنافر لحظيا ولا يمتد في الزمان ولا تكون له انعكاسات كبرى على باقي المجالات، إذ سرعان ما يخبو الجفاء وتعود العلاقات بين البلدان الثلاثة إلى سابق عهدها، بدليل ما عبرت عنه السعودية ودولة الإمارات من موقف داعم للوحدة الترابية للمملكة في مجلس الأمن وفي فتح قنصلية للإمارات في قلب الصحراء المغربية. في هذا الملف، نستعيد بعض اللحظات الطريفة التي تؤرخ للعلاقات النوعية التي جمعت المغرب بالإمارات والعربية السعودية على امتداد عقود طويلة من الزمن خاصة على عهدي الملكين: الحسن الثاني ومحمد السادس.
يعود تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة كدولة اتحادية إلى نصف قرن، بالضبط في 2 دجنبر 1971، والحكاية كما يرويها ل»الأيام» من عاشوا خلال هذه المرحلة، أن دولة الإمارات كانت جزءا من منطقة عمان، وتسمى الساحل العماني ويطلق عليها الإنجليز «مستعمرة القرصان»، فعمد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إلى توحيد سبع إمارات هي: أبو ظبي، ودبي، والشارقة، وعجمان، وأم القيوين، ورأس الخيمة، والفجيرة، وتقدم إلى الأممالمتحدة من أجل الاعتراف بسيادة الدولة الحديثة، غير أن الأممالمتحدة وجدت صعوبة في إيجاد معايير ضمن بنود قوانينها تتلاءم مع الإمارات السبع الموحدة للاعتراف بها ككيان دولة مستقلة، لأنها كانت تفتقد لوجود مؤسسات دولة حقيقية. لم يكن البترول يومها قد برز في هذه المجموعات العشائرية ليغري أي دولة كبرى للقيام بدعم اعتراف الأممالمتحدةبالإمارات السبع التي جمعها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي كان يجري اتصالات مع بريطانيا لتكفله كدولة عضو في مجلس الأمن. وصلت المعلومة إلى الملك الحسن الثاني فأرسل أحد مستشاريه إلى أبو ظبي حيث التقى مؤسس دولة الإمارات في بداية سنة 1971، وتعهد بكفالة دولة الإمارات لدى الأممالمتحدة. ويضيف هؤلاء أن سفير المغرب لدى الأممالمتحدة يومها عبد الله الشرفي هو الذي أعلن عن ضمان الإمارات العربية المتحدة، وكفلها لدى الأممالمتحدة ككيان مستقل، بل سيمنح الحسن الثاني صك العملة المغربية (الدرهم) للدولة الناشئة. كانت إيران بعد مجيء الخميني قد وضعت عينها على الإمارات الحديثة العهد، مستغلة غياب مؤسسات الدولة من أجهزة أمن وجيش وحرس وغيرها، وهنا سيتكفل المغرب بتشكيل حرس القصور الإماراتية وأمرائها، وقد تكفل بذلك مدير الحرس الملكي يومها محمد المديوري، قبل أن يكلف الحسن الثاني الجنرال حميدو لعنيكري عام 1979 بتأسيس أجهزة استخبارات الإمارات والجيش الإماراتي والأمن الوطن والحرس الأميري لثلاثة عقود من الزمن. وقد آثر حاكم إمارة أبوظبي الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان أن يخص المغرب بأول زيارة له لدولة عربية قبل إعلان تشكيل الاتحاد ببلده.
