لم نفكر يوما أن ننجز حوارا مطولا، مع واحد من الأعضاء النشيطين للحركة الماسونية في المغرب، بكل بساطة لأن الأمر في اعتقادنا كان مستحيلا، نظرا إلى طابع السرية الذي يسيطر على نشاطات هذه المنظمة، ناهيك عن غموضها الكبير، و أتحدث عن الغموض الذي يكتنف أهدافها. العديد من المصادر تعرف “الماسونية” أو “البنائين الأحرار”، بأنها منظمة أخوية عالمية يتشارك أفرادها عقائد وأفكار واحدة فيما يخص الأخلاق، الميتافيزيقيا، وتفسير الكون والحياة والإيمان بخالق، يفترض أن يكون هو الاله. تتصف هذه المنظمة بالسرية والغموض الشديدين خاصةً في شعائرها مما جعلها محط كثير من الأخبار حول حقيقة أهدافها، في حين يقول الكثير من المحلّلّين المتعمقين بها أنها تسعى للسيطرة على العالم والتحكم فيه وتوحيدهم ضمن أفكارها وأهدافها كما أنها تتهم بأنها “من محاربي الفكر الديني” و”ناشري الفكر العلماني”. فكرة إنجاز هذا الملف عن الماسونية في المغرب جاءت بعد علمنا بانعقاد الاجتماع ال 27 للماسونيين الأفارقة، بمدينة مراكش، حيث خصص هذا الاجتماع لطرح تساؤل كبير: “ما نموذج التنمية الاقتصادية و الاجتماعية لتقدم مجتمعاتنا ؟”، كما تطرق الاجتماع الذي أحيط بالكثير من السرية إلى مواضيع فرعية من قبيل الحريات و التعليم و الحكامة. بعد هذا الاجتماع السري، تواصلنا مع واحد من “البنائين الأحرار” المغاربة، ينتمي إلى المقصورة المغربية الكبرى، و هي أكبر محفل ماسوني في المملكة، وكنا نعلم مسبقا أن طلبنا سيقابل بالرفض، ف “البناؤون الأحرار” من الصعب جدا أن يثقوا في أي شخص لا ينتمي إلى تنظيمهم السري و لم يؤدي قسم الولاء، فما بالك أن يثقوا في صحافي يفترض أن دوره هو التفتيش في خبايا الأمور و البحث عن التناقضات و تقديمها للرأي العام، غير أن المفاجأة كانت أن اقتراحنا مرحب به، لكن بشروط !! كان الشرط الأبرز ألا نذكر اسم الشخص الذي سيجري معنا الحوار، و ألا نسرب الأسرار، إلا ما هو متوافق عليه، و ألا نذكر صفة المحاوَر في هيكل التنظيم الماسوني، وألا ننشر أيضا صورته. حيث كان تبريرهم أن “الرأي العام ليس له أي منفعة في أن يعرف الأسماء، فما يهم الرأي العام -بحسبهم- هو الأفكار”.
قبلنا هذه الشروط على مضض، و لسان حالنا يقول “… اللهم هادشي و لا والو…”، و لو أن هذا الحوار، الذي ننشره في هذا الملف، هو سابقة من حيث الشكل في تاريخ الصحافة المكتوبة في المغرب، حيث ننشر حوارا مطولا بدون اسم و بلا صورة، لكنه في مقابل ذلك هو خطوة نحو الأمام من أجل إزالة الستار على طابع السرية الذي تعرف به محافل الماسونية في العالم و كذلك في المغرب. رتبنا الموعد بعناية فائقة، و حددنا أن يتم في حدود الساعة الثالثة زوالا بأحد المناطق الراقية بمدينة الدارالبيضاء، تم ذلك في سرية متناهية، و طيلة مسافة ال 100 كيلومتر التي قطعتها من مدينة الرباط نحو مدينة الدارالبيضاء، حيث مكان إجراء الحوار، كان قلبي يخفق بشكل متسارع، لسببين رئيسين: الأول لأنني ذاهب نحو سبق صحفي كبير، حيث لم يسبق لجريدة مغربية أن أجرت حوارا صحافيا مع واحد من رموز الماسونية في المغرب، مما يعني أن الضيف الماسوني الذي سنحاوره هو صيد ثمين، أما السبب الثاني، فهو اعتقادي أني ذاهب نحو المجهول، ففي الكثير من الأحيان ما نقرأ في كتب “الماسونية” أن “المعلم الأكبر” يتوعد كل من أفشى الأسرار بأن عقابه سيكون إما بالطعن أو بالشنق أو قطع الرقبة من جدورها، إذا أفشيت سرا من أسرار البنائين الأحرار. لكن لا شيء من هذا حصل، لما وصلت إلى المكان المثفق عليه، وجدت في استقبالي واحدا من أعضاء المقصورة المغربية الكبرى، وهو أقل درجة في هرم الماسونيين المغاربة، من “الأخ” (كما يقول الماسونية في قاموسهم) الذي سنحاورُه، و هو أحد كبار العناصر النشيطة في المقصورة، وهي أكبر محفل ماسوني في المغرب. استقبلنا بعناق و ابتسامة، ووضع على طاولة بيته الباذخ شكلا و إخراجا و ألوانا باهية مجموعة من المكسرات و الكثير من الفواكه الجافة و الطازجة، ليدخل مباشرة في الحديث عن تاريخ الماسونية و أهدافها، راسما صورة وردية عنها، مؤكدا أن الكثير من الجرائد المغربية أساءت للماسونيين المغاربة بعدما نشروا عنهم تقارير تتضمن معطيات مجانبة للصواب، لكن بالنسبة لي فهي منظمة توضع حولها الكثير من علامات الاستفهام و التعجب، بالنظر إلى طابع السرية الذي يكتنف أنشطتها، و كان من الطبيعي أن أصغي له بعناية حتى أفهم بشكل أكبر أهداف الماسونيين المغاربة و سر غموضهم.
