في 17 مارس 2016 نزل الأصالة والمعاصرة بكل ثقله في جهة الشمال، بقيادة إلياس العماري، لإنجاح مؤتمر دولي حول تقنين الكيف، نظر إليه العدالة والتنمية ك»غول» كبير يهدد قيم المجتمع وورقة انتخابية سابقة للأوان. مضت خمس سنوات بالتمام والكمال، ليجد العدالة والتنمية نفسه، تحديدا في 11 مارس 2021، يمرر مشروع قانون «تقنين الكيف» في مجلس حكومي، بعد أن تحمس له العثماني والرميد ورباح وأمكراز، فيما التزم اعمارة والوافي ومصلي الصمت الذي لا يمكن أن يفسر بالرفض. وبعيدا عما أثاره انطلاق قطار تقنين القنب الهندي من تطورات في بيت الإسلاميين، بلغت حد تجميد زعيم الحزب السابق عبد الإله ابن كيران عضويته فيه، وإعلانه مقاطعة إخوانه المتحمسين للتقنين، فإن النقطة الرئيسية التي لوح بها رافضو التقنين هو الفجائية في إطلاق المشروع في «التوقيت غير المناسب»، في نظرهم. لم ينزل من السماء ! عكس ما يروج بأن مشروع التقنين نزل من السماء فجأة، فإن المعلومات التي توصلت إليها «الأيام» تؤكد أن رئيس الحكومة كان على علم ببدء الدولة في هذا المسار منذ نحو سنة، تحديدا منذ اجتماع اللجنة الوطنية للمخدرات في 11 فبراير 2020 والتي تحمست للتوصيات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية بشأن إعادة تقييم خطورة نبتة القنب الهندي، والتي أوصت بتصويت المغرب في الدورة ال 63 للجنة المخدرات التابعة للأمم المتحدة بالعاصمة النمساوية فيينا لصالح توصية «الصحة العالمية» بإزالتها من الجدول الرابع للمواد المخدرة الشديدة الخطورة. وذلك ما حصل بالفعل في دجنبر 2020، إذ كان المغرب ضمن الدول ال 27 (من أصل 53) التي صوتت لصالح إعادة تقييم «الصحة العالمية» لخطورة نبتة الكيف، علما أنها كانت المرة الأولى منذ اعتماد الاتفاقية الوحيدة للمخدرات لسنة 1961 التي غيرت فيها المنظمة موقفها من مخدر نبتة القنب الهندي والمواد ذات الصلة. وساهم تصويت المغرب في إقرار التعديل بفارق صوتين، حيث يفيد الرجوع إلى جداول الاتفاقية الوحيدة للمخدرات لسنة 1961 بصيغتها المعدلة، والمنشورة في الموقع الإلكتروني للجنة المخدرات بالأمم المتحدة، ورود اسم «القنب وراتنج القنب الهندي وخلاصات وصبغات القنب الهندي» في قائمة العقاقير المدرجة في الجدول الأول بدل الرابع حيث يصنف الهيروين. ورغم هذا التوجه الواضح للمملكة، فإن العثماني كان حريصا على عدم إثارة الموضوع داخل حزبه، حيث لم يخبر الأمانة العامة بوجود مسودة مشروع قانون للتقنين إلا في اجتماعها يوم 16 فبراير الماضي، وفق ما أكده بشكل متطابق مصدران من الأمانة العامة للحزب، أي قبل 10 أيام فقط من برمجة المشروع في اجتماع المجلس الحكومي (25 فبراير) وبعد انعقاد لجنة وزارية منتصف فبراير لمدارسة المسودة ترأسه المصطفى الرميد بدل العثماني الذي كان يمثل الملك في قمة مجموعة دول الساحل الخمس في تشاد. وإثر ذلك نظمت الأمانة العامة لقاء دراسيا يوم 21 فبراير خصصته لدراسة التقنين بمشاركة أعضاء فريقي الحزب في لجنتي الداخلية، واستمرت في تعميق النقاش، تضيف المصادر، في خمسة لقاءات متتالية حتى أعلنت في اللقاء الأخير المنعقد في 6 مارس عن موقفها المتمثل في إجراء دراسة الأثر وفتح نقاش عمومي بشأنه وتوسيع الاستشارة المؤسساتية حوله، والذي يفهم منه أنها مع «التقنين» لكن «ليس الآن»، يقول قيادي بالحزب. تحركات البام والاستقلال بعيدا عن