التازي أول سفير مغربي من الحسن الثاني إلى الشيخ زايد
«كان ذلك في العام 1970 من القرن الماضي، جئت يومها أحمل رسالة من الملك الحسن الثاني إلى الشيخ زايد يدعوه فيها لزيارة المملكة المغربية… لم تكن الإمارات حينها قد بدأت مسيرة وحدتها. كان الجواب بالإيجاب وكانت تلك أول رحلة للشيخ زايد إلى المغرب، وقد اعتبرتها نجاحاً دبلوماسياً لي استبشرت به. كنت وقتها سفيراً للمغرب في بغداد وكنت أغطي المنطقة كلها، وعندما تكون النيات صادقة يتحقق النجاح في العلاقات الدبلوماسية ويظل الوفاق حاضراً. أما الشيخ زايد، فمنذ وصوله إلى المغرب، شعر بأنه أمام قوم ينتسبون لأصول عربية شريفة ولمس حبهم الصادق له، فما كان منه إلا أن فتح لهم قلبه هو أيضا». وكشف الدبلوماسي التازي سر تعلق الزعيم الإماراتي الراحل بالمغرب حين قال: «تحدثنا طويلاً عن المغرب، وسألني عن أحواله وأهله، وكان أعجب سؤال وجهه إليّ عمّا إذا كان أهل المغرب يهتمون بالقنص (الصيد بالصقور)، وهي هواية كان يحبها (رحمه الله) حباً شديداً، فأجبته بأن هناك ولعاً بهذه الهواية في المغرب». حيث حدثه التازي عن مدينة الجديدة، وعن أهلها «القواسم» الذين لهم ولع كبير بالقنص بالصقر، مضيفا «ثم لاحظت أن لديه رغبة قوية في أن يبدأ زيارته ببلاد المغرب الأقصى». يقول التازي: «أخبرت جلالة الملك بهذا الأمر فهشَّ وبشَّ – كما تقول العرب – وما شعرت إلا وأنا أقرأ في الصحافة تصريحاته (الشيخ زايد) بأنه سيذهب لزيارة المملكة المغربية الشقيقة. كان لقائي بالشيخ زايد (رحمه الله) حدثاً غير عادي بكل معنى الكلمة. نظراً لطبيعة الرجل وما يتوفر عليه من أهمية ونفوذ وقوة سياسية ومجتمعية. كان لقاء على مستوى عالٍ يهدف إلى ربط الصلة بين دولتين. وكانت تلك المرة الأولى التي يأتي فيها سفير من المغرب إلى دولة الإمارات العربية المتحدة حاملاً رسالة من الملك الحسن الثاني. لم تكن مهمة سهلة، لكن الشيخ زايد (رحمه الله) قابلني بحفاوة، بل لقد سحرني ببسمته المعهودة». ويحكي التازي كيف التقى ولي العهد الذي سيقيم لمدة طويلة بالمغرب، وكيف رد الشيخ زايد بن سلطان على طلب الحسن الثاني بزيارة المغرب. قال «سألني عن المغرب وأحواله.. وقلت له إن الملك طلب مني أن لا أغادر أبوظبي إلا إذا عدت بالجواب. أخذت الجواب وعدت، وكتبت تقريرا عما شاهدت وحدث معي. كان سعيد الدرمكي رئيس التشريفات في ذلك الوقت يحضر المقابلة، وقد أحالني الشيخ زايد على رؤية ولي عهده صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان (حفظه الله) الذي وجدته شبه أبيه. كان مليئاً بالطموح والثقافة والعلم».
«الملك فهد عاهل المملكة المغربية» والعاهل السعودي يرد التحية
يروي صاحب كتاب «رحلة حياتي مع الميكروفون»، واقعة غريبة تعبر عن طبيعة العلاقة التي كانت تربط بين العاهلين المغربي والسعودي: «كان الملك الحسن الثاني يوم الثاني من مارس 1983 بصدد تسجيل خطاب العرش في القصر الملكي بفاس (إذاعياً وتلفزيونياً)، بحضور وزراء بينهم وزير الإعلام والمسؤولين عن الإذاعة والتلفزة المشرفين عادة على عملية التسجيل في مثل هذه المناسبة». وأضاف أن ملك المغرب انتقل في منتصف الخطاب للحديث عن القادة العرب والأجانب الذين زاروا المغرب خلال العام الماضي (1982)، وكان من بينهم العاهل السعودي الملك فهد بن عبد