يوم بيوم من أجل إلغاء عيد الأضحى نور الدين مفتاح نشر في 6 يوليو 2021 الساعة 17 و 25 دقيقة لكل ما سبق وغيره كثير، أرى، وأنا المواطن البسيط، أنه من الأفضل للمغرب أن يعلن رسميّا عن إلغاء التضحية هذه السنة، دون إلغاء العيد الذي يبقى ذكرى تحيى بما تيسر، بلا هرج الأسواق ومرج الملايين من الذبائح في الشوارع والأزقة والدور. نور الدين مفتاح [email protected] بعد ثلاثة أسابيع بالضبط، يحل عيد الأضحى المبارك بكل حمولاته الدينية والقيمية والمجتمعية المتعددة الأبعاد، وهذا العيد الذي يعتبره المغاربة «كبيرا» أصبح له حجم مضاعف بفعل العادات أكثر منه بفعل الواجب الديني، فمعروف أن العيد الكبير هو سنة مؤكدة، ويكفي الكبش الذي يذبحه الإمام لترفع الكلفة عن الشعب. ومن يملك من السعة ما يمكنه من أن يشتري ما ينحر، فالأولى أن يتصدق به على من لا حول لهم في الوصول إلى هذا الطعام في أيام الله العادية. وعلى الرغم من أن الجميع يعرف ما سردت لأن الأمر لا يحتاج لأن تكون فقيها لتفهمه، فإن العكس تماما هو ما يقع، وللّه في خلقه شؤون. إن التحولات السوسيولوجية التي تقع ببطء في المغرب تجعل التمازج بين التقليدي والعصري، خصوصا عند الطبقة المتوسطة، مثيرا للدهشة. فالميسورون ومن يتشبه بهم أصبحوا يضربون صفحا عن العيد الكبير، ويغلقون منازلهم في هذه المناسبة ليتزاحموا على الحجز في الفنادق، والغريب أن هذا العيد بالضبط الذي كان إلى حدود سنوات من قبل يعتبر حلقة ركود بالنسبة للسياحة، تحول إلى حلقة ساخنة ترتفع فيها أثمان الليالي الفندقية، وتتنوع العروض. وبالنسبة للذين لهم حنين ل«بولفاف» وما جاوره، فالفندق يوفر ذلك في فطور وغذاء يتطابق مع ما يتم عندما تذبح الأسرة الكبش في شقتها. وهنا نجد المفارقة! فالذين يتوفرون على إمكانيات شراء أضحية العيد لا يفعلون ذلك، والذين لا يتوفرون على عشاء ليلة، يتقاتلون من أجل شراء الكبش، وتنقلب الآية وتختل الموازين. والمغاربة يعرفون هذا المرض الاجتماعي الذي لا يزال مستشريا في الأحياء الشعبية خصوصا، حول سبّة الأضحية الصغيرة، وعار عدم التمكن من شراء هذه الأضحية، وقصص أكباش «الكريدي» وغير هذا مما يجعل شعيرة دينية رائعة المعنى تتحول إلى جحيم للفقراء بدل أن تكون عيدهم. لا تملك الدولة سلطة على المجتمع في هذا الباب، ولا تؤاخذ إلا من الناحية البنيوية، أي في تعثر مسلسل التعليم وبطء مسلسل التنوير، وعلى العكس، ففي ما تجري به الأمور، تكون الدولة ملزمة بتوفير وسائل تلبية هذا الطقس الاجتماعي بمآسيه على الرغم من روعة قيم التضحية التي يحتفي بها. وفي كل سنة، يعتبر هذا امتحانا للحكومة التي تستنفر كل قواها من خلال وزارة الفلاحة ووزارة الداخلية لتقريب الأكباش من المواطنين. وقد طالب البعض في عيد الأضحى المنصرم أن يتم إلغاء هذه المناسبة نظراً لجائحة كوفيد 19 القاسية والقاتلة، إلا أن العكس هو ما حصل. فمع الاحتفال بالعيد في أجواء وبائية خطيرة، لا يمكن لأي قوة أن تستطيع فيها فرض الشروط الصحية الاحترازية، تقرر ليلة العيد، ودون سابق إشعار، أن تعلن الحكومة منع التنقل بين المدن، مما دفع أمواجا بشرية على امتداد تراب المملكة إلى التدفق، لتتلاطم في المحطات والطرق الوطنية والطرق السيارة، والبقية المأساوية