البيجيدي الذي وجد نفسه في «حرج شديد» وهو يمرر التقنين في عهده بعدما تصدى له في وقت سابق، والذي اصطدم ب»مأزق» استقالة ابن كيران، فإن المشهد لدى الأحزاب الأخرى مختلف تماما، ذلك أن كل الأحزاب سواء في الأغلبية أو المعارضة متحمسة للمشروع، خصوصا حزبا الاستقلال والأصالة والمعاصرة اللذين ترافعا لأجله منذ حكومة ابن كيران. وإذا كان حزب الاستقلال هو صاحب قصب السبق في تجريب التشريع للتقنين سنة 2014، فإن الأصالة والمعاصرة هو من أشعل النقاش في العهد الجديد، عندما أعلن فؤاد عالي الهمة مؤسسه في ماي 2009 بمهرجان أمام سكان «كتامة»، إحدى المناطق التاريخية لزراعة الكيف، رفع حزبه تحدي تقنين زراعة نبتة الكيف وتوجيه استعمالها لأغراض طبية، وفي تلك الفترة علق الرميد على دعوة الهمة بأنها «لا تعدو أن تكون كلاما لدغدغة مشاعر الناخبين»، قبل أن يصبح الأكثر حماسا للتقنين من جانب الإسلاميين !! ولم تمض سوى سبع سنوات حتى جمع إلياس العماري 200 خبير ومسؤول عن منظمات المجتمع المدني، ومزارعين وسفراء وشخصيات من أوروبا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وإفريقيا، أجمعوا في الأخير وفق خلاصات الاجتماع – أن النبتة تتميز بفوائد كثيرة على المستويين الطبي والصناعي، تظل الاستفادة منها حكرا على الدول التي تمكنت من إصدار نصوص قانونية تنظم بموجبها كيفية الاستفادة من مزايا النبتة، ودعوا إلى تقنين هذه الزراعة بالنظر للوضع الخاص للمناطق المعنية. وقبل ذلك كان العربي المحرشي وعبد العزيز بنغزوز عضوا فريق البام بمجلس المستشارين قد وضعا في 10 دجنبر 2015 مقترح قانون بشأن تقنين زراعة الكيف، ثم لاحقا في نفس السنة، مقترح العفو العام عن المزارعين، لكن كلا المقترحين القانونين بقيا في ثلاجة لجنة القطاعات الإنتاجية ولجنة العدل على التوالي، وإن كان مقترح قانون العفو العام تم تقديمه أمام وزير العدل في اللجنة قبل أن يطالب البام بتأجيل مناقشته إلى أن تتم مناقشة مقترح التقنين أولا، وفق إفادة صاحب المقترح العربي المحرشي ل»الأيام». ولم يكن مقترحا قانون البام الوحيدان المسجلان في البرلمان، فقد كان الاستقلال سباقا لتجريب حظه في التقنين بتقديم مقترحي قانونين حملا توقيع عدد من النواب أبرزهم نور الدين مضيان وحميد شباط، جاء الأول باسم «مقترح قانون العفو العام عن الأشخاص المحكوم عليهم والمتابعين في جرائم زراعة الكيف»، وأحيل إلى المجلس يوم 2 يونيو 2014، ومن ثم إلى لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان في 23 يونيو 2014، لكن لم تتم برمجته للتقديم والمناقشة على مستوى اللجنة حتى اليوم، فيما تعلق الثاني ب»زراعة وتصنيع وتسويق عشبة الكيف» الذي أحيل على المجلس في 23 دجنبر 2014، وعلى لجنة القطاعات الإنتاجية في 16 يناير 2015، وكان أكثر حظا من سابقه، كما أوضح مصدر بالفريق الاستقلالي، حيث تم تقديمه على مستوى اللجنة لكن دون برمجته للمناقشة العامة والتفصيلية. القطار لن يتوقف وإذا كانت الدولة لم تتفاعل سابقا مع أي من دعوات التقنين، حتى تلك الصادرة مع طرف الأحزاب السياسية، وواجهت بعضها بصرامة غريبة كما حصل مع الحقوقي شكيب الخياري (حاليا منسق الائتلاف المغربي للاستعمال الطبي والصناعي للكيف) الذي قضى عقوبة سجنية سنة 2008 بتهمة «تسفيه مجهودات الدولة» في مجال محاربة المخدرات لأنه دعا إلى تقنين الكيف، فإن