العزيز، فاستذكر العاهل المغربي هذه المناسبة للإشادة ب»العلاقات الأخوية والروابط المحكمة المتينة القائمة بين المغرب والمملكة العربية السعودية». كان الحسن الثاني يلقي خطابه بصورة عادية والصمت يخيم على القاعة، وفجأة سمعه الحضور يقول: «استقبلت بلادنا خلال العام المنصرم صديقنا الكبير وشقيقنا العزيز صاحب الجلالة الملك فهد بن عبد العزيز عاهل المملكة المغربية…». لا تغيب هذه اللحظة عن مخيلة ابن ددوش: «التقطت آذاننا هذه الجملة، وإذا بأنظارنا نحن ممثلي الإذاعة والتلفزة تتجه مباشرة نحو وزير الإعلام، الذي التقط هو أيضاً تسمية الملك فهد بملك المملكة المغربية، وشعرنا جميعاً بأن الأمر لا يعدو أن يكون فلتة لسان، ولكنها ستكلفنا الكثير لإصلاحها خصوصاً تلفزيونياً إذا استمر الملك في قراءة خطابه ولم يتوقف لإعادة الجملة مصححة، وبدأنا التخاطب بالإشارات مع الوزير الواقف في الجانب الآخر لتشجيعه على التدخل بسرعة لإشعار الملك بما حدث، مع أننا كنا في قرارة أنفسنا نعتقد أن الوزير لن يجرؤ على الإقدام على هذه الخطوة، إذ كان من المستحيل تقريباً أن يقدم أحد الوزراء أو المستشارين على مقاطعة الملك وهو بصدد تلاوة خطابه». ويضيف محمد بن ددوش أن وزير الإعلام الدكتور عبد الواحد بلقزيز امتلك ما يكفي من الشجاعة، فتقدم نحو الملك الذي توقف عن متابعة خطابه ليستمع إلى ما يقوله وزيره. أطرق الملك رأسه وساد الصمت قليلاً، ثم رفع رأسه وقال مخاطباً الوزير: «أييه! الملك فهد ملك المملكة المغربية، وليس هناك خطأ وعليكم الاحتفاظ بالجملة كما هي»، وأمر باستئناف التسجيل، وفي يوم عيد العرش أذيع الخطاب كما سجل، وسمع المغاربة تلك العبارة، فتيقن الجميع أن قرار الحسن الثاني الاحتفاظ بتلك الجملة كما نطق بها علامة على مدى عمق الروابط الأخوية التي جمعته بالعاهل السعودي الراحل وببلاده الشقيقة على مدى عقود». الصحافي بن ددوش اعتبر أن القصة لم تنته عند هذا الحد، ففي مدينة فاس فقط، «إذ مرت بضعة أشهر، وتوقف ولي العهد الأمير محمد في مدينة جدة قادماً من أديس أبابا في طريق عودته للمغرب، فاستقبله الملك فهد بن عبدالعزيز أفضل استقبال، وأقام مأدبة غداء على شرفه في رحاب القصر الملكي الجديد، الذي كان في طور التشييد بشارع الكورنيش في مدينة جدة. وحضر المأدبة أعضاء الوفد المغربي المرافق للأمير وعدد من الشخصيات السعودية، ومن بينهم مجموعة من رجال الأعمال كانوا على وشك التوجه إلى المغرب لحضور المؤتمر الثاني لرجال الأعمال والمستثمرين العرب المنعقد في أكتوبر1983. كانت المأدبة مناسبة للعاهل السعودي لإبداء حفاوة كبيرة بابن الحسن الثاني والإشادة بالعلاقات المغربية السعودية، وتوجه بالخطاب مباشرة إلى رجال الأعمال السعوديين وطلب منهم «تقديم كل ما يمكن من الدعم للمغرب، لما لهذا البلد من مكانة في نفسي ولما أكنه من تقدير واحترام لأخي الملك الحسن الثاني الذي أعتبره ملكا للمملكة العربية السعودية». وتابع بن ددوش: «هكذا كانت المفاجأة الأولى في مدينة فاس، وجاءت المفاجأة الثانية من مدينة جدة، وبما أنني كنت ووزير الإعلام الدكتور عبد الواحد بلقزيز الوحيدين الحاضرين لمأدبة الغداء في جدة، وتسجيل خطاب العرش في فاس، فإننا تبادلنا النظرات والابتسامات من بعيد وكأن كل واحدٍ منا يقول للآخر: إنه الجواب».
