خالد أوباعمر كلما عاد الملك من جولاته الإفريقية الى ارض الوطن إلا وكثرت التحليلات حول مستقبل مفاوضات تشكيل الحكومة التي استغرقت ستة أشهر دون ان يصل رئيس الحكومة المعين إلى تكوين أغلبية تسمح له بانهاء حالة "البلوكاج" السياسي في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الحكومات المغربية!!! لم يعد اليوم من خيار أمام رئيس الحكومة المعين من قبل الملك طبقا لمقتضيات الفصل 47 من دستور فاتح يوليوز 2011 إلا وضع المؤسسة الملكية في صورة هذا الانسداد "السياسي والدستوري" الذي أصبح مع توالي الشهور يشكل عبئا كبيرا على الدولة والمجتمع لأن وضع المؤسسات الدستورية في البلد لم يعد يحتمل كل هذا البلوكاج الذي تجاوز حدود الممكن!!! إذا استمر رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران في التعاطي بمنطق" رخاها الله" مع سياسة البلوكاج التي يتم تصريفها بطرق متعددة من قبل الفرقاء السياسيين الذين يتفاوض معهم من أجل تشكيل الحكومة فمن واحب المؤسسة الملكية أن تطلب من السيد رئيس الحكومة مراعاة لما تقتضيه المصلحة العليا للبلاد ومصلحة الشعب المغربي الكشف عن مآل مفاوضات تشكيل الحكومة لأن المدة التي استغرقها بنكيران تجاوزت السقف المسموح به في ديمقراطية ناشئة مثل الديمقراطية المغربية. لاشك أن الدستور لم يحدد اي سقف زمني لتشكيل الحكومة استنادا لمقتضيات الفصل 47 من الدستور لكن في السياق ذاته ليس هناك ما يمنع المؤسسة الملكية من إثارة انتباه السيد رئيس الحكومة المعين إلى الانعكاسات السلبية لتأخر تشكيل الحكومة على سير المؤسسات الدستورية مع كل ما يترتب عن ذلك من مساس خطير بمصالح المواطنين وباقتصاد البلد الذي يعاني من الهشاشة!!! الملك وفق الفصل 42 من الدستور مسؤول على ضمان السير العادي للمؤسسات الدستورية وفي نفس الوقت هو الذي يسهر على حماية الدستور والاختيار الديمقراطي كثابت من ثوابت المملكة الدستورية. ومن هذا المنطلق فإنه من خلال تعيين الملك للسيد عبد الإله ابن كيران رئيسا للحكومة وفقا لمقتضيات الفصل 47 من الدستور يكون الملك قد أحترم الدستور وكرس الاختيار الديمقراطي من الناحية المنهجية في حين أن عبئ تشكيل الحكومة أصبح ملقاة على عاتق رئيس الحكومة المعين الذي يتعين عليه اخبار الملك بوصفه رئيسا للدولة وممثلها الأسمى بمآل مفاوضاته السياسية في أجل معقول حتى وان كان الدستور لا يلزمه بذلك احتراما للمؤسسة الملكية من جهة و مراعاة لمصالح المواطنين من جهة ثانية!!! لا أحد يشك في ان حزب العدالة والتنمية هو الحزب الذي تصدر نتائج الانتخابات التي اجريت قبل ستة اشهر ب 125 مقعدا برلمانيا ولا أحد يصادر حق رئيس الحكومة المعين في إجراء المفاوضات اللازمة لتشكيل الحكومة غير انه من غير الممكن ومن غير المقبول الاستمرار في التماس الاعذار لابن كيران الذي فشل إلى حدود الآن في تكوين الأغلبية التي تخول له حق تشكيل الحكومة بحجة أن هناك تماسيح وعفاريت ودولة عميقة فشلت في فرملة البيجيدي انتخابيا وتحاول اليوم فرملته حكوميا!! السياسة في المغرب محكومة بالتوازنات و كل طرف سياسي يبحث على ما يخدم أجندته ومصالحه. نحن الآن، أمام خريطة سياسية مبلقنة و لا تعطي الأغلبية المطلقة لاي حزب سياسي، مما يعني واقعيا، أن حزب العدالة والتنمية لا يمكن له أن يتصرف كحزب اغلبي مادام انه عاجز عن تكوين اغلبية برلمانية تسمح له بتشكيل الحكومة. ما العمل إذن في ظل هذا الوضع؟ لم يعد أمام رئيس الحكومة المعين في احترام تام للفصل 47 من الدستور لتشكيل الحكومة إلا خيارين لا ثالث لهما: إما الانصياع سياسيا لمطالب الأحزاب التي يتفاوض معها وهذا ما يعني قبول دخول الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الى الحكومة رغم قسم بنكيران بعدم دخوله.. وإما عدم الانصياع لضغوط ومنلورات تلك الأحزاب وفي هذه الحالة على السيد عبد الإله ابن كيران الإقرار رسميا بفشله وتسليم المفاتح إلى ملك البلاد لاتخاد القرار المناسب وفق ما يسمح به الدستور. مشكلة رئيس الحكومة تكمن في كونه لم يعد واثقا في أي جهة كانت بما في ذلك رفاقه في الحزب لأنه يعي جيدا انه شخص غير مرغوب فيه كرئيس للحكومة من طرف جهات نافذة داخل الدولة لأسباب يتداخل فيها الذاتي بالموضوعي " أخطائه كرجل دولة وشعبيته كزعيم سياسي" وإذا قدم المفاتيح إلى الملك يكون قد أغلق الباب بيده في وجهه وهذا ما ترغب فيه الأطراف التي تقف وراء ما يصفه قادة العدالة والتنمية بالبلوكاج السياسي!!! بنكيران يعلم علم اليقين انه انتهى وما كشف عنه الصحفي الإسباني اغناسيو سمبريرو على خلفية عدم تمكن وزير خارجية اسبانيا من ملاقاته كرئيس للحكومة دليل قاطع على أن الرجل لم يعد مرغوبا فيه بهذه الصفة خلال المرحلة المقبلة ومع ذلك لا زال يدمن لعبة كسر العظام … يتعين على بنكيران الوعي بأن ما تحصل عليه حزبه في الانتخابات لا يعطيه اي تفوق سياسي على غيره من الفاعلين السياسيين في ظل نظام رسم تعدديته السياسية على المقاس..