Getty Imagesجيمس وات يعتبر مخترع المحرك البخاري لكن اسرته استفادت من تجارة العبيد من أشهر أبناء غرينوك هو جيمس وات، الذي أدخل تحسينات كبيرة على المحرك البخاري الذي لعب دوراً بارزاً في انطلاق الثورة الصناعية.وقد جرى في السنوات الأخيرة التدقيق في سُمعة أشهر مهندس في اسكتلندا، إذ أشار بعض المؤرخين إلى أن عائلة وات استفادت في تجارة البشر بل وشاركت فيها.وقبل عامين، وصف تقرير صادر عن جامعة غلاسكو التي تضم كلية هندسة تحمل اسم جيمس وات والد المخترع بأنه "تاجر رقيق في الهند الغربية دعم وات في حياته المهنية".وكان المزارعون الكاريبيون أيضاً مستهلكين مهمين لمحركات وات البخارية، إذ استخدموها لاستخراج مزيد من العصير من قصب السكر.وفي عام 1791 ألغى وات طلباً لشراء محرك بخاري من قبل شركة فرنسية في ما يعرف الآن باسم هايتي، واصفاً تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي بأنها "عار على الإنسانية"، وطالب بإلغائها التدريجي من خلال تدابير "حكيمة".ولكن قبل أن تكتسب حركة مناهضة العبودية زخماً، هناك دليل على أن وات،عندما كان صغير السن، كان متورطاً في إحضار صبي صغير اسمه فريدريك ربما عبداً من منطقة البحر الكاريبي إلى غرينوك للعمل في خدمته.والأكيد هو أن عائلة وات مثل آلاف من الآخرين في جميع أنحاء اسكتلندا، استفادت بشكل كبير من تجارة السلع التي أنتجها العبيد.وقد ألغيت العبودية في الإمبراطورية البريطانية قبل سنوات من إنشاء أول معمل لتكرير السكر في غرينوك في عام 1850، لكن إرثها استمر إذ قدم أحفاد العبيد العمالة الرخيصة للبضائع المستوردة. Getty Imagesمثل هذه الحصون على ساحل الاطلس سهلت تجارة العبيد وعلى مدى 250 عاماً شكلت الملاحة وصناعة السكر أساس ازدهار مدينة غرينوك في اسكتلندا، لكن هناك كلمة أخرى تبدأ بحرف S كانت أيضاً مصدر ثرائها.ويعتقد أحد أعضاء مجلس النواب الاسكتلندي أن متحفاً وطنياً جديداً مكرساً للاقرار بدور اسكتلندا التاريخي في تجارة العبيد يجب إنشاؤه في غرينوك. لكن لماذا غرينوك بالذات؟ مثلث التجارة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، كانت كل من غرينوك وميناء غلاسكو القريب منها بوابة البلاد إلى تجارة مربحة في مجال السكر والتبغ والخمور وأحياناً تجارة البشر.ومثلما هو الأمر في غلاسكو لا يزال هذا التاريخ ينعكس في أسماء الشوارع، كشارع توباغو وجامايكا وأنتيغوا وفيرجينيا.لقد تراكمت الثروات وتمتع التجار بسنوات من الازدهار، بيد أن ثمن ذلك كان باهظاً.كانت العبودية موجودة في أفريقيا قبل أن يأتي الأوروبيون، لكن استعمار جزر الكاريبي فتح صفحة جديدة قاتمة في هذا الشأن.ففي عام 1562 خطف البحار الإنجليزي، جون هوكينز، 300 أفريقي وباعهم في أمريكا وجنى كثيرا من الأموال، ما شجع على ازدهار هذه التجارة وسارع الآخرون إلى السير على خطاه.في البداية، احتكرت شركة Royal African ومقرها لندن هذه التجارة المشؤومة، لكن مدناً أخرى،ولا سيما بريستول وليفربول ضغطتا بنجاح ليكون لهما نصيب فيها.وفي عام 1707 مهد قانون الاتحاد في بريطانيا الطريق أمام السفن الاسكتلندية للانضمام إلى ما أصبح يعرف باسم بمثلث التجارة.في المرحلة الأولى من رحلتهم إلى غرب إفريقيا، حمل الاسكتلنديون معهم الزجاج والمنسوجات والمعادن والبنادق التي يمكن استبدالها بالأسرى الأفارقة.وعلى طول الساحل كانت هناك "حصون العبيد" حيث كان يُجرد الأسرى، الذين يُجلبون إلى هناك عادة من قبل الوسطاء الأفارقة، من ملابسهم ويقيدون بالسلاسل تمهيدا لبيعهم أو استبدالهم بسلع. Getty Imagesمثل هذه الحصون على ساحل الاطلس سهلت تجارة العبيد وكانت المرحلة التالية من الرحلة التي كانت تسمى المرحلة الوسطى قاسية على الأسرى من الأفارقة، إذ كانوا يُحشرون في مساحات صغيرة لعدة أشهر وأحياناً يتعرضون للضرب أو الكي بالحديد الساخن أو الاعتداء الجنسي من قبل الطاقم.