ما هي إلا لحظات حتى انضم إلينا العضو الماسوني الذي سنحاورُه، اكتفى بتقديم نفسه بأنه واحد من العناصر المؤثرة و النشيطة داخل “المقصورة المغربية الكبرى” رافضا أن يَكشف عن رتبته أو صفته بالتحديد في هذا المحفل الماسوني، ظل يتحدث بثقة كبيرة في النفس و بأسلوب هادئ، تمتزج فيه اللغة الفرنسية و الدارجة المغربية، وكلمات متناثرة هنا وهناك باللغة العربية، يُرفع فيها المفعول و يُنصب فيها الفاعل، فكان الحوار رفقته:
+ سنحاول أن نتعرف من خلالكم على الماسونيين المغاربة، و سنفكك مفهوم “الماسونية”، لكن و قبل ذلك لماذا قبلت الخروج في حوار صحافي هو الأول من نوعه سواء في تاريخ الصحافة المغربية أو في تاريخ الماسونيين المغاربة ؟ المقصورة المغربية الكبرى أنشئت منذ 55 سنة من اليوم، أي بعد استقلال المغرب، وهي محفل مغربي وطني، و تجمع لعدد من الإخوان لهم جنسيات ومن أقطار مختلفة… ما يهمنا هو أن المقصورة المغربية الكبرى، تهدف إلى بلورت و إغناء مجموعة من الأفكار لها ارتباط بالفكر الديمقراطي كفلسفة، ففي كل سنة نجتمع لتقييم ما الذي أنجزه رئيس المقصورة وما الذي لم ينجزه، و يليه بعد دلك تصويت لتجديد الثقة أو لسحبها منه، وفي كل 3 سنوات نجدد المسؤولين عبر انتخابات ديمقراطية وشفافة.
+ بالعودة إلى سؤالي، لماذا قبلت دعوتنا للخروج في أول حوار صحافي يجريه الماسونيون المغاربة ؟ بعد 55 سنة من إنشاء المقصورة المغربية الكبرى، أؤكد أن الماسونية هي طريقة وطنية لتكريس “النهضة” و “تجديد الفكر”. و بالتالي فان الماسونيين في المغرب هم وطنيون، وعندما نعود إلى تاريخ الماسونية المغربية لابأس أن نذكر من بين أعضائها شخصيات اشتغلوا لمصلحة المغرب.
+ شيء جميل أنك قبلت الخروج معنا في حوار صحافي، لكن في مقابل ذلك لا تريد نشر صورتك أو اسمك الحقيقي ؟ الرأي العام الوطني ليس له في تقديري أي منفعة في أن يعرف اسمي، ليس هذا هو المهم، فما يهم الرأي العام هو الأفكار، قد يجتمع المئات من الأشخاص سواء في مطار أو باخرة أو ملعب لكرة القدم، و عندما تنظر إليهم لا تستطيع أن تميز هل هذا الشخص ماسوني أو غير ماسوني، ما يهمنا هو الشخص أو الفرد في المجتمع، هل هو مثالي أو لا ؟
تقصد أن الأهم هي الأفكار ؟ نعم، هذا ما أقصده، أما الأسماء فهناك أسماء كبيرة دخلت التاريخ من أوسع أبوابه كانوا ماسونيين فعلا، وهم دخلوا التاريخ ليس بصفتهم ماسونيين لكنهم دخلوه بفعل انجازاتهم في المجتمع، فالأصل ليست شخصية الافراد أو المسؤولين و لكن الاهم في الموضوع هي الافكار التي يحملها و يدافع عنها هدا الشخص او داك.