الشيخ زايد وأولاد فرج
كان الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مولعا بالقنص بالصقور، ومنذ 1975 ارتبط بمنطقة القواسم القريبة من حد أولاد فرج المشهورة في المغرب بهذه الهواية، وكان المؤرخ عبد الهادي التازي من بين أهم من اهتموا بتاريخ هذه الهواية في منطقة دكالة، وقد ارتبط اسم الشيخ زايد بها، حيث كانت هناك محميات تمارس فيها هذه الهواية النادرة التي اجتذبت أمراء وشيوخ دولة الإمارات للمغرب، قبل أن تنشأ محميات خاصة لممارسة هذه الهواية التي ورثها الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بدولة الإمارات العربية المتحدة، عن أبيه وظل يقضي جزءا هاما من عطله الخاصة بالمغرب، خاصة في منطقة بوعرفة، هو والشيخ محمد بن راشد آل المكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء وحاكم دبي، والشيخ حميد النعيمي حاكم عجمان، لممارسة رياضة القنص بالصقور التي يهواها.
مؤسس السعودية يحتفي بمبعوثي المولى سليمان
كانت الحجاز محجا ومزارا مقدسا للعلماء والزعماء المغاربة الذين لا تكتمل دورة حياتهم إلا بزيارة قبر النبي عليه السلام. وحين ظهرت الوهابية واستتب للأمير السعود بن عبد العزيز دخول مكة واستقرار الحكم، راسل الملك سعود بن عبد العزيز السلطان المولى سليمان سنة 1826ه أي في القرن التاسع عشر، حتى جمع العلماء يستشيرهم ويستفتيهم ويرجو منهم إبراز ما يكنون إزاء هذا الموقف الإسلامي في بلاد الحجاز. فأرسل بعثة مغربية تضم عددا من الفقهاء وعلماء الدين مصحوبين بابنه إبراهيم ليؤدوا فريضة الحج وليترأسوا الحجاج المغاربة وليطلعوا عن كثب على مضمون الدعوة الوهابية وأهدافها. ونقل الناصري صاحب «الاستقصا» ما لقيه الوفد المغربي من الاحتفاء والاحترام من الأمير السعود بن عبد العزيز الأول. ولما رجع الوفد إلى المغرب بين بكل وضوح موقف الوهابيين وتمسكهم بأصول العقيدة واحترامهم لآل البيت وسمع المولى سليمان ذلك، فأصبح أكثر ميلا إلى نصرة الوهابية، وقد كتب رسالته الشهيرة التي تبرز التقاطع مع الوهابيين سوى أن آل سعود لجأوا إلى العنف في تطبيق رسالتهم فيما لجأ المولى سليمان إلى بعد التعليم والتربية لتوعية العامة بخروج البدع عن أصول الدين. وقد كان هذا سببا في ثورة الزوايا المحافظة خاصة بعد منع السلطان للمواسم التي كانت تشكل مصدر دخل اقتصادي هام للزوايا فثارت رفقة القبائل على السلطان سليمان واعتقلته ونحته عن العرش.
التلميذ محمد بن زايد بالمدرسة المولوية
توطدت العلاقات بين الحسن الثاني والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بشكل غريب ومتفرد في طبيعة العلاقات التي تجمع بين الدول لتتحول إلى علاقات أسرية متينة، حيث عمل الحسن الثاني على جلب الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبو ظبي والابن الثالث من أبناء الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والذي يعتبر صديقا قويا للملك محمد السادس، إلى المغرب وعمره 14 سنة، وعهد لأساتذة المدرسة المولية بتكوينه وتدريسه، وكان من بينهم عبد الهادي بوطالب ومحمد عواد، ليتوجه بعدها إلى المملكة المتحدة لإتمام دراسته بأكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية ويتخرج منها سنة 1979. وهنا يذهب البعض إلى أن الشيخ زايد بن سلطان هو الذي أعجب بصرامة الحسن الثاني في تربية أبنائه، فعهد بولي عهده إلى القصر الملكي، كنوع من العقاب أو إعادة التوجيه والتأهيل، وحين أعلن الملك الراحل عن المسيرة الخضراء كان الشاب محمد بن زايد حاكم أبو ظبي اليوم أحد المشاركين فيها، وقد ذكّر الملك محمد السادس في خطابه في القمة الخليجية المغربية بهذه الواقعة في مارس 2016.