ووفقاً لبعض التقديرات مات خُمسهم في البحر، وانتحر كثيرون بسبب ما لقوه من أصناف التعذيب.وكانت هناك أرباح يجب جنيها في كل المراحل الثلاثة من مثلث التجارة.في القرن الثامن عشر كان سعر "العبد القوي والقادر" قد يصل إلى أكثر من 100 جنيه إسترليني- أي 11000 جنيه إسترليني بأسعار اليوم.وكان ثمن الشابات الأفريقيات الأسيرات أعلى من ذلك لأنهن قادرات على إنجاب مزيد من العبيد.وكانت المرحلة الأخيرة من الرحلة هي عودة السفن إلى اسكتلندا محملة بسلع ذات ربح أكبر مثل السكر والخمر والتبغ.وكانت أعداد سفن العبيد الاسكتلندية المسجلة رسمياً للإبحار من مينائي غرينوك وغلاسكو تعد صغيرة مقارنةً بموانئ مثل ليفربول وبريستول، لكن الاسكتلنديين شاركوا في هذه التجارة بطرق أخرى.ويُعتقد أن خمس مالكي رحلات العبودية من ليفربول كانوا اسكتلنديين، إذ لعب الاسكتلنديون دوراً بارزاً في تسيير العديد من شركات العبودية في إنكلترا.الماضي الاستعماري لهولندا يكشف عن شروخ المجتمعكان يُنظر إلى مزارع قصب السكر باعتبارها مصدر ثروة، ما أغرى الآلاف من الاسكتلنديين بالذهاب إلى منطقة البحر الكاريبي في محاولة لجمع الثروات.وبحلول أوائل القرن التاسع عشر يُعتقد أن ثلث المزارع في ترينيداد، أكبر منتج للسكر في العالم، كانت مملوكة لأسكتلنديين، لكن سرعان ما تضاءلت الأرباح التي يمكن جنيها من تجارة العبيد مقارنة بالثروات الناتجة عن عملهم وبعرق جبينهم.وقد منح الموقع الجغرافي لاسكتلندا ميزة كبيرة للسفن الاسكتلندية بسبب قربها من الخطوط التجارية لشمال الأطلسي في ما يتعلق بجلب التبغ من مزارع التبغ في فرجينيا.وقبل تعميق نهر كلايد كي يتسنى للسفن الكبيرة الدخول إلى قلب غلاسكو نفسها، كان ميناء غلاسكو أحد أكثر موانئ التبغ نشاطاً في العالم.وكانت صناعة السكر تعد فرصة تجارية واعدة، ففي غضون عقدين من الزمن أقيم في غرينوك 14 مصنعاً للسكر بينما كانت تصل 400 باخرة من منطقة الكاريبي حاملة المواد الأولية لهذه المصانع.تعد مستودعات السكر في غرينوك، المُدرجة في قائمة الارث التاريخي ، إلى بجانب حوض السفن الذي يحمل اسم جيمس وات معالم بارزة للدلالة على تجارة نشأت وازدهرت من عمل عمال المزارع.ويؤكد النائب عن منطقة غرينوك أن حركة حياة السود مهمة قد "أبرزت ضرورة مواجهتنا لماضينا".ويرى أن مستودعات السكر هي المكان المثالي لإقامة "متحف وطني لحقوق الإنسان"، إذ يسلط الضوء ليس فقط على العبودية ولكن أيضاً على المظالم التاريخية الأخرى مثل حملة الترحيل عن منطقة هاي لاند في سكتلندا.وأوضح أن "غرينوك كانت نقطة الانطلاق لأكثر من 600 ألف شخص غادروا إلى العالم الجديد"."فيما يتعلق بتطهير مرتفعات هاي لاند غادر العديد منهم المرتفعات واستقروا في هذا الجزء من اسكتلندا ... قلة قليلة من الناس تعرف عن تطهير المرتفعات ولكن هذا جزء من القصة التي يمكن روايتها أيضاً".لكن فكرة الجمع بين تهجير سكان المرتفعات وتجارة البشر حين كان البشر مملوكين بشكل قانوني في مؤسسة واحدة لها منتقدوها.ويعتقد القيادي في الحزب الوطني الاسكتلندي، غراهام كامبل، عضو مجلس مدينة غلاسكو أن مثل هذه "الأحداث التاريخية الضخمة" تستحق متاحفها المخصصة ولا ينبغي "تجميعها معاً".ويضيف: "يجب أن يكون مركز مثل هذا المتحف في غلاسكو لأنها كانت المدينة الرئيسية التي استفادت من العبودية".في حين أن حركة حياة السود مهمة أعطت زخماً لنداءات طويلة الأمد لانشاء مثل هذا المتحف، تسبب جائحة فيروس كورونا في خلق عقبات جديدة، إذ تواجه العديد من متاحف اسكتلندا تحديات مالية.لدى المملكة المتحدة حالياً متحف مخصص فقط للعبودية، متحف العبودية الدولي في ليفربول، وقد تكون المواقع المحتملة محل نقاش لكن النشطاء متحدون في الاقتناع بأن هذا الجانب من تاريخ اسكتلندا يحتاج إلى مزيد من الاقرار. ويقول ستيوارت ماكميلان: "هذا جزء من تاريخ اسكتلندا يجب روايته".