شهد البرلمان التونسي مؤخرا مناوشات واعتصامات تسببت في تعطل المداولات. فما الأسباب؟ وكيف تم احتواء الأزمة؟ وما انعكاساتها على المشهد السياسي؟ شهدت أولى الجلسات العامة للبرلمان المنتخب حديثا في تونس مناوشات بلغت حد تبادل الشتائم بين الأحزاب. وأثار ذلك مخاوف لدى كثيرين من عودة البلاد إلى مربع التجاذبات السياسية والأيديولوجية. كما اعتلى نواب الحزب الدستوري منصة البرلمان يوم الأحد مهددين بتعطيل أشغاله، في أحدث حلقة من مسلسل الاعتصامات المتواصل منذ أيام. واضطرت رئيسة الجلسة سميرة الشواشي إلى تسييرها من مكان آخر. واستمرت الفوضى عقب وقوف راشد الخياري، النائب في ائتلاف الكرامة، أمام كاميرا التلفزيون الوطني لمنع تصوير رئيسة الحزب الدستوري، عبير موسي، أثناء تقديمها لمداخلتها. ثم رفع النائب شعار رابعة، وهو ما دفع كتلة “قلب تونس” للانسحاب احتجاجا على تصرفه، وفق ما نقلته وسائل إعلام محلية. وتواصلت بعدها المشادات بين رئيسة الحزب الدستوري الحر ونواب في أحزاب أخرى طالبوا بمحاكمتها واخراجها من القاعة. وبالكاد تمكن البرلمان من التصويت على تشكيل لجنة للتحقيق في حادث سير أودى بحياة 29 شخصًا. خلفيات الأزمة كان البرلمان التونسي قد شهد قبل أيام مناوشات بين نائبة حركة النهضة جميلة الكسيكي ورئيسة كتلة الدستوري الحر عبير موسي القيادية السابقة بحزب التجمع المنحل، وهو الحزب الحاكم أيام الرئيس السابق زين العابدين بن علي. وكانت النائبة عن حركة النهضة قد اتهمت نواب الحزب الدستوري بعرقلة عمل البرلمان للمصادقة على قانون المالية لسنة 2020، واصفة إياهم ب”المصيبة” و”قطاع الطرق”. ودخلت عبير موسي، على إثر ذلك في اعتصام مفتوح برفقة نواب حزبها، مطالبين حركة النهضة بتقديم اعتذار رسمي. وتظهر صور انتشرت عبر فيسبوك عبير موسي ورفاقها نياما داخل القاعة الرئيسية للبرلمان، متدثّرين بالبطاطين. كما هدّدوا بمواصلة الاعتصام والحيلولة دون انعقاد أي جلسة عامة. https://www.facebook.com/Tunisie.arp/photos/a.1523982524547738/2555689868043660/? https://www.facebook.com/Tunisie.arp/photos/a.1523982524547738/2555678814711432/?type=3&theater كما تعرضت النائبة عن حركة النهضة جميلة الكسيكسي إلى حملة عنصرية من نشطاء داعمين للحزب الدستوري الحر عبر مواقع التواصل الاجتماعي بسبب لون بشرتها، وهو ما أثار موجة استنكار لدى سياسيين وفاعلين في المجتمع المدني. وعلى إثر ذلك، انطلقت حملة تضامن مع النائبة، التي قررت اللجوء إلى القضاء لملاحقة أصحاب “التعليقات العنصرية”. https://twitter.com/afefgharbitv/status/1202312564761382914 https://twitter.com/SABERNEFZAOUI1/status/1202885347279020032 وقالت الكسيكسي إن الحملة التي تعرضت لها لا تتماشى مع إنجازات الشعب التونسي، الذي قطع خطوات في مجال حقوق الإنسان، بإصدار قانون ضد التمييز العنصري. من جانبه، نفى النائب عن الحزب الدستوري الحر، كريم كريفة، أن “يكون الشخص الذي صدرت عنه الإساءة العنصرية قياديا في الحزب”. https://twitter.com/M_ohamed_B____2/status/1203340333402210305 وتتسم العلاقات بين الحزبين بتوتر شديد، إذ ترفض موسي وأنصارها الاعتراف بالثورة، وتتهم حركة النهضة ب”الضلوع في الإرهاب”. في حين تتهم حركة النهضة حزب موسي وأنصارها ب”تمجيد الاستبداد وتعطيل مسار الثورة”. https://www.youtube.com/watch?v=8D_xw4wXs8I https://www.youtube.com/watch?v=qAkmi8Ue-x8 وبعد محاولات فاشلة لرأب الصدع بين الحزبين، استأنف البرلمان جلساته يوم الأحد 8 ديسمبر/كانون الأول وسط تجاذبات ومشادات. https://www.facebook.com/photo.php?fbid=10221039378115745&set=a.3178480782547&type=3&theater https://www.facebook.com/tounisia.tamarod/posts/1847611942049384 ولتجاوز الأزمة أصدر مكتب البرلمان في وقت متأخر يوم الأحد