* كريم بوخصاص هذه إطلالة من ثقب الباب على بعض ما يمور داخل الأحزاب السياسية في معركة التسخينات للحملة الانتخابية، وقد تميز الأسبوع الذي ودعناه بقنبلة تنظيمية وسط حزب الاستقلال لم تنفجر ولكن تم إبطال مفعولها، بعدما شغل حميد شباط عدها العكسي ليقضي الأمين العام ووراءه الرجل القوي حمدي ولد الرشيد بحل كل التنظيم في فاس، وهنا جولة في الكواليس. وما خفي أعظم. الجمعة 11 يونيو، وبينما كان حميد شباط الأمين العام السابق لحزب الاستقلال يشحذ أسلحته بين أزقة ودروب فاس لخوض معركة 8 شتنبر، سيتلقى الخبر الصاعقة الذي لم يتوقعه حتى في أسوأ كوابيسه! لقد أصدرت اللجنة التنفيذية قرارا بحل جميع فروع وهياكل الحزب في العاصمة العلمية. لم يكن هناك أي تفسير آخر سوى قطع الطريق أمام شباط للترشح، بعد فشل كل محاولات ثنيه عن المغامرة ضد توجهات القيادة، كما أورد قيادي في اللجنة التنفيذية للحزب، استغرب من حرص الرجل على العودة للساحة السياسية من «النافذة» بعد أن خرج من الباب قبل خمس سنوات. لكن شخصا مثل «شباط» لم يكن ليقبل مثل هذه الصفعة على خده السياسي، خاصة أن استعداداته للعودة إلى عمودية المدينة انطلقت منذ اليوم الأول لرجوعه من أوروبا، لذلك جاء رده سريعا بتنظيم جولات في عدد من الدروب والأحياء الشعبية بمقاطعة المرينيين معقله الرئيسي، حرص على توثيقها وتداولها على نطاق واسع، خاصة زيارته إلى سوق النخيل ومشاهد معانقة الباعة وتقبيل الصغار. ورغم أن هذا الاصطدام العلني بين شباط واللجنة التنفيذية لحزب علال الفاسي شأن داخلي خالص، إلا أنه رفع «حرارة» السباق الانتخابي هذه الأيام، وهو مرشح للتطور في المستقبل القريب مع حرص «شباط» على الترشح بكل السبل في الانتخابات الجماعية المقبلة لإسقاط إدريس الأزمي من عمودية المدينة، حتى إن كلفه الأمر الترشح في لائحة مستقلة، وفق ما أورده مصدر مقرب منه، في وقت علمت «الأيام» أن شباط انخرط خلال الساعات الماضية في مفاوضات جادة مع أحد أحزاب الأغلبية الحكومية قصد نيل تزكيتها بالترشح، ويرجح أن تنتهي إلى توافق الطرفين في الساعات المقبلة. لم تنته فصول قصة الصراع بين شباط وقيادة الاستقلال عند هذا الحد، بل مازال يوجد في تفاصيلها المعلنة ما يثير الانتباه، ويتعلق الأمر بهوية الشخص الذي كلفته اللجنة التنفيذية بمهمة التنسيق بالنيابة بعمالة فاس لمتابعة القرارات والقضايا التنظيمية والتدبيرية والانتخابية للحزب، والذي لم يكن سوى «حميد فتاح» الشخصية التي اقترن بروزها السياسي بحميد شباط وكانت «صيدا» ثمينا لطالما تباهى به، قبل أن تصبح رصاصة الرحمة التي أنهت حياته داخل حزب الاستقلال. معركة ومرض ! قبل التطرق إلى التفاصيل المنسية في قصة هذه الشخصية المكلفة بوضع حد لتطلعات شباط، والتي ستلقي بظلالها على المشهد الحزبي في الأيام المقبلة، تشي كواليس ما يعتمل داخل الأحزاب السياسية مؤخرا بأن حزب الاستقلال ليس حالة معزولة، وأن الأوضاع مرشحة للانفلات في عدد من التنظيمات، خاصة مع بدء موسم التزكيات الذي يعكس عجز الأحزاب عن «إنجاب الأطر»، حيث تنخرط القيادات باستثناء «العدالة والتنمية» وتكتل «فيدرالية اليسار الديمقراطي» في حملة