ينتظر السودانيون عودة رئيس وزرائهم المقال عبد الله حمدوك إلى منصبه ليرأس حكومة السودان بعد أن توصل مع قائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان إلى اتفاق سياسي لحل أزمة الانقلاب العسكري في البلاد والذي قام به الأخير.
واستعاد حمدوك الذي عزل من منصبه في انقلاب الشهر الماضي، حرية حركته، بحسب ما أعلن الأحد مكتبه بعيد إعلان وسطاء عن اتفاق وشيك يعيده الى منصبه.
ويشمل الاتفاق السياسي بين البرهان وحمدوك ايضا اطلاق سراح القياديين المدنيين المعتقلين منذ الانقلاب العسكري الشهر الماضي، حسب ما أكد وسطاء لوكالة فرانس برس.
وطالب حمدوك خلال هذا الاتفاق أن تكون صيغة عودته إلى منصبه هي "استئناف عمله" وليس "تعيينا جديدا"، ما يشير إلى إصراره على رفض قرارات البرهان التي أطاح بها المدنيين من حكم البلاد الانتقالي في 25 تشرين الأول/أكتوبر.
ويجس د حمدوك، الخبير الاقتصادي الذي أعفي من مهامه كرئيس لوزراء السودان وأوقف مؤقتا قبل أن يوضع قيد الإقامة الجبرية، أول ضحية لسيطرة الجيش على السودان، مع سقوط رهانه على التوافق وعلى الشراكة بين العسكريين والمدنيين من أجل قيادة البلاد إلى الديموقراطية.
وعلى مدى شهر تقريبا، لم يكن حمدوك قادر ا على التحدث مباشرة إلى السودانيين، وغالبا ما كان مكتبه ينشر بياناته على منصات التواصل الاجتماعي توضح مواقفه وتمسكه بالسلطة "الشرعية" للبلاد كما تضمنت خطاباته حث المواطنين على "حماية ثورة" عام 2019.
س م ي رئيسا للحكومة في آب/أغسطس 2019 إثر اتفاق على تقاسم السلطة بين الجيش وائتلاف قوى الحرية والتغيير الذي قاد الاحتجاجات الشعبية التي أدت الى سقوط عمر البشير بعد ثلاثين عاما من حكم السودان بقبضة من حديد.
وعمل حمدوك الذي يبلغ اليوم الثالثة والستين من العمر في منظمات دولية وإقليمية، لا سيما كمساعد الأمين العام التنفيذي للجنة الاقتصادية لإفريقيا التابعة للأمم المتحدة في أديس أبابا.
وظهر للمرة الأخيرة، عشية إعلان البرهان لقرارات حل مؤسسات الحكم الانتقالي، إلى جانب المبعوث الأميركي للقرن الإفريقي جيفري فيلتمان في الخرطوم، مشددا على ضرورة استكمال العملية الانتقالية نحو حكم مدني في البلاد التي حكمها عسكريون بشكل شبه متواصل منذ استقلالها في 1956.
قبل بضعة أيام من الانقلاب العسكري، ارتدى لباسا تقليديا وظهر في تسجيل فيديو وهو يحيي المتظاهرين المطالبين بحكم مدني، وواعدا إياهم بتحقيق "أهداف الثورة: الحرية والسلام والعدالة".
بعد محاولة انقلاب فاشلة في أيلول/سبتمبر، اتخذ نبرة جدية ليحذر من الانقسامات العميقة داخل السلطة، معتبرا أن العملية الانتقالية تمر "في أسوأ أزماتها".
درس حمدوك الاقتصاد الزراعي في الخرطوم، ثم حصل على ماجستير من جامعة مانشستر في بريطانيا.
ويتحد ر حمدوك من جنوب كردفان، الإقليم الواقع في جنوب السودان والذي شهد، كما النيل الأزرق ودارفور، نزاعا مسلحا بين القوات الحكومية في عهد البشير ومتمردين استمر سنوات.
– تقشف وسلام –
وصل الى الخرطوم في آب/أغسطس 2019 قادما من أديس أبابا، بعد ثورة لم يشارك فيها على الأرض، لكنه تبنى أهدافها. وتسلم حكومة مكلفة إقامة مؤسسات ديموقراطية في البلاد، بينها برلمان لم ير النور، واقتراح حل اقتصادي قادر على وقف التضخم المتسارع والفقر المزمن.
ونجح الاقتصادي المتمرس في المؤسسات الدولية في الحصول من صندوق النقد الدولي على محو لديون السودان الضخمة مقابل تطبيق سياسة تقشف كلفته خسارة جزء كبير من شعبيته.
ولم يساعد هذه الشعبية واقع أن السلطات الانتقالية لم تحاكم بعد المسؤولين في عهد البشير وأولئك الذين قمعوا انتفاضة 2019 بالدم.
ونجحت حكومته في توقيع اتفاق سلام مع مجموعات متمردة كانت لا تزال تحمل السلاح في مواجهة القوات الحكومية في تشرين الأول/أكتوبر 2020، بينما وافقت واشنطن على إزالة اسم السودان من لائحة الدول الداعمة للإرهاب قبل أن وافقت الخرطوم على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل.
وشارك حمدوك في الماضي في مبادرات سلام إفريقية للتوسط في نزاعات في دارفور وكردفان والنيل الأزرق.
وعمل حمدوك لصالح البنك الإفريقي للتنمية، وهو معروف بوضع سياسات تحفز النمو الاقتصادي في إثيوبيا في ظل حكومة ميليس زيناوي.
لدى تسلمه الحكم، وعد السودانيين البالغ عددهم 45 مليونا، بالعمل على إيجاد "سياسات جيدة لمواجهة الأزمة الاقتصادية".
ويتمتع حمدوك بصورة رجل يلتزم بالشفافية وحسن الإدارة، لا سيما منذ أن رفض في 2018 منصب وزير المال الذي عرضه عليه البشير.
لكن حكومته لم تنجح خلال الأشهر الماضية في التجاوب مع مطالب السودانيين في تأمين حاجات أساسية، بعد أن أقفل متظاهرون مناهضون لحكومته الطرق التي تربط مرفأ بورتسودان في شرق البلاد والذي تصل عبره الإمدادات بشكل رئيسي، ببقية مناطق السودان.
وزاد الغضب الشعبي وتزايد الفقر في بلد يفتقر الى بنى تحتية، من هشاشة وضعه.