يعتقد عدد من الخبراء أن استمرار حرب الحصص بين منظمة أوبك والمنتجين الآخرين للنفط بالأسواق العالمية سيعمق من معاناة الطرفين ويزيد من خسائرهما، في حين سيكون الاقتصاد الأوروبي ومعه الاقتصادات الناشئة وباقي البلدان المستوردة الرابح الأكبر من هذه المعركة. وفي أعقاب قرار المنظمة إبقاء سقف إنتاجها دون تغيير، ومع إصرار المنتجين من خارج أوبك على الموقف ذاته، يُتوقع أن تتجه أسعار الخام نحو مزيد من الهبوط في ظل اختلال توازن السوق لفائدة العرض على حساب ضعف الطلب. وفي حين يشدد البعض على ضرورة تعاون كل المنتجين بغرض العمل على إعادة سوق النفط إلى توازنها ومن ثم دفع الأسعار إلى الارتفاع من جديد، فإن آخرين يرون أنه لا حل إلا بتحسن الاقتصاد العالمي المتضرر من تداعيات أزمات متعددة. وقال رئيس أوبك وزير النفط النيجيري إيمانويل إيبي كاتشيكو أمس الجمعة إن الدول الأعضاء قررت في ختام اجتماعاتها بالعاصمة النمساوية فيينا عدم خفض سقف الإنتاج الحالي، لأن قرارا من هذا النوع لم يكن ليترك أثرا كبيرا على الأسواق، لكنه لم يستبعد أن تعقد المنظمة اجتماعا قبل يونيو/حزيران المقبل إذا واصلت أسعار النفط تراجعها. تعاون وفي هذا الصدد يقول الخبير النفطي محمد يعقوب إنه ليس من العدل أن تتحمل أوبك وحدها مسؤولية خفض الإنتاج وهي لا تغطي سوى ثلث الاستهلاك العالمي، في حين أن الثلثين المتبقين تضخهما دول أخرى مثل روسيا والمنتجين غير التقليديين. واعتبر أن الحل يكمن في تعاون كل المنتجين للنفط بهدف ضمان عودة السوق إلى التوازن من جديد، وهو ما سيصب بالنهاية في مصلحة الجميع. وحذر في حديث للجزيرة نت من أن الخسارات ستعمّ الجميع إذا لم يتوصلوا إلى توافقات بشأن حصص كل طرف بالسوق، خاصة في ظل ترقب دولي لعودة إيران إلى الأسواق بعد رفع العقوبات عنها، وطرح إنتاج إضافي من جانب ليبيا والعراق. من جهته عبر الخبير في الشؤون النفطية ربيع ياغي عن اعتقاده بأن قرار أوبك إبقاء سقف إنتاجها دون تغيير عند نحو 30 مليون برميل سيكرس حالة من إغراق الأسواق بنحو مليون إلى مليوني برميل يوميا، وهو ما سيدفع أسعار الخام -برأيه- إلى الانخفاض لما دون مستوياته الحالية. وتراجع سعر خام مزيج برنت بنحو 84 سنتا إلى نحو 43 دولارا للبرميل، بينما هبط سعر برميل الخام الأميركي دون 40 دولارا في تعاملات أمس الجمعة.
تعويض الخسارات ولفت ربيع ياغي هو الآخر إلى أن رغبة إيران في تعويض ما خسرته نتيجة العقوبات، ورفع العراق وليبيا سقف إنتاجيهما مستقبلا، وعودة إندونيسيا إلى حضيرة أوبك من جهة أخرى، كلها عوامل ستعمق من اختلال توازن سوق النفط العالمي ومن ثم تراجع الأسعار. وأشار في حديث للجزيرة نت إلى أن استمرار انخفاض أسعار النفط بالأسواق سيضر بروسيا التي تواجه عقوبات اقتصادية غربية على خلفية الأزمة الأوكرانية، وسيؤثر على المجهود العسكري لموسكو في سوريا، وهو ما ينطبق -في نظره- على إيران أيضا لحاجة الدولتين إلى مزيد من الأموال لتشكل "جرعة أكسجين إضافية" لمواصلة معاركهما. وقال إن انخفاض الأسعار لن يساعد روسياوإيران المنخرطتين في الأزمة السورية والحرب على الإرهاب. وأضاف أن المستفيد الأكبر من انخفاض أسعار النفط في الوقت الحالي هما الاقتصادان الأميركي والأوروبي، مؤكدا أن ما يجري من خلافات على الساحة النفطية بين المنتجين سيصبّ في صالح المستوردين والمستهلكين. تحسن الأداء أما الخبير الاقتصادي علي حمودي فاستبعد إلى حد بعيد حصول توافق بين جميع المنتجين للنفط سواء من داخل منظمة أوبك أو من خارجها على سقف إنتاج معين يعيد التوازن إلى سوق النفط، مؤكدا أن تحسن أداء الاقتصاد العالمي ومن ثم مستويات الطلب كفيل وحده بدفع أسعار الخام إلى الارتفاع من جديد. وقال للجزيرة نت إن "الحل لا يكمن في خفض الإنتاج بل في تحسن الطلب العالمي مستقبلا". وأضاف أنه لا خيار أمام منظمة أوبك سوى أن تصمد في وجه أية ضغوط يمكن أن تدفعها إلى تعديل قراراتها، إلى حين تحسن الأداء الاقتصادي العالمي، بينما لم يرجح أن يؤثر انخفاض الأسعار على روسيا التي قال إنها تحتمي باحتياطات مالية كبيرة.