حكاية جامعة الأخوين
في الثمانينيات، وقع حادث على الشواطئ الأطلسية بالقرب من شواطئ المغرب يهم سفينة إيرانية حاملة للنفط، كان الأمر آنذاك ينذر بكارثة بيئية، فقدم الملك فهد بن عبد العزيز إلى الخزينة العامة بالمغرب شيكا بقيمة 50 مليون دولار. يستعيد الملك الراحل هذه الحادثة بتفاصيلها، قائلا: «بعد أيام قليلة كفى الله المغاربة شر تلك البقعة النفطية، وكان في الإمكان أن نستعمل ذلك المبلغ في مشروع آخر للطرق أو السدود أو الفلاحة، إلا أنني وجدت أن الله سبحانه وتعالى أراد أن يحقق حلما طالما عانقني وعانقته، ألا وهو إنشاء جامعة عالمية تكون رأس الرمح السلمي والثقافي والتثقيفي لجميع اللغات ولجميع الأجناس وبالأخص اللغة العربية. فلهذا أطلقت على هذه الجامعة اسم جامعة الأخوين فهد بن عبد العزيز والحسن بن محمد». كان الأمر تعبيرا عن امتنان كبير بأريحية العاهل السعودي، وترجم الحسن الثاني هذا العرفان بمشروع طموح يخلد اسمي الملكين، فكان اسم جامعة الأخوين.
لهذا ذهبت تجريدة مغربية للديار السعودية
شكلت حرب الخليج الثانية مختبرا كبيرا لعمق العلاقة بين الملكيتين المغربية والسعودية، لأن المملكة العربية السعودية كانت أمام خطر الهجوم العراقي بعد غزو صدام للكويت وضمها كمحافظة ضمن دولته، ومن جهة أخرى لأن المغرب كان على علاقة جيدة مع الدولتين، وأقوى من هذا أن الحسن الثاني كان يعي أن الشعب المغربي مع صدام وضد رموز الخليج، هذا البعد يعكسه الخطاب التاريخي للحسن الثاني في فبراير 1993، لكن الملك الراحل اختار منطق رجل الدولة ذي البعد الاستراتيجي، فبعث وسطاء إلى صدام حسين للتراجع عن قرار الضم والانسحاب من الكويت وفي ذات الآن شارك بتجريدة رمزية من الجيش لا يتجاوز عدد أفرادها 1300 رجل لحماية أكبر مصفاة للبترول في السعودية. يوم 4 غشت 1990، بعث الملك الراحل الجنرال الراحل عبد العزيز بناني قائد المنطقة الجنوبية والكولونيل ماجور بلحاج مدير مدرسة استكمال تكوين الأطر التابعة لوزارة الداخلية والملحق العسكري بالسعودية الكولونيل الوزاني إلى الملك فهد للتعبير عن المساندة المغربية في حالة وقوع أي هجوم على الأراضي السعودية، ويوم 9 غشت وصلت التجريدة المغربية إلى الأراضي السعودية، في منطقة «حفر الباطن» ثم في «الصفانية» التي تبعد بحوالي 55 كلم، عن الحدود السعودية الكويتية، حيث تكلفت بحماية أكبر مصفاة للبترول هناك وقد تركت بحكم احتكاكها مع المواطنين السعوديين انطباعا إيجابيا عكسته الاستطلاعات الإعلامية التي أجرتها وسائل إعلام سعودية حسب ما أورده محمد الصديق معنينو في مذكراته «أيام زمان». تشكلت التجريدة المغربية من 1300 جندي و197 سيارة من نوع «جيب» للقتال و 42 شاحنة صغيرة و6 شاحنات خاصة وبنادق رشاشة من نوع كلاشينكوف وصواريخ مضادة للدبابات، ودبابات من نوع «تو» و«ميلان» ومدافع من عيار 14,5 ومن عيار 23 ملم السوفياتية الصنع. هذا ما دفع الحسن الثاني ليقول بوضوح في خطاب وجه إلى الشعب في فاتح فبراير 1991: «شعبي العزيز، رغم قلة الوسائل