"من يكسب الحرب ميدانيا لا يجني ثمار نصره بالضرورة من خلال المفاوضات التي تعقب الحرب"، استحضار هذا المبدأ، وربطه بما تشهده الساحة السياسية المغربية اليوم من صراعات، مرده دخول المشاورات التي أعلن عنها رئيس الحكومة، مباشرة بعد تنصيبه عقب الإعلان عن نتائج الاستحقاقات التشريعية الأخيرة، مرحلة جمود سياسي، لم يبلغ بعد مرحلة الأزمة ولكنه ينذر بها إن الفصل 47 من الدستور الذي التزم الملك بالتقيد بمضمونه لم يطرح السيناريوهات المحتملة في حال فشل رئيس الحكومة المعين من قبل الملك في جمع أغلبيته، وكذا غياب سقف زمني محدد لهذه المفاوضات، وهذا يعتبره البعض تقصيرا ينم عن غياب الحس التوقعي في الفكر الاستراتيجي لأعضاء اللجنة التي أشرفت على صياغة الدستور، على الرغم من تضمن بعض المذكرات التي بعثت بها بعض الأحزاب السياسية لمقتضى في هذا الصدد، بينما يعتبر البعض الآخر غياب التنصيص على هذه الحالة إشارة ضمنية إلى ضرورة نجاح رئيس الحكومة المعين في مهمته. حسب رأي أغلب المهتمين فإن مؤشرات الفشل في إدارة المشاورات الأولية ظهرت منذ البداية عملا بمقولة "بنكيران من الخيمة خرج اعوج"، حيث تعمد رئيس الحكومة الإدلاء ببعض التصريحات المستفزة في حق مفاوضيه، كاتهامهم بالابتزاز السياسي، ورغبتهم في تكريس التحكم والتقليل من أهميتهم، بالاعتماد على النتائج المحققة برسم التشريعيات الأخيرة، كما تعمد رئيس الحكومة المكلف الكشف عن تفاصيل مشاوراته الأولية لبعض وسائل الإعلام، وهو ما يتناقض مع الأعراف الجاري بها العمل في هذا النوع من المشاورات، كما يعاب على رئيس الحكومة سوء التقدير في ما يتعلق بقراءة الأرقام التي أفرزتها الانتخابات التشريعية، وتركيزه على لغة الأرقام عوض لغة البحث عن التوافقات الممكنة، إذ ساد الاعتقاد بمجرد الحصول على الموافقة الرسمية لحزب الاستقلال أن انضمام هذا الحزب سييسر تشكيل الائتلاف الحكومي، وسار بنكيران يتحدث عن حاجته إلى 20 مقعدا فقط، عوض الحديث عن تنظيم سياسي قادر على تحقيق الانسجام والدفع بمسلسل تشكيل الحكومة إلى الأمام.
كما انتقد بعض المتتبعين التسرع الذي أظهره رئيس الحكومة في إدارة هذه المفاوضات عندما أعلن أن مهمته ستتكلل بالنجاح في أقرب وقت، ورفضه الحسم في تشكيل الحكومة عقب موافقة الاتحاد الاشتراكي مبدئيا على المشاركة فيها، وهو ما اعتبره البعض فرصة ضائعة كان بالإمكان استغلالها على النحو الأمثل. ووفق آراء مهتمين فقد افتقد رئيس الحكومة الليونة والحكمة المفترضة في مثل هذه الحالات، على اعتبار أن السياسة فن الممكن وليس المحال، كما أشاروا إلى غياب الكفاءة في إدارة المفاوضات بالنسبة لشخص رئيس الحكومة المكلف، الذي حول الصراع بين تنظيمات سياسية إلى صراع أشخاص.