+ سأطرح سوالا عريضا، و الاجابة عنه تحتاج إلى حوارات و حوارات.. ماذا نقصد ب “الماسونية” ؟ فعلا الموضوع قد يحتاج إلى حوارات كثيرة و لأن تاريخ الماسونية غني و طويل، لنتذكر أن أوروبا عاشت صراعات طويلة في الحقل الديني و السياسي تولدت عنه انشقاقات و صراعات في جسم الكنيسة مما كان من نتائج هذه الصراعات أن تولدت عنها أفكار عصر النهضة إلى عهد الانوا، حيث انبثقت أفكار فلسفية جديدة أدت إلى ما اصطلح علي بالعهد المعاصر. وفي هذا الاطار يمكنكم الرجوع إلى الانتاج الفكري لفلاسفة عصر الأنوار، مثل جون جاك روسو و فولتير و المفكرين الالمان و الانجليز. هناك أيضا موضوع آخر، وهو أن الماسونية تطورت مع الإمبراطوريات، و خاصة الامبراطورية البريطانية. للعلم فإن جمال الدين الأفغاني كان شخصية ماسونية، و هو أحد الأعلام البارزين في النهضة المصرية و العربية ومن أعلام الفكر الإسلامي بحيث قام بمحاولة تجديد الفكر الديني السائد في زمنه، ومن بين تلامذته نجد محمد عبده، و نعلم أن حسن البنا، مؤسس جماعة “الإخوان المسلمين” هو تلميذ لمحمد عبده، بمعنى أن البنا استعمل الافكار التنظيمية للماسونيين و استغلها في الحقل الديني، فتنظيم “الاخوان المسلمين” مقتبسة أصلا من التنظيم الماسوني. موضوع “الاسلام السياسي” لا يهمنا حاليا، و لا يهمنا في الأصل، لأن المفاهيم السياسية و الدينية ممنوعة في محافلنا، نقاشنا هو نقاش الفكر و الأفكار، ونقاش الدراسات المجتمعية والروحية و الفلسفية و الاجتماعية، حيث تمنع علينا أي مذاكرة سياسية أو دينية في محافلنا. و أي شخص معنا يخالف هذه المبادئ يتم ابعاده من المقصورة.
+ يبقى السؤال الذي يشغل فضولي وفضول الكثيرين من قراء هذا الحوار هو ماذا تريدون كماسونيين، و إذا كنتم تتوفرون على مشروع مجتمعي فيمكنكم تأسيس حزب سياسي مثلا أو شيء من هذا القبيل ؟ نحن لا ندافع على ماسونية الدولة، في القرن ال 19 هناك من أسس ماسونية دولة، و هنا أستحضر نابوليون بونابارت، الذي وضع أخاه “المعلم الأكبر” للمحفل الماسوني في فرنسا. الماسونية في نظري لا يجب أن تكون لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة مع السياسة كمؤسسة.
+ ما الذي يهمكم إذن؟ ما يهمنا هو تكوين الفرد في شقه الفلسفي أو الفكري، فالماسونية هي مدرسة للنهضة، حيث نساهم بأفكارنا في حياة الفرد الخاصة و العامة و حياته المجتمعية وحتى السياسية إذا شاء، و أؤكد مرة أخرى أن الماسونية ليس لها دور في الحياة السياسية كمؤسسة.
+ لكن ما تقوله هو تماما عكس ما أعتقده شخصيا و يعتقد باقي الناس ؟ هدف الماسونية هو أن تخلق فردا صالحا، يتمتع بحرية الفكر وحرية تقدير المفاهيم و التمييز بينها، و هذا الفرد يصبح عضوا نشيطا سواء في السياسة أو الاقتصاد أو المجتمع أو باقي المجالات، و يصبح عضوا صالحا لعائلته أيضا.
+ كل هذا الكلام الذي تقوله كلام جميل، لكن السؤال المحير هو لماذا تشتغلون في سرية و تخفون أسماءكم ؟ سأعطيك مثالا معروفا في المجتمع المغربي وهو “الصوفية”، فالرجل المتصوف لا يجهر بتصوفه في الأزقة و الشوارع و المقاهي، سأعطيك مثالا آخر، فأي عضو من الماسونيين جاء بفكرة مجتمعية أو فكرة فلسفية، و اقترحها للنقاش و التفكير، نحن نستمع أكثر مما نتكلم، ولما ينهي العضو كلامه يفتح باب النقاش و تبادل الافكار، حيث يتم قبول فكرته أو حفضها. وتبقى تلك العصارة الفكرية محفوظة في خزانة المقصورة. ولذلك أؤكد أن ما يهمنا ليست صفة الشخص بل الأفكار التي يحملها.