واسعة لاستقطاب الأعيان ومحترفي الانتخابات. وينخرط في هذا السباق المحموم حتى حزب الاستقلال الذي يَعُج بالأطر لكنه يفضل الرهان على «الأعيان» وإن كانوا من ذوي «السوابق الانتخابية»، بينما لم يعد للمناضلين على قلتهم مكان داخل الاتحاد الاشتراكي في عهد لشكر لحمل مِشعل هذا الحزب العتيد في الانتخابات، ويتجه بدوره لتزكية أكبر عدد من الأعيان الذين اكتسبوا تجارب وازنة في الترحال الحزبي! وبين الثنايا، يبرز صراع غير معلن لكنه يلقي بظلاله على مواقف الطرفين، يتعلق بالتنافس بين التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة على استقطاب أوراق «الجوكر»، فيما يبدو حزب أخنوش الطرف الأقوى الذي استطاع أن يجذب إليه فئة رجال الأعمال الذين يعكسون الجهة التي تميل إليها ريح الموسم، كما حصل عند انتقالهم الجماعي لحزب إلياس العماري في 2016 وسبحان مبدل الأحوال. وبينما ينهمك حزبا الحركة الشعبية والاتحاد الدستوري في منح التزكيات في «صمت»، فإن التقدم والاشتراكية يضع اللمسات بصمت، وفق ما أسر به مصدر قيادي بالحزب، على استقطاب عدد ممن وصفهم بالكفاءات، غالبيتهم من الشباب ذوي شبكات التأثير على المستوى المحلي، أملا في إضافة مزيد من المقاعد إلى حصته. أما العدالة والتنمية الذي لن يُعرف مرشحوه قبل منتصف يوليوز في ظل تفعيله مسطرة خاصة لاختيارهم، فإن ديمقراطيته الداخلية الراسخة قد تتحول إلى نقمة بالنسبة إلى البعض، خاصة إذا ما أفرزت نفس الوجوه/ الشيوخ التي يحتكر بعضها الترشح منذ 1997 والتي قد تكون استنفدت رصيدها بعد تدبيرها الشأن العام. ويعتبر تجديد النخب أهم تحدٍ يواجهه حزب المصباح، خاصة بعد تنحية المصطفى الرميد التي حملت في تفاصيلها دعوة مبطنة للتشبيب، بغض النظر عن الأسباب المرتبطة بخصومته مع العثماني، وفق ما أسره مصدر مقرب منه. القصة المنسية ! التجديد الذي قد يعجز عنه البيجيدي هو الذي حرص الاستقلاليون على تسويقه بمحاصرة شباط وقص أجنحته كي لا يطير مجددا نحو مقر القيادة، بحسب مصدر قيادي بالحزب. لكن المثير أن يتولى عملية القص هاته «حميد فتاح» الذي غطت قصته على الأخبار قبل نحو عقدين من الزمن، فما لا يعرفه كثيرون أن حميد فتاح كان أول كاتب جهوي لحزب العدالة والتنمية بجهة فاس، وأحد مؤسسي الحزب وحركة «التوحيد والإصلاح»، والرجل الأقوى في بيت الإسلاميين منذ تأسيس البيجيدي في منتصف تسعينيات القرن الماضي، قبل أن يستقطبه شباط إلى صفه سنة 2003 غداة فوزه بعمودية المدينة، ملحقا أكبر الضربات بالبيجيدي آنذاك، لكن يبدو أن شباط لم يتصور في ذلك الوقت أن هذا الرجل هو من سيتولى تنفيذ عملية إجلائه من الحزب وإلا لكان عدل عن قراره، يقول قيادي بالعدالة والتنمية ساخرا. وتعود هذه الواقعة التي يتذكرها الإسلاميون بمرارة إلى العام 2003، عندما تمكن العدالة والتنمية من الوصول إلى رئاسة مقاطعة «سايس» بفاس بعد تكوين أغلبية مع الاستقلال الذي كان يُسيطر على باقي المقاطعات وعمودية المدينة، ولم يجد أفضل من قائده «حميد فتاح» ليتولى هذه التجربة الأولى في تدبير الشأن العام، لكن هذا التحالف لم يدم طويلا حين قرر الحزب مركزيا فضه والتموقع في المعارضة، فتلقى