بيانين أدان فيهما “العبارات المسيئة“ الصادرة في حق نواب الدستوري الحر، ونائبة حركة النهضة. ودعا النواب إلى احترام “القانون وأخلاقيات العمل البرلماني“. https://www.facebook.com/Tunisie.arp/photos/a.1523982524547738/2556191191326861 وفي وقت لاحق، نقلت إذاعة موزاييك إف إم عن رئيسة كتلة الحزب الدستوري الحر عبير موسي أنها سجلت محضرا لدى سلطات إنقاذ القانون يلزم رئيس البرلمان راشد الغنوشي ومكتب البرلمان ومكتب الضبط بعدم حذف أي مداخلة لنواب كتلتها من مداولات البرلمان. “برلمان متصارع” ويرى نشطاء وسياسيون أن ما تقوم به موسي “يندرج في إطار خطة لإرباك عمل مجلس النواب وتتفيه العمل السياسي في تونس ما بعد الثورة”. لذا يدعون إلى تعديل القانون الداخلي للبرلمان لفرض الانضباط وقطع الطريق أمام ما سموها “الثورة المضادة”. https://www.facebook.com/habib.sethom.5/posts/2435117860071457 https://www.facebook.com/bouajilahabib/posts/10215699733074912 وطالب رئيس الكتلة الديمقراطية غازي الشواشي رئيس مجلس النواب راشد الغنوشي بتطبيق الفصل 48 واللجوء للقوة العامة لمنع ما وصفه ب “مهزلة عبير موسي”. بينما أعلن رئيس حركة مشروع تونس، محسن مرزوق، عن مساندته لموسي قائلا إن “رفض حركة النهضة الاعتذار يوحي بأن الفوضى الحاصلة داخل البرلمان تخدم مصالحهم بعد أن تعطلت محاولات تشكيل حكومتهم”. https://www.facebook.com/mohsen.marzouk.77/posts/1836428409834857 https://www.facebook.com/mondher.guefrach/posts/147295349910372 وعبر آخرون عن خيبة أملهم إزاء ما آلت إليه الأوضاع داخل قبة البرلمان. وطالبوا الطرفين بتنحية الخلافات جانبا وتخليص البرلمان الجديد من الشوائب التي علقت به “بفعل النعرات الحزبية والتجاذبات التي أنهكت المشهد السياسي في السنوات الأخيرة” على حد قولهم. https://www.facebook.com/ghannem.ridha/posts/1573869566086791 https://www.facebook.com/chaima.bouhlel.56/posts/564971224067566 أي مستقبل للبرلمان الجديد؟ ويواجه النظام السياسي في تونس جملة من التحديات في ظل استمرار الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الحادة وتعثّر تشكيل حكومة جديدة. وقد تعمّق الخلاف بين المؤيدين والرافضين لتعديل القانون الانتخابي بعد أن رفض الرئيس التونسي قيس سعيد التوقيع عليه. كما أن البرلمان مطالب بحل ملفات لم تستطع الدورات السابقة البت فيها، أهمها المصادقة على قانون المالية عام 2020 بحلول 10 ديسمبر/ كانون الأول. إلا أن المعضلة تكمن في تشتّت الكتل النيابية. فهي تنتمي إلى تيارات سياسية وفكرية مختلفة، كما أن كتل المعارضة منقسمة. ويعرف بعض النواب الجدد بخطاب متشدد وإقصائي، إضافة إلى اتهام آخرين في قضايا فساد. ويرى المحلل السياسي عبد اللطيف الحنّاشي أن المجلس الجديد يتميز بمشهد “فسيفسائي”. ويعزو ذلك إلى “وجود أحزاب تبدو متناقضة في أطروحاتها وتوجهاتها الأيدولوجية”. وأضاف أن ذلك التباين أدّى إلى بروز خطاب حاد كان حزب الدستوري الحر وائتلاف الكرامة (حركة إسلامية) الطرفين البارزين فيه”. وتوقع الحنّاشي أن “يكون الخطاب السياسي في هذا البرلمان أسوأ من سابقه، خاصة في ظل وجود نوّاب لا يعترفون بالثورة وإنجازاتها رغم أنهم وصلوا إلى البرلمان عن طريق انتخابات ديمقراطية”، حسب تعبيره. ويتابع الحنّاشي: “من الصعب جدا التوصل إلى اتفاقيات خاصة فيما يتعلق بالحكومة الجديدة التي كُلّفت النهضة بتشكيلها نظرا لتشبث كل طرف بمواقفه وانسحاب أحزاب فاعلة من مشاورات تشكيل الحكومة “. ويختم: “هذه المشاورات بعيدة عن الرهانات الحقيقية التي يطرحها الشارع التونسي الذي يمر بصعوبات اقتصادية واجتماعية خانقة”. وفي ظل هذا المشهد، لا يستبعد مراقبون أن تنتهي العهدة البرلمانية الحالية قبل أوانها، بعد تواتر الدعوات إلى إجراء انتخابات تشريعية جديدة.