+ البعض يعتبركم دينا جديدا، و إذا كان الأمر كذلك فمن هو نبيكم، أو من هو “الأخ الأكبر” باستعمال مفاهيمكم ؟ أولا أنا مسلم و أنطق الشهادتين، فالماسونية ليست دينا. حسب معرفتي فالنبي لا ينتخب، و “المعلم الاكبر” يمر بهذا الامتحان وصفته الدينية لا تهمنا.
+ وما هي إذن الماسونية ؟ هي ممارسة فكرية وليست دينا في الأصل، فبيننا أناس متدينون يصلون و يمارسون جميع شعائرهم الدينية، فالدين بالنسبة إلينا كماسونيين هو شأن شخصي يهم كل فرد، وكل واحد منا من حقه أن يختار الدين الذي يوافقه.
+ تشير مجموعة من الوثائق و الكتابات أن العديد من الوزراء في المغرب و مستشاري الملوك و كبار من رجال الأعمال هم ماسونيون و يترددون على حضور محافل الماسونية على غرار وزير الداخلية الراحل إدريس البصري، مستشار الحسن الثاني أحمد رضا اكديرة، الوزير الراحل مولاي أحمد العلوي، عبد الخالق الطريس، و قبلهم جميعا الأمير عبد الكريم الخطابي، هل يمكن أن نقول أن الماسونية هي خلية تفكير نخبوية ؟ هذا غير صحيح، فالقاعدة هي المساواة، فلا يمكن أن نقول أن محافل الماسونية هي خلية تفكير نخبوية، مند قرون كان مجموعة من الأمراء و السلاطين يمارسون الماسونية، التي ساعدتهم في الحكم. الماسونية ليست نخبوية على المستوى الاجتماعي، لكنها نخبوية على مستوى الفكر و النقاش.
+ مثلا أنا كشخص، أجلس في هذه اللحظة أمامك وجها لوجه، إذا كانت لدي رغبة في الانضمام إلى محفلكم الماسوني وهو “المقصورة المغربية الكبرى”، ما هي الشروط التي يمكن أن تفرضوها علي، أو على أي شخص آخر سواء كان زيد أو عمرو؟ قبل أن أجيبك على سؤالك أقول لك أن دخول الماسونية صعب و الخروج منها سهل.
+ هذه الجملة تحتاج إلى شرح تبسيط ؟ أن تدخل أحد محافل الماسونية من الضروري أن يكون لك “عراب” (Un Parrain)، و هذا العراب عليه أن يأتي إلى المحفل الماسوني و يقترح أي شخص للانضمام إليه بالنظر إلى ما يتمتع به و يفيد الفكر و يفيد نفسه أيضا. و بعد الاقتراح هناك مساطر يتم اتباعها، و هي بالمناسبة مساطر بسيطة، وهناك أيضا مجموعة من الطقوس التي تجعل الانسان يعيش حياة أخرى في فكر جديد، و الماسونية كلها رموز. بعد الاقتراح نقوم بتقييم للمستوى الفكري و الأخلاقي للشخص بغض النظر عن أوضاعه الاجتماعية، ولذلك قلت لك أن هناك صعوبة في الدخول إلى المحافل الماسونية، وسهولة في الخروج، لأننا لا نفرض على أي شخص أية قيود، فأي فرد يمكن أن يعلن في أي وقت يشاء إنسحابه.
+ البعض يزعم أن الدولة المغربية كانت متناغمة مع الماسونية، حيث تشير بعض الوثائق و الكتابات التاريخية أن النجمة الخماسية التي تتوسط علم المملكة المغربية كانت ثمرة لإرادة ماسونية، ووضعت بضغط من الماسونيين الفرنسيين، و من وضعها بالضبط هو الجينرال هوبير ليوطي سنة 1915، و الكل يعلم أن ليوطي كان ماسونيا، و الكل يعرف أيضا ما الذي تعنيه النجمة الخماسية عند الماسونيين ؟ هذا اعتقاد خاطئ …
+ قبل قليل قلت لي أن الماسونية رموز، و النجمة الخماسية من رموز الماسونية ؟ هذه تأويلات لن تفيدنا في شيء، الفنان التشكيلي ليوناردو دافينتشي استعمل في لوحاته التشكيلة بعض رموز الماسونية، فهل هذا يعني بالضرورة أنه كان ماسونيا، فهو لم يكن أبدا كذلك.
