كان هذا أول سؤال طرحناه في بداية أشغال اللجنة التحضيرية للمؤتمر العاشر… لكن مع الأسف، لم يخضع هذا السؤال للنقاش الذي يستحقه، خصوصا وأن مؤتمر الاتحاد يتزامن مع مرحلة مهمة مليئة بالتحولات السوسيو- ثقافية والاقتصادية، فلا يكفي أن نقول "نعم" حتى نذكر بالتاريخ والمرجعية الاشتراكية كما لا يكفي أن نقول "لا" حتى نذكر بهزالة النتائج وحجم الإخفاقات، السؤال أعمق بكثير من ردود الأفعال المتسرعة. المؤتمر عليه أن يجيب عن هذا السؤال العميق، إجابة سياسية وإجابة تنظيمية، فما حجم العرض الديمقراطي والعرض الحداثي الذي سيقدمه الاتحاد ما بعد مؤتمره؟ وما سقفه؟ في ظل "مشاركة حكومية" ومد محافظ وانسداد على مستوى الحريات الفردية وحرية المعتقد.. ما هو التعامل السليم مستقبلا مع دستور المملكة؟ وهل يكفي الاعتماد على الدولة لصون التوازن والاستقرار السياسي في البلاد؟ ما دور الحزب في هذا؟ من جهة أخرى، لقد أصبح مستقبل الفعل النضالي ينفصل شيئا فشيئا عن التنظيمات التقليدية ويأخذ أبعاد أخرى غير مرتبطة بالقواعد والإطارات المنغلقة. إن الفرد بطبيعته المتناقضة الجامعة لا يستحمل التقيد والانطواء في نظم مقيدة للحرية والتعبير، إن الأسرة والعمل والشارع أصبحت فضاءات حاضنة لهذا التحرر المخالف للقواعد القديمة، لأنها تحتضن خصوصية الكيانات، كما أصبح الرأي العام يسلك قنوات مباشرة ولا يحتاج لوسائط، إنها نهاية النموذج الحزبي الكلاسيكي وبداية بروز نموذج حزبي جديد، هو نهاية مرحلة الديمقراطية التمثيلية وبداية عهد الديمقراطية المباشرة. وهنا، مسؤولية المؤتمر في تحديد طبيعة العلائق التي تربط بين الاتحاد والمجتمع، وذلك بالسعي نحو تقوية الهياكل وتوسيع الوعاء الحزبي واستيعاب الاختلاف. إن ما يشهده العالم اليوم من ثورة تيكنو-معلوماتية وانتشار سريع وواسع للمعلومة والرأي، لم يجعل من مهمة التأطير، مهمة سهلة بالنسبة للتنظيمات الكلاسيكية، وأصبحت الديمقراطية الرئاسية المركزية لا تواكب هذا التحول، وتبقى الديمقراطية البرلمانية أنجع الطرق حاليا، لتوفير الشروط الملائمة للتحول التنظيمي المرتقب، إلى حين الانفتاح على المجتمع لاحقا- أي جعل المجتمع شريكا في صناعة القرار الحزبي وكمثال: طريقة التصويت خلال الانتخابات التمهيدية بفرنسا- لذلك تعتبر الديمقراطية البرلمانية مسلكا رحبا تخضع فيه الديمقراطية الداخلية إلى فصل صريح ومتوازن فيما بين السلط وإطارا يتيح عملية تأهيل ودوران النخب. مؤتمر الاتحاد الاشتراكي فرصة للتأمل والتفكير والإجابة التشريحية ولا يمكن أن يصير إجابة "لائية" صرفة، ضيقة، فطرية، ترفض المجتمع ولا تساهم في تقوية الدولة والمؤسسات.