الصدمة الكبرى، وهي امتناع «فتاح» عن مغادرة كرسي رئاسة المقاطعة، وبقي في منصبه بدعم من الاستقلاليين، قبل أن ينضم إليهم رسميا في انتخابات 2009. غياب البرامج بعيدا عن قصة شباط، فإن التساؤل الذي يطرحه متتبعون هذه الأيام دون أن يتلقوا جوابا عنه يتعلق بالبرامج الانتخابية، فباستثناء التجمع الوطني للأحرار الذي أفرج عن برنامجه الانتخابي قبل أيام واكتسب قصب السبق رغم تلقيه انتقادات عديدة من خصومه، فإن باقي الأحزاب منشغلة بتثبيت المرشحين في الدوائر ال92. والمؤكد اليوم أن البرامج هي آخر ما تفكر فيه الأحزاب، خاصة في ظل غياب أفق زمني لإعلانها عن وعودها الانتخابية، بما في ذلك العدالة والتنمية الذي ينتظر كثيرون برنامجه بعد عشر سنوات من قيادته الحكومة وعجزه عن تفعيل عدد كبير مما أعلنه في انتخابات 2011 و2016. ويُرجع البيجيدي أسباب تأخره في الإعلان عن برنامجه الانتخابي إلى انخراطه في إعداد ثلاثة برامج وليس برنامجا واحدا، الأول بقيادة البرلماني عن دائرة مكناس إدريس صقلي عدوي وهو خاص بالانتخابات التشريعية، والثاني بقيادة الوزير عزيز رباح ويتعلق بالانتخابات الجماعية والجهوية، أما الثالث بقيادة رشيد جينكي رئيس الفضاء المغربي للمهنيين فَيَهُم الانتخابات المهنية. تفاصيل خطة «شباط» التي أحبطها «ولد الرشيد» رغم أن قرار اللجنة التنفيذية للاستقلال بحل فروعه وهيئاته بفاس يَقطع الطريق عمليا أمام ترشح حميد شباط للانتخابات الجماعية، بعد أن جعل قرار منح التزكية للمرشحين بِيد القيادة مباشرة وليس الهياكل التي يسيطر عليها الأمين العام السابق للحزب بالمدينة، إلا أن المضمون السياسي لهذا القرار أكبر من ذلك بكثير، فالمعلومات التي جمعتها «الأيام» من مصادر استقلالية متطابقة، تؤكد أن القرار المتخذ هو محاولة لإحباط خطة بدأها شباط وكانت تستهدف السيطرة من جديد على الحزب، وكانت البداية بسعيه للعودة إلى عمودية فاس وتحكمه في التزكيات للانتخابات البرلمانية والجماعية والجهوية والمهنية بالمدينة، مستفيدا من شبكة المصالح التي بناها طيلة عقدين من الزمن. وأوردت المصادر أن شباط كان يروج أمام أنصاره أنه أقوى من اللجنة التنفيذية ويمتلك القرار كله بشأن التزكيات، لدرجة عقده صفقة مثيرة مع ابن الوزير الأول الأسبق عباس الفاسي تقضي بتزكية الأخير لوضعه وكيلا للائحة الحزب للانتخابات البرلمانية في دائرة فاس الشمالية، مقابل ترشيح نفسه وكيلا للائحة الحزب في مقاطعة المرينيين في الانتخابات الجماعية والتي ستجرى في نفس اليوم، وهو ما جر عليه غضب حمدي ولد الرشيد الذي نزل بكل ثقله من أجل «قص أجنحته قبل أن يطير»، بتعبير أحد مصادرنا، خاصة أن تيار ولد الرشيد يرفض أي تمكين جديد أو تقوية لنفوذ الفاسيين بالحزب. ويظهر من خلال التطورات الجديدة داخل الاستقلال أن الصورة التي حرص شباط على إظهارها منذ عودته من أوروبا بعد غياب دام أكثر ثلاث سنوات، حول كونه يحمل ضوءا أخضر من قيادة الحزب للإطاحة بإدريس الأزمي من عمودية فاس لم تكن صحيحة، وأن كل تحركاته كانت اللجنة التنفيذية تنظر إليها على أساس أنها «مشبوهة» قبل أن تبادر إلى وضع حد لها قبل أن تتمدد إلى خارج فاس.