+ من يقولون أن المغرب متساهل مع الماسونية يذهبون في اتجاه أن محافل الماسونية في المغرب لا تتعرض للمنع، عكس محافل الماسونية في الجزائر و تونس و في معظم البلدان العربية، وما أعرفه أن دولتين عربيتين فقط لا يمارسان التضييق على محافل الماسونية و هما لبنان و المغرب، فالعديد من محافل الماسونية في المغرب عناوينها معروفة و يتوفرون على مقر و موقع الكتروني و هاتف و فاكس و بريد إلكتروني، رغم طابع السرية التي تحيط بأنشطتكم ؟ لا يتم التضييق علينا لأننا نشتغل في ماسونية وطنية و في اطار احترام قوانين الدولة المغربية، ثانيا فالمنظومة السياسية في المغرب منظومة مفتوحة على الآخر، و المغرب في تاريخه السياسي، على الأقل منذ الاستقلال إلى غاية الآن لم يشهد صراعا فكريا حتى في عز الحرب الباردة أو في عز المد الشيوعي، ففي تلك الفترة كان عندنا في المغرب حزب شيوعي. فالماسونية ليست ديانة و ليست خطا سياسيا و ليست مشروعا سياسيا، بل هو مشروع فكري إنساني. وادعاء أن المغرب هو دولة قريبة من الماسونية هدفه أن يتم تحوير النقاش و شيطنة الماسونية و الدخول في متاهات، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقوة المغرب في اختلافه، و الدليل على ذلك هو وجودنا اليوم نحن كماسونيين، وعدم التضييق علينا يدخل في إطار ذكاء و عظمة الدولة المغربية، فالمغرب دولة الاختلاف و التيارات الفكرية، وهذا ما يجعلنا دولة متفردة لا يمكن مقارنتها مع باقي الدول، فلا مقارنة مع وجود الفارق.
+ قد يقول قائل أنكم كماسونيين محظوظون بوجود “إمارة المؤمنين” التي تضمن التعددية والإختلاف، كما قال الملك شخصيا في حوار صحافي أجراه بمدغشقر، لكن قد يقول آخر أن الأمور أكبر من ذلك لأن الماسونيون المغاربة هم كبار النافذين في هرم الدولة، و بالتالي لا يتم التضييق عليكم ؟ نحن مجموعة من الأفراد البسطاء نجتمع ونناقش ثم نعود إلى بيوتنا، وقد يكون هذا الفرد حلاقا أو بستانيا أو موظفا أو مدرسا … فنحن كماسونيين نكون على قدم المساواة مهما كان شأنك ووضعك الاجتماعي أو مستواك الدراسي و الفكري…
+ في مطلع الألفية الجديدة، نشطت الحركة الماسونية في المغرب بشكل ملفت، و تعددت أنشطتكم و لقاءاتكم بين الرباط و الدارالبيضاء و مراكش و فاس و طنجة… لكن دائما كانت أنشطتكم تتم بشكل سري، و هذا ما يضع حولكم مجموعة من علامات الاستفهام، و الحقيقة التي لا تريدون الاعتراف بها -حسب البعض- هو أنكم تنشرون التعاليم الشيطانية ؟ … يضحك
+ من المؤكد أنك سمعت هذا الكلام ؟ صدق من قال “كاد الجهل أن يكون كفرا”، وهناك حديث مروي عن النبي صلى الله عليه و سلم يقول فيه أيضا ” كَادَ الْفَقْرُ أَنْ يَكُونَ كُفْرًا، وَكَادَ الْحَسَدُ يَغْلِبُ الْقَدَرَ”، فالذين يجهلون حقيقة الأمور يمكن أن يقولوا ما يشاءون و أعداء الفكر يمكن بدورهم أن يقولوا ذلك، ولذلك نقول أن من أهدافنا هو تحرير الفرد و تحرير الفكر.
+ الحقيقة الأخرى التي لا تريدون الاعتراف بها هي أن من يقف ورائكم هي إسرائيل و الحركة الصهيونية بشكل عام، وما أنتم سوى عملاء للصهيونية ؟ الماسونية لم تكن أبدا مشروعا سياسيا و لا مشروعا دينيا، أما الماسونية الصهيونية في نضرنا فليس لها معنى.
+ لكن ما هي علاقتكم بإسرائيل ؟ ليست لنا أي علاقة بإسرائيل، ولا بالمحفل الماسوني الاسرائيلي.
+ تتحدث لي عن الماسونية اليهودية، هل يمكن أن نتحدث في مقابل ذلك على ماسونية إسلامية، بما أنك أنت اليوم مسلم و تنطق بالشهادتين، و أنا أجلس معك أجدك أنك تستشهد بآيات من القرآن ؟ الماسونية هي مفهوم كوني، و إذا سقطنا في مفاهيم على غرار هذا مسلم وهذا مسيحي وهذا يهودي فحتما ستفقد الماسونية جوهرها.
