يأسف المتابع العربي لحال الأوضاع التي تشهدها ليبيا منذ السنوات الأخيرة، بين قوات حفتر الرجل الطامح إلى السلطة عسكريا، ويحظى بدعم كبير في مقدمته حلف مكون من دول عربية وغربية، تتزعمه الإمارات ومصر وروسيا، رغم النفي الرسمي لهذه الدول بعدم التدخل في شؤون دولة الراحل القذافي، وبين حكومة الوفاق التي يترأسها فايز السراج، المعترف بها أمميا، نتيجة اتفاق سياسي عملت الأممالمتحدة إلى جانب المغرب، على إخراجه إلى المشهد سنة 2015، من أجل وضع قطار ليبيا على السكة، لكن يبدو أن ذلك القطار مازال يتأرجح في مكانه بين الحين والآخر. خلال الأيام الأخيرة شهدت ليبيا تصعيدا عسكريا بين قوات حفتر، المدعوم ماليا وعسكريا من الإمارات وقوات حكومة الوفاق الوطني، التي تمكنت من استعادة السيطرة على ست مدن رئيسية غرب طرابلس بعد معارك ضارية بين الجانبين. تطورات المشهد الليبي، الأخيرة، دفعت حفتر، الذي تخوض قواته منذ أكثر من عام معارك للسيطرة على العاصمة طرابلس، مساء الإثنين إلى الإعلان “إسقاط” الاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات بالمغرب في 2015 وحصوله على “تفويض شعبي” لإدارة البلاد. ولم يوضح حفتر من أين حصل على هذا “التفويض الشعبي” وما إذا كان البرلمان المنتخب في 2014 يدعم خطوته هذه ولا أتى على ذكر المفاعيل السياسية التي يمكن أن تترتب عليها. وفي كلمة بثتها قناة “ليبيا الحدث” الناطقة باسمه مساء الإثنين قال حفتر من بنغازي حيث مقر قيادته ،”أيها الليبيون الأحرار تابعنا استجابتكم لدعوتنا لكم بإعلان إسقاط الاتفاق السياسي المشبوه الذي دمر البلاد وقادها إلى منزلقات خطيرة، وتفويض من ترونه أهلا لقيادة هذه المرحلة”. وأضاف “نعبر عن اعتزاز القيادة العامة – الجيش- لتفويضها بهذه المهم ة التاريخية في هذه الظروف الاستثنائية، وإيقاف العمل بالاتفاق السياسي ليصبح جزءا من الماضي بقرار من الشعب الليبي مصدر السلطات”. لكن عدد من المراقبين، اعتبروا أن خطوة حفتر تجاه “اتفاق الصخيرات”، لم تكن لتتم دون ضوء أخضر من الدول الداعمة له وعلى رأسها الإمارات، التي تحارب كل ما ينتمي إلى ما يسمى “الإسلام السياسي”، كما سبق لها أن علمت أكثر من مرة على عرقلة الاتفاق السياسي، الذي يوصف ب”أنه النقطة الوحيدة المضيئة في الأزمة الليبية، فهو الاتفاق الوحيد، الذي وضع “خارطة طريق” واضحة للأزمة، واعتمد تشكيل حكومة وحدة وطنية توافقية وهيئة تشريعية. خلفيات خطوة حفتر، تجميد العمل ب”اتفاق الصخيرات”، تطرح معها عدد من التساؤلات، من ناحية زمانها وأهدافها الخفية، وهل لها علاقة بتصفية الإمارات لحساباتها مع المغرب عن طريق رجلها في ليبيا، أم هدفها إحراج الرباط نتيجة مواقفه المعروفة فيما يخص الأزمة الخليجية ورفضه التدخل في الشؤون الداخلية للشعوب، فبينما تدعم الإمارات والسعودية حفتر تتمتع حكومة الوفاق المعترف بها من قبل الأممالمتحدة بدعم المغرب الذي يعتبر أن أي فوضى في البلد المغاربي تعني دخول المنطقة الأكثر استقراراً نسبياً في شمال إفريقيا والمنطقة العربية إلى المجهول. وحسب متتبعين، فإنه ليس غريبا، على أن الإمارات التي سبق لها في أكثر من مناسبة، أن عملت على محاولة عرقلة اتفاق “الصخيرات”، وإفساد جميع مجهودات المغرب، الذي طالما أسهم في إيجاد حل أممي، من خلال عمله على إدارة الحل الأمني والتقسيم السياسي بليبيا، إلا أن أبوظبي أدت دورا كبيرا في إفشال هذا المخطط المتفق عليه دوليا. مناسبة هذه التطورات، تأتي أياما على ضوء ملامح، ما نقلته تقارير إعلامية، من عودة خلاف الإمارات مع المغرب، إلى الواجهة من جديد، عندما اتصلت الإمارات مؤخرا بإسرائيل وعرضت عليها إخلاء مواطنيها والإسرائيليين في رحلة إجلاء مشتركة بطائرة لها، حيث حظي هذا الاقتراح بموافقة الجانب الإسرائيلي، إلا أنه أثار غضب الحكومة المغربية التي لم يكن لديها أي علم ولم يتم التشاور معها حول هذا القرار. ولم يتوقف الأمر عند الحدود بل أقدم ما يسمى ب”الذباب الإلكتروني الإماراتي” على مهاجمة المغرب، بسبب نجاحه في السيطرة على جائحة كورونا، وهو ما نددت به بعض الدول واعتبرته حملة خبيثة تستهدف المملكة المغربية. وفي الاخير نقول حفظ الله بلدنا من كل الفتن ورمضان كريم.