الوضع أصبح مختلفا اليوم، ذلك أن قطار التقنين انطلق ولن يتوقف حتى يصل المحطة بسلام، وهي إخضاع كافة الأنشطة المتعلقة بزراعة وإنتاج وتصنيع ونقل وتسويق وتصدير واستيراد القنب الهندي ومنتجاته لنظام الترخيص، وخلق وكالة وطنية يعهد إليها بتنمية سلسلة فلاحية وصناعية تعنى بالكيف. ويعول المغرب على وضع قدمه في السوق العالمي للقنب الطبي، الذي يبلغ متوسط توقعات نموه السنوي 30 في المائة على المستوى الدولي و60 في المائة على المستوى الأوروبي، والذي سبقته إليه 48 بلدا و30 ولاية أمريكية، تتوزع بين 22 بلدا أوروبيا و15 من الأمريكيتين وخمسة بلدان آسيوية، وخمسة بلدان من إفريقيا وأستراليا. ورغم تقلص مساحات زراعة القنب الهندي في الأقاليم الشمالية للمملكة في السنوات الأخيرة بنحو 65 في المائة، أي من 134 ألف هكتار إلى قرابة 47 ألفا و500 هكتار وفق آخر تقييم أنجزته الداخلية بالاعتماد على صور الأقمار الاصطناعية، فإن هذه الأراضي قادرة على جعل المغرب رقما صعبا في المجال، خاصة أن أراضيه تنتج بوفرة، كما تعكس ذلك الأرقام عن كمية الحشيش المضبوطة في الاتحاد الأوروبي، حيث ذكر تقرير المخدرات الصادر عن الاتحاد الأوروبي لعام 2018، أن ثلاث أرباع الكمية الإجمالية المضبوطة من «القنب الهندي» في عام 2016 كان مصدرها المغرب. ويرى المتحمسون للتقنين مثل نور الدين مضيان رئيس الفريق الاستقلالي، أن التقنين سيعود بالنفع على المزارعين ويقلص من استغلال الأباطرة والوسطاء، ذلك أن العائد لكل مزارع من هذا النشاط كان يقدر بحوالي 20 أو 30 ألف درهم كحد أقصى، بينما يستطيع المهربون والوسطاء جني ملايير الدراهم. حسابات الربح من تقنين الكيف تفيد حسابات الربح والخسارة من تقنين الكيف، استنادا إلى دراسة أجراها مكتب دراسات عالمي مقره لندن ومتخصص في دراسة إمكانيات نبتة القنب الهندي، يحمل اسم «PROHIBITION PARTNERS»، بعنوان «إطلاق العنان لإمكانيات القنب»، أن المغرب يمكن أن يحقق من عائدات التجارة المشروعة للقنب الهندي رواجا ماليا يمكن أن يصل إلى 10 مليارات دولار (100 مليار درهم) بحلول 2023، وذلك باحتساب ما يمكن أن توفره 47 ألف هكتار من الأراضي المعروفة بزراعة الكيف في مناطق الشمال، خاصة في كتامة بالحسيمة وباب برد بالشاون ووزان وتاونات. كما توقعت الدراسة أن يوفر تقنين الكيف نحو 100 ألف فرصة شغل، وهو ضعف عدد المزارعين الذين تفيد إحصاءات رسمية أنهم مبحوث عنهم ويمارسون زراعة نبتة القنب الهندي بشكل سري، ويتعرضون للملاحقة الأمنية المستمرة. وبالرجوع إلى الموقع الإلكتروني لهذا المكتب العالمي، نجد أنه يقدم نفسه بأنه متخصص في الترافع لأجل رفع الحظر عن زراعة نبتة القنب الهندي ودراسة إمكانياتها وتقديم حلول استراتيجية لقاعدة عملائه من المستثمرين والمشتغلين والشركات الكبرى والعلامات التجارية للسلع الاستهلاكية والهيئات الحكومية. ويظهر من خلال تصفح بياناته أنه يضع المغرب كقبلة عالمية للباحثين عن الاستثمار في نبتة القنب الهندي، بل يعتبره أحد أهم الأسواق الإفريقية وأهم منتجيه، في وقت تسارع عدد من البلدان الإفريقية إلى التقنين كوسيلة لتعزيز اقتصاداتها الهشة. وإلى اليوم، قامت أربع دول إفريقية بتقنين الكيف هي جنوب إفريقيا وزامبيا وليسوتو وغانا، وهي كلها بلدان لا يمكنها منافسة المغرب في استقطاب الشركات العالمية وتوفير منتوج بوفرة وجودة كبيرتين.