فقدت الساحة الفنية المغربية خلال السنين الأخيرة وجوها بارزة كانت تضيء سماء الفن في البلاد كما الوطن العربي، بعضهم اعتزل وغادر المغرب إلى الخليج أو أوربا، وآخرون اختاروا الانعزال في بيوتهم، وصنف ثالث سلك طريق الدعوة. وأهم ما يميز اعتزال الفنانين المغاربة، هو الحسم والتردّد، هناك فنانون حسموا أمرهم بصفة نهائية، مثل جدوان، الشاب رزقي، عبد الهادي بلخياط، الذين أرجعوا سبب اعتزالهم لأمور تتعلق بالتوبة وبتفسير معيّن للدين، وأخريات شكل عندهن الوازع الأسري سببا في التواري عن الأضواء كعزيزة جلال وفاطمة مقدداي. فيما لا يزال فنانون آخرون مترددين، مثل نجاة اعتابو ولطيفة رأفت، التي نسبت إليها صحيفة "الخبر" الجزائرية تصريحا تقول فيه إن ظروفا خاصة كانت وراء عدولها عن قرار سبق أن اتخذته قبل أربع سنوات باعتزال الفن، و "أنها لازالت غير دارية بالتاريخ الذي ستعتزل فيه". موقع "الأول" عمل على اقتفاء آثار نجوم الغناء المغاربة المعتزلين، ورصد الوضعية التي يعيشونها بعيدا عن أضواء الفن. عبد الهادي بلخياط.. قرر اعتزال الغناء بصفة نهائية حيث انتقل من العود والغناء إلى الاعتكاف بمسجد النور بالدار البيضاء (التابع لجماعة الدعوة والتبليغ)، وذلك بعد مسيرة فنية دامت زهاء الخمسين سنة، استطاع خلالها أن يحتل مكانة مهمة بين عمالقة الأغنية المغربية. حيث صرح في هذا الصدد على أنه نذر ما تبقى من جهده لتقديم أعمال دينية جديدة على شكل أدعية رفقة الأطفال دون استعمال أدوات موسيقية، كما أنه قام بتسجيل 30 دعاء سيذاع بالقناتين الأولى والثانية مستقبلا. عبد الهادي بلخياط الذي يبلغ من العمر 74 سنة قال كذلك أنه قرر أن يتفرغ لعمله الدعوي الذي كان قد بدأه منذ 24 سنة عندما كان مؤذنا في مساجد باكستان والهند وبنغلادش، وأضاف قائلا أن "المرء في عمر 74 سنة يجب أن يهيئ نفسه للرحيل". وعلى نفس نهج بلخياط، سار مطرب الراي الشاب رزقي صاحب "أغنية أنا الغلطان" الذي انتقل من مطرب أعراس إلى منشد وداعية ديني يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، بعدما كان قد اعتزل الغناء وهو في أوج شهرته، ليقرر أداء مناسك الحج. رزقي سبق له أن ترجّى محبّيه بعدم الاستماع إلى أغانيه السابقة بعدما تاب وتبرّأ منها، وطلب من باعة الأشرطة أن يتخلصوا من كل أشرطته. أما جدوان نجم الأغنية الشعبية فقد اختار طريق القرآن الكريم، وبات يؤذن في أحد المساجد القريبة من مقر سكنه، كما أضحى حريصاً على تعلم قواعد القرآن وتجويده وحضور حلقات علم التجويد، بغية إتقان قراءة كتاب الله وترتيله ترتيلاً حسناً وفق الضوابط والقواعد المتبعة. طريق آخر سلكه المطرب والمنشد رشيد غلام الذي اختطف الغناء الطربي لبه وصوته منذ حداثة سنه وتاه به عالم الليل سنوات قبل أن يهتدي إلى طريق الله ويُخلص في مدحه والتقرب إليه من خلال معتق النصوص وجميل الألحان التي جادت بها نفسه، وذلك قبل أن يعود في خطوة أثارت الكثير من الجدل ليتصالح مع الموسيقى الآلية ويغني العديد من الطربيات ذات البعد الصوفي أمام جوق دار الأوبرا وكبريات الأجواق في تركيا ومصر.. هذا التوجه الجديد الذي تبناه رشيد في طرح رسالته الفنية لم يكن اختيارا إبداعيا محضا وذلك حسب تصريحه لعدة منابر إعلامية وإنما هو موقف عقائدي من شكليات تؤثث للغناء في إشارة منه أنه لا يجد غضاضة في استحسان المعازف. من ناحيتها، فضلت عزيزة جلال ذات الأصول المكناسية، العائلة عن الشهرة عندما توارت عن الأضواء سنة 1985، حيث أن الكثيرين لم "يهضموا" قرار عزيزة اعتزال الغناء بموازاة زواجها من رجل الأعمال السعودي، الشيخ علي بن بطي الغامدي الذي توفي مؤخرا، حيث استقرت معه بمدينة الطائف ببلد الحرمين، ورزقت منه بثلاثة أبناء. زواج عزيزة برجل الأعمال السعودي الراحل، يقول البعض إنه جاء بعد قصة حب بينهما، توجت بالاقتران بعد أن قدم كل طرف تنازلات وتضحيات للآخر، فجلال قررت وأد شهرتها وهي في ذروتها، بينما صد زوجها العراقيل التي لاقاها من أفراد عائلته التي اعترضت عن هذا الزواج في بدايته. وعلى نهج عزيزة جلال سارت عدة فنانات، وإن اختلفت التفاصيل فالدوافع مشتركة وواحدة، حيث فضلن التواري عن الأنظار والاهتمام بالشؤون الأسرية على الإذعان للحياة الفنية وإكراهات أضواءها، ومن بينهن، فاطمة مقدادي، بهيجة إدريس، مريم بلمير، سمية قيصر، وفاطمة أكيد، وأخريات آثرن الانسحاب في صمت مطبق يعكس موقفهن الواعي وغير المعلن من قضايا الفن والفنانين.