+ كثيرة هي المرات التي استضاف فيها المغرب محافل للماسونية أبرزها سنة 2009، حيث نقرأ في “إعلان روما”، الذي صدر عن المؤتمر ال 19 لاحدى محافل الماسونية (سنة 2007)، و بالضبط في النقطة السابعة من الاعلان ما يلي: “قررت التمثيليات الحاضرة أن يتم عقد اللقاء الدولي ال 20 بالمملكة المغربية سنة 2009، و بهذه المناسبة نتقدم بالشكر للمجلس الأعلى في المغرب، لتفضله بقبول هذه الاستضافة”. هل شاركت شخصيا في هذا المؤتمر ؟ لا لم أشارك فيه، لكن شارك فيه ماسونيون مغاربة…
+ في سنة 2009 استضاف المغرب محفلا ماسونيا عالميا، ما هي الاجراءات الادارية و المسطرية التي تتبعونها حتى تحصلون على ترخيص لتنظيم محفل ماسوني تستضيفون فيها مئات الماسونيين من مختلف دول العالم، ففي مطلع فبراير 2019 نظمت محفلا للماسونيين الأفارقة بمراكش، فهل حصلتم على ترخيص من السلطات ؟ يجب أن تعرف أن لقاءاتنا غير عمومية، و المشرع المغربي لا يفرض أي ترخيص على اللقاءات غير العمومية.
+ اطلعت على بعض خلاصات المحفل الماسوني الذي نظمتموه مطلع فبراير 2019 بمدينة مراكش، و استضفتم فيه الماسونيين الأفارقة، تحت شعار: “ما نموذج التنمية الاقتصادية و الاجتماعية لتقدم مجتمعاتنا ؟”، وخرجتم بخلاصات وتوصيات، لكن لماذا السرية يا سيدي ؟ فهذا هو ما يطرح حولكم العديد من علامات الاستفهام و التعجب، و من الطبيعي أن يقال عنكم أنكم تنشرون التعاليم الشيطانية و لكم علاقة بإسرائيل ؟ نحن نريد أن تكون أفكارنا في خدمة حكام أو سياسيين أو باحثين نتقاسمها مع من يشاطرنا الرأي أو من لا يشاطرنا، ففي محافلنا و بلاغاتنا نريد أن نتقاسم مع الجميع عصارة أفكارنا ، حتى نتقدم إلى الأمام، في سنة 2009 قمنا بتقييم ما أنجزناه، و لما عاد المغرب إلى الاتحاد الإفريقي قمنا بتقييم داخلي، وهو تقييم للماسونية الافريقية.
+ تحاول أن ترسم صورة وردية عن الماسونية، وهذا من حقك لأنه دورك، لكن واقع الأمر يؤكد أن هناك صراعا بين قادة الحركة الماسونية بالمغرب، و الأمر له علاقة بالماسونية الفرنسية بالخصوص، معلوماتنا تشير إلى وجود صراع “الطاعة” بين الماسونية في فرنسا و الماسونية في المغرب، و هذه الصراعات أدت إلى انقسام الماسونية، حيث نجد في المغرب أزيد من 7 إلى 8 محافل للماسونية ؟ أنا في الحقيقة أتأسف لانقسام الماسونيين المغاربة، وهذا مرتبط بالماسونية في أوروبا، مع الأسف ننتج نفس الأخطاء، لكن هذه الأمور لا تهمنا…
+ وما الذي يهمكم ؟ تحرير الفكر بالنسبة إلينا هو الأساس…
+ لكن لم تجبني على أسباب تشرذم و انقسام الماسونية في المغرب ؟ هناك مرض يسمى بالفرنسية ” syndrome d'hubris” عندما تنتهي ولاية سفير ما أو وزير أو رئيس للحكومة، أو يتم تغييره أو إقالته، يتحرك على جميع المستويات من أجل أن يحافظ على نفس الكرسي، و هذا “المرض” نجده أيضا في الماسونية، فهي في الحقيقة ليست استثناء، لأننا في النهاية بشر، وبالتالي تناسلت محافل الماسونية في المغرب، لأن من يتوفر عن منصب لا يريد الاستغناء عنه، وهذا نوع من المرض، وهو ليس موضوعنا اليوم.
+ لم تجب بعد على شق من سؤالي الأول، و هو المرتبط ب “الطاعة” بين المحفل الماسوني الفرنسي و المغربي، و يبدو أن هذه الطاعة تعرضت لهزة قوية، وهو ما نكتشفه من خلال وثيقة خاصة للمحفل المغربي، يعلن من خلالها فك الارتباط بالمحفل الكبير الوطني الفرنسي ؟ سؤالك فيه خطأ، المحفل المغربي ليست له أي علاقة بالمحفل الوطني الفرنسي، و آخر نقاش كان في سنة 1973، حيث طلب منا أن نعترف بهم و أن يعترفوا بنا، وتم رفض مفهوم “الطاعة” هذا الذي تتحدث عنه، لأن المحفل المغربي يريد أن يكون على درجة متساوية مع كل محافل العالم، سواء كان عددهم في المحفل الفرنسي 50 ألف أو 10 آلاف، فإذا لم نتفق على أننا متساوين لا يمكن أبدا أن يكون بيننا تنسيق و أن نبني بيننا أية علاقة.
