محمد طروس يصحو السيد النايب من غفوته الاسترجاعية.. يستجمع قواه العقلية.. يقرر المغامرة.. يغادر الفيلا الفخمة متشحا بالسواد.. بذلة سوداء.. نظارات سوداء.. يحمل حقيبة سوداء.. يركب سيارة سوداء رباعية الدفع.. يترك المدينة النائمة.. الزوجة النائمة.. يركب الطريق إلى القرية.. تتسلط عيناه على الطريق المعبدة.. تسبقه ذاكرته نحو القرية النائية.. تأتيه الصور من بعيد.. تنط في رأسه المشغول أشباح شباب القرية.. زغاريد النسوة فرحة بفوزه الانتخابي الأخير.. يتذكر سماسرته.. مدراء حملاته.. تتوارد إلى ذهنه خطاباته العصماء.. وعوده.. أكاذيبه.. خداع الأوراق الزرقاء. تتسابق الأسئلة في رأسه.. ماذا عساه يقول بعد هذا الغياب الطويل؟ ماذا يقول للشباب الموعودين بفرص الشغل؟ هل سيعيد وعوده من جديد؟ من سيصدقه؟ هل سيجد حديقته الانتخابية كما تركها مفروشة بالانتظارات، بالأحلام والأماني، بأغاني التنمية المستديمة؟. من يضمن سلامته؟ من يمحو ذاكرة القرية المنسية؟ من يقنع الأهالي بصدق سريرته، بحسن نواياه، باستعداده الدائم لخدمة القرية وتنميتها؟ .. تتهاوى الأسئلة أمام عجلات السيارة .. السائرة نحو المجهول.. يطل السيد النايب على القرية. يتسرب الخوف إلى دواخله.. يتصور الأسوأ.. يعيش مشهدا رهيبا.. ينظر إلى أعلى الهضبة.. تتدحرج نحوه جحافل القرويين.. يحملون سيوفا، هراوى، مناجل.. يصرخون.. يتوعدون.. يهاجمون السيارة السوداء.. يحاصرونها كالذباب.. تمتد السواعد عبر النوافذ.. تنتشل الجثة السمينة.. تنهشها الأظافر الجائعة.. يصيح السيد النايب.. يصرخ.. يتوسل.. يستغيث.. تتراجع الأظافر.. يسود الصمت. يتلمس السيد النايب جسده المكتنز. يتحسس وجهه.. يسترجع أنفاسه.. مجرد كابوس مزعج.. هواجس الخوف من المجهول.. كل شيء يقوي لديه الإحساس بالذنب.. الطرق المهملة.. الأزبال المتراكمة.. روائح الصرف الصحي تخنق الأجواء.. يدخل في منطق الدفاع.. يبرر .. يتساءل.. ماذا جنيت؟ ما ذنبي إن أنا نسيت القرية؟ كل النواب المحترمين ينسون.. يذهبون ولا يعودون.. تستهويهم الأضواء .. تغريهم الألقاب.. ينغمسون في الملذات.. لا وقت لديهم للعودة.. يصدق تبريره.. يواصل الطريق…