ورغم المشاكل المادية بالنسبة للجيش التي نوجد فيها، فقد حملنا معنا أسلحتنا، وهذا يدل كذلك على أننا خارجون عن القيادة المشتركة للقوات الموجودة هناك، فلم نذهب بأيدينا فارغة، وقلنا لهم أعطونا السلاح، فحتى الأسلحة الفردية والجماعية حملناها معنا من هنا…». ثم يضيف: «إن طبيعة وجود جيشنا مختلفة عن الطبيعة القانونية للجيوش الأخرى، كان ذهابنا إلى هناك في إطار التهييء للمستقبل حتى لا ندخل طرفا محاربا، مقاتلا، قاتلا ومقتولا، كان موقفنا موقف دفاع وسند. أنا في جانب أخي فيما إذا هوجم، أنا لم أذهب لمحاربة العراق كي يخرج من الكويت، فأنا حاولت مع العراق وسأحاول حتى اليوم وغدا وبعد غد ليخرج من الكويت. إني لم أذهب كي أقول للعراق أخرج من الكويت بل ذهبت كي أقول للمملكة العربية السعودية: ها نحن معك فيما إذا هوجمت، فجنودنا ولله الحمد من ضباط وضباط صف وجنود يطبخون عشاءهم ويصبنون كسوتهم ويكتبون رسائلهم، ومنذ اليوم لم يكونوا في حاجة لا إلى هذا أو إلى ذاك. لقد ذهبوا بأسلحتهم وآلياتهم لا ينتظرون شيئا من أحد ولم يذهبوا لاقتسام الغنيمة. لم يدفعنا إلى ذلك لا طموح ولا حب الظهور بمظهر خاص ولا تدخل في ما لا يعنينا».
مصالحة بخيط سعودي أبيض
في صباح يوم 4 ماي 1987، وصل الملك الحسن الثاني ومعه عدد محدود من أفراد وفد رسمي، وفورا دخل إحدى الخيام بينما تحركت الكاميرات الجزائرية للتركيز على خيمته ومتابعة تحركاته. في الثانية عشر زوالا غادر الحسن الثاني خيمته وتوجه راجلا نحو الحدود المغربية الجزائرية، التي لم تكن تبعد أكثر من مائة متر. كان الجانبان المغربي والجزائري قد رسما على الأرض، بواسطة الجبص الأبيض خيطا يحدد بدقة خط الحدود بين البلدين، تقدم الملك الراحل وحيدا نحو ذلك الخط ووقف ينتظر بجلبابه الأبيض وطربوشه الأحمر وحيدا أمام الحدود وعلى مسافة لا تتعدى عشرة أمتار. يقول معنينو: «علمت فيما بعد أن الملك فهد بذل جهودا مضنية لإقناع الجانبين الجزائري والمغربي، بعقد هذه القمة، وأن مفاوضات عسيرة سبقتها لتحديد مكان اللقاء وظروف انعقاده. رفض الحسن الثاني أن تنعقد القمة فوق الأرض الجزائرية كما رفض الشاذلي بن جديد أن تنعقد فوق الأرض المغربية، أما الملك فهد فلم يكن على استعداد لاستقبال هذا اللقاء على الأراضي السعودية، خوفا من فشل المحادثات. أمام هذه المشكلة تم الاتفاق على أن تنعقد هذه القمة بين ملك المغرب ورئيس الجزائر، فوق تراب البلدين. هكذا تم بناء الخيمة التي ستضم اجتماع القائدين، بحيث يكون نصفها قائما على التراب المغربي، وبه سيجلس الحسن الثاني، ونصفها الآخر على التراب الجزائري وبه سيجلس الشاذلي بن جديد. أما كرسي الملك فهد فنصفه إلى الجانب المغربي ونصفه الآخر إلى الجانب الجزائري، وبهذا الأسلوب ظل كل رئيس دولة فوق تراب بلاده دون أن يجتاز الحدود نحو الآخر. وأظن أنه لم تسجل في العلاقات الدولية ظاهرة مماثلة، لاجتماعات قمة على هذه الطريقة الغريبة، والتي تطلبت خيالا قد لا يبدع مثله إلا المخرجون السينمائيون. ظلت أنظار