+ أنت تتحدث لي عن سنة 1973، لكن في سنة 2010 كانت هناك رسالة فك الارتباط بين المحفل القانوني المغربي و المحفل الكبير الوطني الفرنسي ؟ أنت تتحدث عن مقصورة مغربية ماسونية، ليست هي المقصورة المغربية الكبرى التي أنتمي إليها، فذاك تنظيم آخر لا علاقة له بنا تنظيميا، كما أن مفهوم “الطاعة” الذي كررته كثيرا في أسئلتك مفهوم غير موجود، لأنه لا يتم تمويلنا أجنبيا، كما لا تمولنا أيضا اية جهة في الداخل.
+ ومن يمولكم إذن ؟ تمويلاتنا من مساهماتنا فقط.
+ يقال أنكم جماعات غنية جدا، و تعيشون في بحبوحة مالية، خاصة و أن من بينكم رجال أعمال، و الدليل على ذلك أنكم تنظمون أنشطتكم غير العلنية في فنادق فخمة في الدارالبيضاء و مراكش ومدن مغربية أخرى ؟ نحن في المقصورة المغربية الكبرى على قد الحال، فنحن من فقراء المحافل العالمية.
+ أنتم في المقصورة المغربية الكبرى يبدو أنكم مختلفين عن باقي محافل الماسونية في المغرب، يبدو أن لديكم جرأة زائدة في النقاش، و الدليل على ذلك أنتم تقبلون إجراء حوارا صحافيا ولو بشروط، وتتوفرون أيضا على موقع إلكتروني، هل هذه خطوات نحو مزيد من الانفتاح ؟ نتمنى أن نكون منفتحين أكثر، وقبلت التحدث معك، لأننا نقرأ باستمرار مجموعة من المقالات و الملفات في مجموعة من الجرائد المغربية و الأجنبية مجانبة للصواب و ليس لها علاقة مع الواقع، و أنا أتذكر أن المجلة الفرنسية كتبت مقالا عن الماسونية الافريقية مليء بالمغالطات.
+ كم اليوم يبلغ عدد الماسونيين في المغرب، فبعض الأرقام تتحدث عن 200 ماسوني مغربي فقط، و بعض الكتابات تشير أن الرقم تقلص في السنوات الأخيرة إلى 64 ماسوني مغربي لا أقل و لا أكثر ؟ هذه أرقام غير مضبوطة، في المقصورة المغربية الكبرى التي أنتمي إليها هناك حوالي300 ماسوني، و إذا جمعنا جميع المحافل الماسونية في المغرب فالرقم يمكن أن يرتفع إلى 500 أو 560 ماسوني مغربي.
+ بمعنى أنكم أنتم في المقصورة المغربية الكبرى هم أكبر محفل ماسوني في المغرب ؟ نحن أقدم و أكبر محفل ماسوني في المغرب.
+ من هو “المعلم الكبير” الذي يقود محفلكم ؟ … (يصمت لبعض الوقت)، هو رجل منتخب…
+ بمعنى أن إسمه يراد له أن يكون مجهولا في الساحة العمومية ؟ نحن في الماسونية لا أحد له الحق لكي يسمي الأخر، ويقول أنه ماسوني، خاصة إذا كان له منصب، فهذه الأمور في أدبياتنا ممنوعة منعا كليا.
+ بعض الوثائق تشير أن “معلمكم الكبير” في المغرب هو زكرياء مكوار، قبل أن تتم إقالته ؟ هذا لا يتعلق بمحفلنا، يبدو أنك تتحدث عن محفل ماسوني آخر لا علاقة له بالمقصورة المغربية الكبرى.