معروفة بالارتفاع الصاروخي للوباء وارتفاع الرزايا والآلام والأحزان. صحيح أن الحالة الوبائية في بلادنا تحسنت، ونحن جزء من إفريقيا التي كانت القارة الأقل إصابة بهدير الفيروس القاتل، إلا أن هذه المتحورات التي تقفز هنا وهناك تبعث على الخوف من المستقبل، وها هي دول خففت مثلنا من الإجراءات الاحترازية القاسية، عادت إلى احتمالات الإغلاق الإنساني المرّ بعدما ضربها المتحور «دلتا» و«دلتا بلوس» نسأل الله السلامة والعافية. لكل ما سبق وغيره كثير، أرى، وأنا المواطن البسيط، أنه من الأفضل للمغرب أن يعلن رسميّا عن إلغاء التضحية هذه السنة، دون إلغاء العيد الذي يبقى ذكرى تحيى بما تيسر، بلا هرج الأسواق ومرج الملايين من الذبائح في الشوارع والأزقة والدور. على أن ينوب جلالة الملك عن الجميع في هذه السنة المؤكدة. وهذا ستكون له أفضال أكبر من النحر، والسبب الأول هو أن هذه الشعيرة، كما أسلفنا، لم تعد تقام من أجل فضلها على الفقراء، بل أصبحت عبئا اجتماعيا بسبب أوضاع الناس وتصوراتهم وفاقتهم. وبالتالي، فالإلغاء سيكون متنفسا لملايين المواطنين الذين ما تزال جروح إنهاكهم جراء الحجر ثم حظر التجول مفتوحة، فمن أين لهم أن يتدبروا ثمن الأضحية؟ والسبب الثاني أساسي وهو الاحتراز من أن تعود الحالة الوبائية بمناسبة هذه الحركة في الأسواق وعبر المدن إلى الانفجار لا قدر الله، فيتحول العيد إلى مخاطرة لا يقبلها لا الواجب الإنساني ولا الديني، خصوصا وأن هذا جرى السنة الماضية والمؤمن لا يجب أن يلدغ من الجحر مرتين! إن السبب الوحيد الذي يبدو معاكسا لهذه الحجج الوجيهة من أجل إلغاء التضحية في العيد الكبير لهذه السنة، هو ما يمكن أن يصيب اقتصاد العالم القروي من هزّة بسبب هذا القرار، وهذا صحيح ما دام العيد الكبير يشكل بالنسبة للبادية متنفسا سنويّا ليس للكسابة فقط، ولكن لدورة الحياة بصفة عامة هناك. إلا أن قراءة أخرى لهذا المعطى قد تحوله إلى حجة ثالثة للدفاع عن إلغاء التضحية في العيد الكبير. فإجمالا يُضخ في العالم القروي بمناسبة العيد ما يناهز المليار دولار أي 1000 مليار سنتيم تقريباً، وهو رقم فلكي، وإذا استحضرنا مخاطر الانفجار الوبائي، فإن الخسارة قد تكون أكبر بكثير من هذه الأرقام. فخلال الحجر الصحي، كانت المملكة تخسر مليار درهم في اليوم، وإذا كان هناك من حجر بسبب العيد لا قدر الله، فالمليار دولار التي كانت ستضيع بسبب إلغاء العيد، سنخسرها في عشرة أيام فقط! وبالتالي يتضح أن المخاطرة باهظة الثمن، والميزان واضح رقميا، ويمكن للدولة أن تضخ من خلال صندوق تنمية العالم القروي هذه العشرة ملايير درهم في البادية ليستفيد الجميع، ونظل منسجمين مع النهج الذي سارت عليه الحكومة منذ مارس 2020، مع استثناءات قليلة، في أن المبالغة في الاحتراز خير من المجازفة بالتخفيف. لقد اضطرت الدولة لاتخاذ قرارات قاسية واجهت فيها القسم الأكثر محافظة في المجتمع بإغلاقها للمساجد، وإلغائها لصلوات التراويح في رمضانين كريمين متواليين، فلماذا لا يتم إلغاء هذه الشعيرة هذه السنة، حفاظا على صحة الإنسان وعلى استمرارية الدورة الاقتصادية شبه العادية، وعلى الشيء الأثمن في العيش المشترك وهو الحياة، والحياة في الدين مقدسة لأنها أمانة، فلنحافظ عليها.