الجميع متجهة إلى الخيمة، تترقب ما قد يسفر عنه هذا اللقاء الذي مازال لحد الآن سرا لم تتناقل أخباره وكالات الأنباء وكبريات الإذاعات والتلفزيون، بل حتى وسائل الإعلام المغربية والجزائرية، لم تعلن عن لقاء الحدود، وبداية الجلسة الأولى لحوار كان يبدو صعبا وشاقا. لم يكن الملك فهد، المتمرس في السياسة ينتظر اتفاقا أو توافقا بين الجانبين، المغربي والجزائري، ولكنه أراد كسر «الجليد» وفتح الطريق أمام فرص محتملة للقاءات قمة قادمة، فجأة غادر الحسن الثاني خيمة الاجتماع وحيدا، كان مسرعا ومتوترا، وكأن مواجهة حادة وقعت بينه وبين بن جديد، أو كأن الرئيس الجزائري كان عنيفا في حديثه مما عجل بمغادرة الحسن الثاني خيمة اللقاء. ووقف أعضاء الوفد المغربي مفزوعين، ووقفنا كذلك نراقب التطورات. كانت عين تتابع عودة الحسن الثاني وعين تراقب الخيمة التي لازال بداخلها بن جديد وفهد بن عبد العزيز. توجه الحسن الثاني مباشرة إلى المخيم المغربي، ودخل خيمة مفتوحة الجوانب، وطلب إحضار «اللبدة»، أي زربية صغيرة للصلاة، كما طلب إحضار سبحة. رأيت الحسن الثاني مباشرة بعد عودته يتجه نحو القبلة ويصلي، وكان المنظر مؤثرا على المستوى الديني والعاطفي. هكذا إذن فشلت هذه الجلسة، واختار كل رئيس الانزواء للتهدئة والتأمل. فجأة شاهدنا الأمير فيصل، وزير خارجية السعودية يخترق راجلا الحدود بين البلدين، دون مراقبة أمن أو جمارك أو جواز سفر، وتوجه مباشرة إلى خيمة الحسن الثاني. اجتمع الرجلان لمدة نصف ساعة، عاد بعدها الأمير السعودي إلى المخيم الجزائري، حيث أخبرنا «المؤذن» بأنه توجه مباشرة لإقامة الملك فهد. هكذا أدخل هذا اللقاء التاريخي بين الراحل الحسن الثاني والشاذلي بن جديد، تحت رعاية الملك السعودي فهد بن عبد العزيز، المنطقة المغاربية عصرا جديدا، فقد فتحت الحدود وعاد الدفء إلى العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الجارين وتم إنشاء الاتحاد المغاربي».
محمد بن زايد نادل بالرباط
في رسمها لبروفايل عن ولي عهد أبو ظبي في يناير 2020، كشفت جريدة «نيويورك تايمز» الأمريكية، جوانب مثيرة من الحياة الشخصية لمحمد بن زايد آل نهيان، من خلال لقاءات الصحفي الشهير روبرت أف فورث، ومن بين ما أوردته الصحيفة «أن الشيخ زايد بن سلطان أرسل ابنه محمد بن زايد وهو في ال14 من عمره إلى المدرسة المولوية في المغرب، وقد أراد لهذه التجربة أن تكون فيها الكثير من الصرامة، فأعطى لولي العهد محمد بن زايد جواز سفر باسم مختلف يخفي هويته، حتى لا يعامل معاملة خاصة. لكن المثير الذي كشفت عنه «نيويورك تايمز» هو أن ولي عهد أبو ظبي قضى عدة أشهر يعمل كنادل في مطعم محلي، وظل يعد وجبات الطعام الخاصة بنفسه ويغسل ملابسه الخاصة، وكان وحيدا في الغالب. وأوردت على لسان محمد بن زايد في حواره مع الصحيفة الأمريكية: «كان هناك صحن من التبولة (سلطة) في الثلاجة، وكنت أستمر في تناول الطعام منه يوما بعد يوم حتى يتشكل نوع من الفطريات في الأعلى»، في إشارة إلى بدء السلطة بالتحلل والتعفن.