+ محافل الماسونية تناسلت في المغرب بشكل مهول، و يمكن أن أعدد لك 8 محافل ماسونية، فنجد “المحفل الكبير للمملكة المغربية”، “المحفل الكبير للمغرب”، “المحفل القانوني للمملكة المغربية”، “المحفل الشرقي”، “محفل أرغانا”، “المحفل النسائي المغربي”، “محفل رفقاء الأطلس”، “محفل الحق الانساني”…. .. (مقاطعا) أغلب هذه المحافل التي ذكرت لم يعد لها وجود …
+ لكن ما الذي يمنعكم من توحيد الصفوف ؟ هذا نجد تفسيره في علم النفس …
+ يبدو أنكم دبلوماسي، و تجيد المراوغة عندما أحاصرك بالأسئلة ؟ .. (ضاحكا)…
+ هل سمعت ب “خطة سلام الشيطان لتدمير عبد الاله بنكيران” ؟ لا، لم أسمع بها قط …
+ أنتم كماسونيين مغاربة كنتم نقيضا لحكومة عبد الاله ابن كيران، والماسونيون المغاربة أطلقوا خطة تحت إسم “سلام الشيطان” لوقف الولاية الثانية لابن كيران، و يبدو أنكم نجحتم في ذلك ؟ أولا هذه وجهة نظرك، وكلام تتحمل مسؤوليته أنت، فالماسونية المغربية لم تتدخل أبدا في المجال السياسي.
+ ما رأيك في عبد الاله إبن كيران ؟ عبد الاله إبن كيران رجل مغربي نكن له كامل الاحترام على غرار جميع رؤساء الحكومات، كما نحترم جميع الأطياف السياسية التي تتدافع سياسيا، و المشاكل السياسية لا تهمنا من قريب أو من بعيد في المقصورة المغربية الكبرى.
+ لحد الساعة لم أقتنع بهذا الجواب، أنتم كماسونيين مغاربة نجحتم في تمرير مجموعة من الاجراءات الليبرالية في حكومة عبد الاله ابن كيران، التي كانت حكومة مثيرة للجدل ؟ كيف ذلك ؟
+ مررتم هذه الإجراءات الليبرالية عبر مجموعة من الوزراء الذين ينتمون إلى محافل ماسونية مغربية، والبعض يقول أن هؤلاء الوزراء، وهم تكنوقراط تمت صباغتهم بألوان حزبية، هم من كانوا يتحكمون في الكثير من القرارات الحكومية الكبرى، و الكثير من الألسن تتحدث اليوم عن مجموعة من الأسماء الماسونية سواء في حكومة ابن كيران أو في حكومة سعد الدين العثماني، و باقي الحكومات السابقة و من المؤكد أننا سنجدهم أيضا في الحكومات اللاحقة ؟ سأجيبك باختصار و أقول لك أنه ليست لنا أية علاقة بالحقل السياسي، و كلامك فيه افتراضات غير صائبة و مجانبة للصواب و ليست لها أية علاقة مع الواقع.
+ رغم أنك تؤكد أن الماسونية ليست لها علاقة بالسياسة، فهناك من يقول أن عبد الاله ابن كيران كان ذكيا بعدما احتوى مجموعة من كبار الماسونيين المغاربة و ضمهم إلى حكومته ؟ الذي يجهل ليس كالذي يعرف، و الماسونية المغربية ليست لها علاقة مع أي حزب سياسي و لا أي جهة في التصور الشعبي، ليست لدينا أية علاقة.
+ ما ردك على من يقول أنكم كماسونيين كانت لكم خطة لإبعاد العربي بلقايد من عمودية مدينة مراكش و محمد الصديقي من عمودي مدينة الرباط، فبحسب مصادري فهذه نقاط ناقشتها بعض محافل الماسونية في المغرب ؟ أنا مستغرب لأنك تعطي للماسونية كل هذا الثقل، و كل هذا التجرؤ للدخول في بعض النقاشات السياسية، وما تقوله غير صحيح.
+ أتحدث لك الآن عن محفلكم وهو المقصورة المغربية الكبرى، هل بينكم وزراء معروفين، حيث أن البعض يتحدث أن بينكم بعض رموز الدولة ؟ ليس لي علم بذلك…
+ وهل بينكم رجال أعمال معروفين ؟ عندما نضم شخصا جديدا لمحافلنا لا يتم ذلك لأنه وزير أو رجل أعمال أو حلاق أو بستاني، ما يهمنا هو أنه إنسان يحمل افكارا و قيما.
+ ما هو ردك على من سيقرأ حوارنا هذا، و سيقول في الأخير “… و الله مفهمت حتى حاجة من هادشي لي كتقولو” ؟ لنكون منصفين و موضوعيين أقول لهم أن عليهم أن يقرأوا بعض الشيء عن تاريخ الماسونية، و أن يجتنبوا سهولة “يوتيوب” و مواقع التواصل الاجتماعي، و أن يقرأوا العمق، و العمق يمكن أن نجده في المكتبات، قبل أن يكونوا قناعات ومواقف غير دقيقة اتجاه الماسونية.
هناك من سيقول أنه قرأ الحوار و لا يستخلص ما الذي تعنيه الماسونية ؟ بكل بساطة فالماسونية هي مدرسة النهضة في خدمة الانسانية.